قطاع المقاولات المصري في ورطة تحديث التشريعات

عدم تغيير القوانين يقوض مشاركة الشركات في مشروع رأس الحكمة.
الاثنين 2024/05/27
تحسين ثقافة السلامة في مواقع البناء مهم أيضا

تواجه شركات المقاولات المصرية، خاصة المتوسطة والصغيرة وكيانات كبرى تعتمد على العمل محليا، ورطة غير مسبوقة بسبب عدم ملاءمة التشريعات المنظمة لعملها، حيث لا توجد قوانين تتيح نشاطها من الباطن أو الدخول في مناقصات الشركات الخليجية والأجنبية.

القاهرة – تراقب شركات المقاولات والتشييد المصرية بقلق تحرك السلطات لإجراء تغييرات على بعض التشريعات للسماح لها بدخول مشاريع تنفذها كيانات دولية وخليجية عملاقة، على رأسها مشروع رأس الحكمة، لأنها لا تسمح لها بالمشاركة في تلك الاستثمارات.

ويكتنف الغموض مستقبل القطاع، الذي اعتمد الفترة الماضية على الدولة في غالبية مشاريعها، مع اعتزام السلطة وضع سقف للاستثمارات بنحو تريليون جنيه (21 مليار دولار) في العام المالي المقبل، الذي يبدأ مطلع يوليو.

ويعني هذا ضرورة البحث سريعا عن عقود مع شركات أخرى، وتوقع أن يستمر زخم نشاط المقاولات في البلاد مع زيادة الاستثمار الأجنبي ومن الشركات العملاقة المحلية بعد تعويم الجنيه واتفاقية رأس الحكمة بين مصر والإمارات.

حمدي عتمان: ضرورة وجود لوائح لعقود البناء تواكب المعايير الدولية
حمدي عتمان: ضرورة وجود لوائح لعقود البناء تواكب المعايير الدولية

ويعمل ذلك على سد فجوة القرار الحكومي بخفض الاستثمارات العامة، لكن التشريعات واللوائح التي تنظم العقود لا تواكب المعايير الدولية، ما يعني أن الكثير من الشركات المصرية لن تستفيد من الفرص.

ويتوقع أن يتراجع عدد مناقصات المشاريع الحكومية، لكن الجهود المبذولة لتعزيز دور القطاع الخاص ودعوات صندوق النقد الدولي لترشيد السياسة المالية وإبطاء الإنفاق على البنية التحتية تؤكد أن مصر ملتزمة بخطتها العام المقبل، وتعضيد موقفها أمام المانحين.

ومع تحديد سقف للاستثمارات العامة العام المالي المقبل ستركز التمويلات على المشاريع الجارية، التي اكتملت بنحو 70 في المئة، وسوف تدخل مرحلة التشغيل خلال عامين على أقصى تقدير، فضلاً عن عدم تلقي المشاريع الجديدة تمويلات إلا بعد موافقة مجلس الوزراء.

وعقب تحرير سعر صرف الجنيه، الذي عزز استقرار الأسواق وأسعار مواد البناء والإعلان عن مشروع رأس الحكمة باستثمار يبلغ 35 مليار دولار، استعدت صناديق أجنبية ومحلية لطفرة في النشاط العقاري والبناء والتشييد في البلاد.

وحرص مطورون على الترويج لخططهم التوسعية لمواكبة الواقع الاقتصادي الجديد، والمزيد من المشاريع الممولة من الخارج، وبعد التوسع في إطار خطط البنية التحتية الحكومية يتجه مقاولو بناء إلى الشركات الأجنبية التي تتطلع إلى الاستثمار في مصر.

وتفشل شركات المقاولات المحلية والمتوسطة والصغيرة أحيانا في المشاركة بالمشاريع المرتقبة، ومع إقبال الكثير من المستثمرين الأجانب على التعاقد مع مقاولين واستشاريين أجانب لا توجد تشريعات ولوائح تحدد صياغة العقود بين المقاولات المحلية والجهات غير الحكومية.

وينطبق ذلك على المشاريع المدعومة من المقرضين الدوليين، إذ تتردد شركات محلية في تقديم العروض الممولة من البنك الدولي والبنك الأوروبي للإعمار وبنك التنمية الأفريقي، مثلا، لكونها تلتزم بمعايير دولية في العقود التي ليست جزءا من الإطار التنظيمي في البلاد. ويوضح عضو لجنة الاستثمار العقاري بجمعية مستثمري العاشر من رمضان حمدي عتمان أنه يوجد إطار تنظيمي للعقود المبرمة مع الجهات الحكومية فقط.

محمد درة: العقد المتوازن سيصبح حتميا الفترة المقبلة لإنقاذ الشركات
محمد درة: العقد المتوازن سيصبح حتميا الفترة المقبلة لإنقاذ الشركات

وقال لـ”العرب”، “ينظم قانون التعاقدات الحكومية الصادر عام 2018 العقود الحكومية مع المقاولين المحليين، ومع التحول إلى القطاع الخاص الأجنبي، فإن الأطر التنظيمية للتعاقدات بحاجة إلى تحديث”.

وشدد على أن ثمة حاجة ماسة إلى لوائح تنظيمية لعقود البناء تتماشى مع المعايير الدولية، إذا أرادت مصر تحقيق هدفها المتمثل في جذب المزيد من الاستثمارات وأن تصبح مركزا لأعمال البناء والتشييد في المنطقة. وأضاف عتمان “يجب وضع معايير تتسق مع تلك التي وضعها الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين (فيديك)”.

وتضع عقود فيديك معايير معترفا بها عالميا لصناعة الاستشارات، التي توازن بين مصالح شركات المقاولات وأصحاب المصلحة. وتضمن عقودها وجود علاقة متوازنة وحقوق والتزامات واضحة للطرفين، وتشتمل على مبادئ توجيهية محددة لمعالجة القضايا الخاصة بالمشروع دون الإخلال بتوازن المخاطر.

ويعمل عمالقة القطاع في البلاد وفقا لإرشادات فيديك كونهم يتمتعون بالملاءة المالية الكبيرة وينتظمون بالمشاركة في مشاريع ممولة من جهات دولية أو مشاريع محلية ممولة بقروض تطبق عقود الاتحاد، لكن الشركات العاملة في المشاريع المحلية ملتزمة بالقانون الحالي.

ويسعى المستثمرون بتلك الصناعة إلى وضع تشريعات جديدة تتوافق مع الممارسات الدولية التي حددها اتحاد فيديك. وقرر الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء التفاوض مع وزارتي الإسكان والمالية على عقود متوازنة على غرار عقود فيديك، التي تضمن أفضل الممارسات الإجرائية في البناء والأساليب القانونية لحل النزاعات المتعلقة بعقود البناء والتشييد.

وحسب مصادر في الاتحاد تحدثت لـ”العرب”، فإن الأطر التنظيمية التي تحكم العقود المبرمة مع الجهات الحكومية بحاجة إلى التحديث أيضا. وقالت المصادر إن قانون التعاقدات الحكومية لعام 2018 يجامل الجهة المسندة على حساب المقاولين، وحال إلغاء المشروع قد يواجه المقاول ضربة مالية كبيرة، فلا توجد نفس الحماية المتبادلة المقدمة إلى الطرفين كما هو الحال في عقود فيديك.

وتواجه شركات المقاولات غرامات بسبب التأخر في التسليم وغالبا ما تحصل على قروض بفائدة مرتفعة للوفاء بالجداول الزمنية للتسليم، وتفتقر المعايير الحالية إلى وجود بنوك للتعامل مع المخاطر المحتملة، بما في ذلك الكوارث الطبيعية والقوة القاهرة.

مفاوضات مع وزارتي الإسكان والمالية لاعتماد عقود متوازنة على غرار عقود فيديك
مفاوضات مع وزارتي الإسكان والمالية لاعتماد عقود متوازنة على غرار عقود فيديك

وأوضح مصدر حكومي لـ”العرب” أن “العديد من الشركات المصرية لا تشارك أو تُرفض عروضها لأسباب إدارية أو شروط غير واضحة، على الرغم من تقديم عروض فنية ممتازة”.

وأكد أن الفترة الراهنة تشهد تعاونا حكوميا مع المقاولين وشركات الاستشارات لحل تلك المشاكل ووضعهم كمقدمي خدمات للجهات الدولية في مصر، ويتم ذلك بناء على معايير مشتركة مع معظم الكيانات الدولية.

وكشف عضو اتحاد مقاولي التشييد محمد درة أن العقد المتوازن سيصبح أمرا حتميا قريبا لإنقاذ الشركات، والعقود الإدارية لا تتوافق مع الفترة المقبلة خاصة مع برنامج تخارج الحكومة الجزئي أو الكلي من الأنشطة الاقتصادية.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أنه “مع إقبال المستثمرين المتوقع على الاستثمار في النشاط العقاري بمصر، فإن الأمر يتطلب تأسيس عقود جديدة تختلف عن العقود الإدارية التقليدية التي يتم تطبيقها حاليا”.

ولفت إلى أن الاتجاه ينحو نحو إعداد دراسة طويلة الأجل لمواجهة آثار طول فترة تنفيذ المشروع، والمعمول بها في عقود فيديك لدراسة إدراجه في قانون التعويضات الحالي، كي لا تتعرض الشركات لمشكلات مستقبلا مثل ارتفاع التكاليف كما حدث بعد تعويم الجنيه.

وينظم العقد المتوازن حقوق ومسؤوليات كل طرف من أطراف العقد بدقة ووضوح، كما أنه آلية موثوقة لحل الأزمات المتوقعة أثناء تنفيذ شركات المقاولات أعمالَها مع الحكومة أو الأجانب.

11