قطاع الأعمال في تركيا يقاوم منغصات حرب أوكرانيا

أنقرة - يواجه قطاع الأعمال التركي فترة أكثر صعوبة من تلك التي عانى منها خلال جائحة كورونا جراء ارتدادات الأزمة في أوكرانيا والتي يبدو أنها ستلتهم أرباح الشركات بفعل تفاقم التكاليف.
ويشكل إقرار تونكاي أوزيلهان، رئيس المجلس الاستشاري الأعلى لرابطة الصناعة والأعمال، بأن بلاده مضطرة للتعامل مع تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية بينما اقتصادها ليس في أفضل أحواله دليلا قويا على ما يعانيه المستثمرون.
ويأتي هذا القلق بسبب المخاوف من اتساع الفجوة في الحساب الجاري مما سيضغط أكثر على الليرة في حال تقلص مستوى الصادرات وتراجعت الإيرادات السياحية أكثر.
ويضاف إليهما تضخم فاتورة واردات الطاقة في ظل الأسعار المرتفعة للنفط والغاز في الأسواق الدولية حيث تستورد تركيا تقريبا كل ما تستهلكه من الخارج.
واعتبر أوزيلهان في تصريحات نقلتها وكالة بلومبرغ الثلاثاء أن التباطؤ في الاقتصادات الأوروبية بسبب الأزمة الأوكرانية سيكون له “تأثيره الضار على الصادرات” التركية.

تونكاي أوزيلهان: الفجوة في الحساب الجاري ستضغط أكثر على الليرة
وقال إن “ارتفاع الأسعار وتراجع عائدات السياحة وارتفاع فاتورة واردات الطاقة ستخلق عبئا إضافيا على عجز الحساب الجاري، ما سيضغط على الليرة”.
وبدأت الليرة بالهبوط أكثر منذ بداية 2022 حتى وصل سعر صرف الدولار إلى 18 ليرة قبل أن تتعافى قليلا لتصل إلى 14.2 ليرة لكل دولار. وكانت العملة التركية فقدت نحو 45 في المئة من قيمتها العام الماضي.
وفي ظل هذه الوضعية يعتقد أوزيلهان أن الضرورة تقتضي أن تُكيّف الحكومة تنفيذ السياسات النقدية والمالية بما يتماشى مع الحفاظ على هدف استقرار الأسعار بعدما وصل التضخم إلى مستوى هو الأعلى في عقدين عند نحو 54.4 في المئة رغم أن المحللين يرون أنه يتجاوز المئة في المئة.
ويؤكد خبراء أن التضخم تفاقم بسبب سوء الإدارة الاقتصادية والمخاوف بشأن الاحتياطيات المالية وضغط الرئيس رجب طيب أردوغان لخفض أسعار الفائدة.
وتنزلق الحكومة التركية بوتيرة متسارعة في مستنقع التجميل اليائس لصورة الاقتصاد وتدفع ثمنا باهظا لدعم العملة المحلية بشكل مؤقت لأغراض سياسية استعراضية، للتغطية على انهيار ثقة المستثمرين.
ويتجلى ذلك في تحرك البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة التي وصلت إلى 14 في المئة من 19 في نهاية أكتوبر الماضي مدفوعة برغبة أردوغان الساعي إلى إثبات جدوى سياساته النقدية المخالفة للمقاربات الاقتصادية المعمول بها في اقتصادات العالم.
ويزعم الرئيس التركي أن انخفاض تكاليف الاقتراض سيعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي رغم أن الخبراء يرون أن العكس هو السبيل لترويض الأسعار المرتفعة وهو أمر يتسق مع موقف أوزيلهان الذي يرى أن “الفائدة المنخفضة للغاية بمثابة عقاب للمدخرات”.
وقال إنه “في بيئة معدلات الفائدة السلبية في الواقع، فإن آلية تحويل المدخرات إلى استثمارات لا تعمل، وبالتالي فإن الأموال تتدفق إلى العملات الأجنبية والذهب والأصول والسلع الإلكترونية والسيارات المستوردة”.
ولم يكتف رئيس المجلس الاستشاري الأعلى لرابطة الصناعة والأعمال بذلك، بل حذر أيضا من أن المزارعين الأتراك أصبحوا غير قادرين على منافسة الواردات الرخيصة، ما يحملهم على ترك المناطق الريفية والنزوح إلى المدن.
وأدت سنوات من النمو المزدهر مع اقتراض كثيف بالعملات الأجنبية إلى إثقال كاهل الشركات والبنوك التركية بديون معدومة، وقد تفاقمت وطأتها مع انزلاق الاقتصاد إلى الانكماش منذ منتصف 2018 ثم جاءت الأزمة الصحية لتزيد من متاعب الأتراك عموما رغم أن النمو حقق قفزة في 2021 جعل البلد في المرتبة الثانية في مجموعة العشرين.
ولكن من الواضح أن تداعيات ما يحدث في شرق أوروبا طال البلاد بشكل عميق وجعل اقتصادها المصنف ضمن أبرز الأسواق الناشئة يتعرض إلى صدمة جديدة ربما قد تطول لبعض الوقت.

وفي خضم ذلك، يشير كينيث روجوف أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد إلى أن تركيا قد تكون في خطر الانزلاق إلى أزمة اقتصادية أعمق مما كانت عليه قبل عقدين.
ونقل موقع “أحوال تركية” عن روجوف وهو كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي قوله إن “الحكومة فشلت في زيادة أسعار الفائدة عندما كان ينبغي لها أن تفعل ذلك لترويض التضخم وفاقمت مشاكل تركيا الاقتصادية بإقالة مسؤولي المركزي”.
وأضاف أن “تركيا قد تكون في طريقها إلى أزمة اقتصادية أسوأ مما كانت عليه قبل عقدين، ولكن بينما بيئة النمو العالمي وأسعار الفائدة لا تزال مواتية بدرجة كافية رغم الحرب، لا يزال ثمة وقت لمنع الاقتصاد من الهبوط الصعب”.
وكانت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية قد خفضت توقعاتها للنمو الاقتصادي في تركيا هذا العام بمقدار 1.3 نقطة مئوية إلى 2.4 في المئة بسبب ضبابية آفاق التجارة وتباطؤ مبيعات التجزئة.
وقال خبراء الوكالة في تقرير نشر في وقت سابق هذا الشهر إن “الأسواق الناشئة في أوروبا هي الأكثر عرضة للتداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا بسبب التجارة والتمويل والثقة وأن أكبر مستوردين للطاقة تأثروا أيضا بارتفاع الأسعار”.
وأشاروا كذلك إلى أن “ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وضعف العملة سيزيدان من تفاقم توقعات التضخم السيئة بالفعل”.