قطر تتعاطى بانتقائية وتستثني البحرين من المصالحة الخليجية

ترفض قطر التجاوب مع الدعوات المتكررة للبحرين للحوار في موقف يبدو غير مفهوم بالنسبة إلى المنامة التي تؤكد حرصها على المصالحة الخليجية وعلى التزامها ببيان العلا، وتفكيك عقد الخلافات مع الدوحة.
المنامة - تتبنى قطر سياسة مزدوجة في التعاطي مع ملف المصالحة الخليجية، ففيما تحرص على استعادة نسق العلاقات خصوصا مع المملكة العربية السعودية إلى ما كانت عليه قبل العام 2017، تصر الدوحة على استثناء المنامة.
وتقول أوساط سياسية خليجية إن مقاربة الدوحة لملف المصالحة لا يخلو من انتقائية، وهو ما من شأنه أن يضر بجهود تعزيز الوحدة الخليجية، التي أكدت عليها القمة الأخيرة لمجلس التعاون التي عقدت في ديسمبر الماضي في الرياض، وكان الأمير تميم بن حمد آل ثاني مشاركا فيها وفي إقرار بيانها الختامي.
وكشف وزير الخارجية البحريني عبداللطيف بن راشد الزياني الخميس عن عدم تجاوب قطر مع دعوات بلاده المتكررة للحوار، نافيا صحة الذرائع القطرية التي تتحدث عن غياب توافق بشأن آليات حل الخلافات.
ونقلت وكالة الأنباء البحرينية عن الزياني قوله إن “البحرين وجهت الدعوة للجانب القطري ثلاث مرات دون رد، واقترحت عقد الاجتماعات الثنائية للجان الفنية في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون في الرياض باعتبارها المنظومة الأم التي ترمز إلى العمل الخليجي ومسيرته طوال أربعة عقود وتمثل جميع الدول الأعضاء، وقام أمين عام مجلس التعاون بنقل الطلب البحريني إلى الدوحة والتي لم تستجب حتى الآن بالرد على هذا المقترح”.

الشيخ محمد بن عبدالرحمن: العلاقات مع البحرين متأخرة، بسبب آليات حل الخلافات
وشدد وزير الخارجية البحريني على أن بلاده لا تزال ملتزمة ببيان العلا الصادر عن الدورة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج في يناير 2021. وأوضح أن “مملكة البحرين ليس لديها خلاف حول آلية الحوار مع دولة قطر بشأن القضايا العالقة طبقا لبيان العلا”.
وذكر وزير الخارجية البحريني خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف المحلية ردا على سؤال حول تصريحات نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بأن “تأخر علاقات قطر مع البحرين سببه عدم الاتفاق على آليات حل الخلاف” بأنه “لا يوجد خلاف حول آلية الحوار الثنائي”.
وتحدث وزير الخارجية القطري خلال ندوة في مركز “تشاتام هاوس” في العاصمة البريطانية لندن عن ملف المصالحة الخليجية قائلا إن “العلاقات بين الدول متباينة، ولكن أعتقد أننا في وضع جيد جدا مقارنة بالعام الماضي”، مضيفا “ربما العلاقات مع البحرين متأخرة بعض الشيء، بسبب عدم اتفاقنا على الآليات التي ستوظف لحل الخلافات، ولكن هذا ليس بالضخامة التي يتم تصويرها”.
ووضعت قمة العُلا أسس المصالحة الخليجية بين قطر من جهة وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية، بعد قطيعة امتدت لنحو أربع سنوات بين الجانبين بسبب سياسات الدوحة في دعمها للجماعات الإسلامية، وعلاقاتها المثيرة للجدل مع تركيا وإيران.
ومنذ التوقيع على بيان العلا شهدت علاقات قطر مع كل من السعودية والإمارات ومصر عودة وإن كانت بنسق متفاوت، لكن العلاقة مع البحرين بقيت متوترة في ظل تجاهل قطري رسمي للمنامة، واستمرار الاستهداف الإعلامي للمملكة من منابر قطرية.
ويرى مراقبون أن عدم تجاوب قطر مع دعوات البحرين المتكررة للحوار يعكس تعاطيا فوقيا هو أقرب للتجاهل، حيث أن الدوحة تعتبر البحرين مكونا ثانويا داخل المنظومة الخليجية ولا تملك الثقل السياسي والاقتصادي الذي يجعلها حريصة على طي صفحة الخلافات معها.

ويشير المراقبون إلى أن خطاب الدوحة الإعلامي تجاه البحرين بقي على حاله، وهو ما يتجلى في حرص قناة الجزيرة على التقاط أي انتقادات للمملكة لاسيما في علاقة بحقوق الإنسان للترويج لها الأمر الذي أثار حفيظة المنامة، التي عبرت في أكثر من مناسبة عن استيائها حيال ممارسات القناة.
وللتوتر بين البحرين وقطر خلفيات تاريخية، تعود إلى ثلاثينات القرن الماضي عندما قامت قوات قطرية بمهاجمة منطقة الزبارة التي كانت تابعة للبحرين، وهي منطقة واقعة في شمال غرب قطر، إلى جانب محاولة السيطرة على فشت الديبل وجزر حوار التي كانت تشكل ثلث مساحة البحرين آنذاك، ما دفع بريطانيا حينها إلى التدخّل لحلّ النزاع وترسيم الحدود بين الجانبين.
وطفا الخلاف الحدودي مجددا إلى السطح بين الطرفين في ثمانينات القرن الماضي، حيث قامت قطر في العام 1986 بعملية إنزال على جزيرة فشت الديبل، واحتجزت عمال المنطقة وموظفيها، الأمر الذي كاد أن يتسبب في مواجهة عسكرية بين الجانبين لولا تدخل السعودية. واستمر هذا التوتر قائما حتى تسعينات القرن الماضي.
وحل النزاع الحدودي في العام ألفين حيث أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارا بمنح البحرين السيادة على جزر حوار وجزيرة قطعة جرادة، وحصول قطر على سيادة جزر جنان وحداد جنان والزبارة وفشت الديبل.
ويرى متابعون للشأن الخليجي أنه ورغم طي هذا النزاع بعد القرار القضائي إلا أن آثاره لا تزال ماثلة وتلقي بظلالها على العلاقات بين الطرفين، وقد حصلت في السنوات الأخيرة العديد من الحوادث بين الطرفين في مناطق الصيد البحري لكليهما.
ويشير المتابعون إلى نقطة خلافية أخرى بين الدوحة والمنامة، وهي فتح قطر المجال للمعارضة البحرينية المتهمة بولائها لإيران للحديث على منابرها.
ويشكل هذا الملف حساسية كبيرة بالنسبة إلى المنامة التي تسعى لتجاوز مخلفات ما حصل عند اندلاع ما سمي بانتفاضات الربيع العربي، لكن منابر قطر الإعلامية لا تزال تعمد إلى الشد على الجرح.