قطاع الاتصالات في لبنان مُهدد بالانهيار

يواجه لبنان شبح الانقطاع عن العالم بسبب مشكلة الاتصالات والإنترنت جراء الأزمة المالية، وهو ما يهدد بانهيار قطاع حيوي بشكل كلي وذلك في ظل غياب حلول جذرية للمشكلة التي تعطي نظرة فاحصة بشأن أقصى حدود ما وصلته الأزمة الاقتصادية بالبلاد.
بيروت - انضم قطاع الاتصالات في لبنان إلى قائمة طويلة من المجالات المتضررة من استفحال الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، وسط تضاؤل الآمال في إنقاذه مع تقهقر نشاطه جراء إضراب موظفي الهيئة المسؤولة عنه وأزمة الكهرباء.
وقال وزير الاتصالات جوني القرم إن “المشكلة الأساسية للاتصالات في البلاد هي انقطاع الكهرباء”، مبينا أن إضراب موظفي هيئة أوجيرو تيليكوم الحكومية تسبب بشلل القطاع.
ومطلع سبتمبر الجاري توقفت خدمات الاتصالات والإنترنت لعدة أيام في مناطق مختلفة بالبلاد بسبب إضراب موظفي الهيئة التي تدير هذا القطاع.
ويبلغ عدد موظفي أوجيرو حوالي 2500، وهي تتبع للوزارة لكنها تتمتع باستقلالية إدارية، وتشكل البنية التحتية الأساسية لجميع شبكات الاتصالات بما في ذلك الهاتف المحمول وخدمات الإنترنت.
ويطالب موظفو الإدارات الحكومية في لبنان بتحسين رواتبهم التي انهارت قيمتها على مدى السنوات الثلاث الماضية إثر هبوط الليرة مقابل الدولار.
لكن المشكلة الأساسية المرتبطة بانقطاع الكهرباء ما تزال المشكلة الأبرز في تأثر خدمات الاتصالات والإنترنت في عموم البلاد.
واعتاد القطاع، الذي كان يوما منجم ذهب للدولة، أن يخصص معظم إنفاقه لدفع الرواتب والإيجارات ودعم البنى التحتية.

ومع تراجع الإيرادات بقوة باتت الكلفة الأكبر لشركتي ألفا وتاتش المحتكرتين للقطاع واللتين عادتا إلى أيدي الدولة في عام 2020 تُخصص للإنفاق على المولدات لتشغيل الشبكة المتعثرة بعد أن أدت الأزمة العميقة إلى انهيار العملة.
وما تزال قيمة الليرة تسجل تراجعا ملحوظا، حيث بلغ سعر صرف الدولار الواحد مؤخرا 35 ألف ليرة في السوق الموازية، مقابل 1507 في السوق الرسمية.
ومنذ أواخر 2019 تعصف بلبنان أزمة اقتصادية حادة صنفها البنك الدولي واحدة من أشد ثلاث أزمات عرفها العالم، حيث أدت إلى انهيار مالي ومعيشي وشح بالوقود المخصص لتشغيل معامل الطاقة الكهربائية.
وفي حديث للأناضول، قال القرم إن “إضراب الموظفين تسبب بشلل قطاع الاتصالات”، فيما أكد على حقهم بالإضراب، لكنه شدد على رفضه توقف الخدمة (الاتصالات والإنترنت) عن الشعب. وحذر من أن "استمرار الإضراب على المدى الطويل قد يؤدي إلى تعطيل هذا القطاع كليا".
وبعد نحو عشرة أيام من الإضراب، أعلنت نقابة الموظفين أواخر الأسبوع الماضي عن تجميد إضرابها لعدة أيام بعد مفاوضات جرت مع الوزارة تم خلالها التوصل إلى اتفاق لتحسين رواتب الموظفين.
ويُفضل القرم أن يميّز بين الاتصالات الأرضية والإنترنت اللتين تديرهما أوجيرو، وبين قطاع الاتصالات الخلوية الذي تديره شركتان بنظام خاص تحت إشراف الدولة.
وقال إنه بالنسبة إلى القطاع الخلوي جرى تعديل الأسعار واعتماد سعر صرف منصة “صيرفة” لسعر الدولار، ومن خلال هذه الطريقة استطاع القطاع تأمين الإيرادات الكافية لاستمراريته "والآن بدأنا ندرس مرحلة كيفية تحسين الخدمة".
ويبلغ سعر صرف الدولار الواحد وفق منصة صيرفة التابعة للبنك المركزي حوالي 28 ألف ليرة، في وقت يبلغ سعر الصرف بالسوق الموازية 35 ألف ليرة.
أما بالنسبة إلى أوجيرو فإنها تتبع الحكومة مباشرة، وبالتالي إيراداتها غير مرتبطة بكلفة تشغيلها، ومدخولها يذهب إلى خزينة الدولة، بينما كلفة التشغيل تأتي من الموازنة العامة السنوية للبلاد.
وشكا الوزير من عدم إقرار البرلمان لموازنة 2022، لما لذلك من عواقب على حسن سير المرافق العامة، لكنه أوضح أن الأموال التي رصدت لقطاع الاتصالات غير كافية.
وبحسب الموازنة جرى رصد 48 مليار ليرة (نحو 1.4 مليون دولار) لهيئة أوجيرو، وهو مبلغ لا يكفي لشراء المازوت لفترة قصيرة لتشغيل مولدات الكهرباء. ورأى الوزير أنها موازنة قديمة لا تراعي التغيرات الاقتصادية والمالية.
وبسبب توقف معظم محطات الطاقة الحكومية في البلاد نتيجة شح الوقود، يلجأ اللبنانيون إلى تأمين الكهرباء من مولدات خاصة، لكن كلفتها تعد باهظة جداً مقارنة بكهرباء المحطات الحكومية.
وأوضح القرم أن الموازنة المنتظرة كان يجب أن تلحظ مصاريف إضافية، أهمها شراء مولدات خاصة لهيئة أوجيرو في ظل استمرار أزمة انقطاع الكهرباء في البلاد.
وكان البرلمان طلب من الحكومة مؤخراً إدخال تعديلات على الموازنة، قبل الموافقة عليها، خصوصاً في ما يتعلق بتعرفة الرسوم الجمركية واعتماد سعر موحد لسعر صرف الدولار، لكن ذلك لم يتمّ بعد.
1.4 مليون دولار مخصصات أوجيرو لهذا العام وهي لا تكفي لشراء الوقود لتأمين الكهرباء
وعن استجرار الإنترنت من الخارج، أكد الوزير أنه حتى الآن لا توجد أي مشاكل أو صعوبات في تأمين كلفة ذلك، مبينا أن المشكلة الأساسية مرتبطة بصعوبة تأمين الطاقة.
وتبلغ كلفة استجرار الإنترنت قرابة 6 ملايين دولار في السنة، في وقت تعاني البلاد من عدم وفرة النقد الأجنبي المخصص للاستيراد على وقع تراجع غير مسبوق باحتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي.
وقال القرم "إذا تأمنت الطاقة الكهربائية في البلاد، فإن أكثر من 50 في المئة من مشاكل قطاع الاتصالات تُحل".
ولفت إلى أن الوزارة تملك 3 آلاف مولد كهربائي كان من المفترض أن تعمل ساعتين أو ثلاثا يوميا، لكن بسبب انقطاع شبه تام للكهرباء الحكومية، فإن المولدات أصبحت مصدر الطاقة الأساسي، ما أدى إلى زيادة كلفة صيانتها وتأمين الوقود لتشغيلها.
وأكد أن الاعتماد على المولدات الخاصة ليس حلا دائما، إنما الحل الشامل مرتبط بإعادة إنتاج الكهرباء من معامل الطاقة التابعة للحكومة.
ومنتصف مارس الماضي أقرّت الحكومة خطة لزيادة إنتاج الكهرباء، إثر توقف معظم محطات الطاقة بالبلاد منذ نحو عام ونصف، لكن الخطة لم تنفذ بعد.
ورفعت شركات الاتصالات والإنترنت مطلع يوليو الماضي أسعار خدماتها في السوق المحلية بنحو خمسة أضعاف تنفيذا لقرار وزارة الاتصالات.
وقال مصدر قريب من الوزير آنذاك للأناضول إن "تعديل الأسعار هدفه منع انهيار القطاع، وكان لا بد منه تماشياً مع ارتفاع أسعار المحروقات وهبوط قيمة العملة المحلية مقابل الدولار".
وكانت عائدات القطاع في انخفاض مستمر منذ سنوات قبل الأزمة وسط حديث عن فساد ممنهج، لكن وزارة الاتصالات ترى أن تأثير الانهيار الاقتصادي بات أكبر كثيرا من تأثير الفساد على القطاع.