قطر تحجم عن تقديم الأموال لحكام سوريا الجدد خشية العقوبات الأميركية

بقيت الوعود القطرية بتقديم الدعم إلى الإدارة السورية الجديدة معلقة في انتظار اتضاح سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه دمشق، وهو أمر قد يطول حيث أن ترامب لا يرى في سوريا حاليا أولوية.
دمشق - تواجه الإدارة السورية الجديدة استحقاقات مالية كبيرة وعاجلة ومنها دفع رواتب الموظفين الحكوميين في ظل إحجام الحلفاء الإقليميين عن تقديم الدعم المالي، الذي سبق أن وعدوا به، خشية العقوبات الأميركية.
واعتقدت دمشق للوهلة الأولى أن الدول الحليفة وفي مقدمتها قطر ستسارع إلى ضخ الأموال اللازمة لإنعاش اقتصاد البلاد المنهار جراء أربع عشرة سنة من الحرب، خاصة وأنه من مصلحة تلك الدول إنجاح تجربة الحكم الناشئة في سوريا.
وضاعفت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في أواخر يناير الماضي إلى دمشق، وما سبقها من وعود على لسان المسؤولين القطريين، حجم تطلعات السوريين، لكن بمرور الوقت تبددت تلك الرهانات.
وقالت أربعة مصادر إن قطر تحجم عن تقديم الأموال لحكام سوريا الجدد من أجل زيادة رواتب القطاع العام بسبب الغموض حول ما إذا كانت التحويلات ستمثل انتهاكا للعقوبات الأميركية.
◙ سياسة الغرب تجاه سوريا تواجه تعقيدات بسبب الجذور المتشددة لهيئة تحرير الشام التي قادت الحملة التي أطاحت بالأسد
ويعكس التأخير في تنفيذ خطة قطر للمساعدة في دفع زيادة الرواتب، وفقا لما سبق أن نشرته وكالة رويترز في يناير، حجم التحديات التي تواجهها السلطات الجديدة ذات المرجعية الإسلامية بسوريا في سعيها لتحقيق استقرار في الدولة المنقسمة ولطمأنة القوى الأجنبية بشأن قيادتها.
ووفقا للمصادر فإنه رغم أن الإدارة الأميركية السابقة أصدرت إعفاء من العقوبات في السادس من يناير للسماح بالمعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا لمدة ستة أشهر، فإن قطر لا ترى هذا كافيا لتغطية المدفوعات التي ستحتاج إلى سدادها عبر بنكها المركزي لتمويل زيادة الرواتب.
وقالت ثلاثة مصادر إن قطر، حليفة الولايات المتحدة وصاحبة العلاقات طويلة الأمد مع الفصائل التي ساعدت في الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر، تنتظر وضوحا بشأن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه دمشق.
وينتمي حكام سوريا الجدد إلى تحالف كانت تقوده جماعة هيئة تحرير الشام التي تشكلت بعد أن قطع زعيمها أحمد الشرع المعروف بأبومحمد الجولاني صلته بتنظيم القاعدة في عام 2016. وأُعلن الشرع رئيسا مؤقتا لسوريا بعد الإطاحة بالأسد.
وكانت الحكومة السورية المؤقتة وعدت في يناير الماضي بزيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 400 في المئة، نظراً لتدهور قيمة الليرة السورية وعجز الرواتب عن سد الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
◙ التأخير في تنفيذ خطة قطر للمساعدة في دفع زيادة الرواتب يعكس حجم التحديات التي تواجهها السلطات الجديدة
وقالت وزارة المالية إن إجمالي الرواتب الشهرية بما يشمل الزيادة يبلغ نحو 120 مليون دولار، مع وجود أكثر من 1.25 مليون موظف على جداول رواتب القطاع العام.
ولم تتمكن رويترز من تحديد المبلغ الذي تعتزم قطر المساهمة به. ولم تدخل الزيادة حيز التنفيذ بعد.
ولم ترد وزارة الخارجية القطرية والمتحدث باسم وزارة المالية السورية بشكل فوري على طلب للتعليق. ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الخزانة والبيت الأبيض على أسئلة لرويترز.
وذكر أحد المصادر، وهو مسؤول أميركي، أن قطر لم تبدأ في دفع الرواتب بسبب الغموض الذي يكتنف وضع العقوبات الأميركية.
وقال مصدر آخر أيضا إن قطر لم تدفع رواتب القطاع العام، لكنه أشار إلى أن الدوحة أرسلت شحنتين من غاز البترول المسال للمساعدة في تخفيف أزمة الطاقة الطاحنة.
ويمثل إنعاش الاقتصاد أولوية قصوى للسلطة الجديدة في سوريا. وتقول الأمم المتحدة إن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون في حالة فقر.
ووضعت إدارة الشرع خططا لخفض ثلث الوظائف في القطاع العام كبير الأعداد، وهو ما كان يُنظر إليه على نطاق واسع في عهد الأسد على أنه أداة تستخدمها إدارته لضمان الولاء من خلال الرواتب.
◙ حكام سوريا الجدد يخشون أن يطول إحجام قطر وباقي الدول الإقليمية عن تقديم الدعم
ويسري الإعفاء من العقوبات الأميركية حتى السابع من يوليو. ويتيح هذا الإعفاء التحويلات الشخصية من خلال البنك المركزي وبعض المعاملات المتعلقة بالطاقة.
ويُعرف هذا الإعفاء بأنه ترخيص عام، ويمثل وسيلة لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية. لكن وزارة الخزانة الأميركية قالت إبان الإعلان عنه إن الإجراء لا يرفع العقوبات الأميركية.
ودعا الشرع مرارا إلى رفع العقوبات الغربية التي فرضت لعزل الأسد بسبب حملته العسكرية خلال الحرب الأهلية التي بدأت في عام 2011، ولتكثيف الضغوط عليه من أجل التوصل إلى حل سياسي للصراع.
وقال وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني في خطاب ألقاه الثلاثاء إن الحكومة نجحت في التوصل إلى تعليق بعض العقوبات أو تخفيفها. وقال مسؤولون سوريون إن العقوبات لم تعد مبررة بعد الإطاحة بالأسد.
ويوم الاثنين علقت دول الاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات ضد سوريا في قرار دخل حيز التنفيذ على الفور، وشمل قيودا متعلقة بمجالات الطاقة والخدمات المصرفية والنقل وإعادة الإعمار.
ولم تقل إدارة ترامب الكثير عن سياستها تجاه سوريا. وفي 16 فبراير الجاري تحدث وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بنبرة حذرة خلال زيارته إلى القدس، قائلا إن سقوط نظام الأسد أمر مبشر لكنه لن يكون تطورا إيجابيا إذا استبدلت سوريا قوة مزعزعة للاستقرار بأخرى مثلها.
ويخشى حكام سوريا الجدد أن يطول إحجام قطر وباقي الدول الإقليمية عن تقديم الدعم، خصوصا وأن ترامب لا يرى في سوريا حاليا أولوية، في المقابل هناك استحقاقات مالية عاجلة تستحق التحرك في سوريا.
وتواجه سياسة الغرب تجاه سوريا تعقيدات بسبب الجذور المتشددة لهيئة تحرير الشام التي قادت الحملة التي أطاحت بالأسد وتصنفها القوى العالمية جماعة إرهابية.
وولدت هيئة تحرير الشام من رحم جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، بعد أن قطع الشرع الصلة بالتنظيم في عام 2016. وحُلت الجماعة رسميا في يناير الماضي.