قطاع الأعمال اللبناني يدفع ضريبة تسارع انحدار الاقتصاد

فاقم فقدان السيولة النقدية من السوق اللبنانية جبل الأزمات والتحديات الهائلة، التي تواجه أغلب القطاعات الاقتصادية بعد أن دخلت في ركود اضطراري حيث أغلقت معظم الشركات أبوابها وألحقت مئات الموظفين بجحافل العاطلين، في ظل القيود على عمليات السحب من المصارف وتخلّف الحكومة عن سداد ديونها.
بيروت - تتسارع في لبنان وتيرة دخول الأنشطة التجارية في الركود الاضطراري في ظل ضبابية مستقبل الاقتصاد الغارق في الديون والمتعطش للدولارات.
ويجسّد حسن حمدان الذي ظل يستورد إمدادات طبية من الخارج لمدة عقدين من الزمن تلك الوضعية، حيث اضطر لإغلاق شركته في ديسمبر الماضي.
وأقدم حمدان، الذي أصبح يعمل سائقا لحساب شركة أوبر، على اتخاذ تلك الخطوة بعد تراجع المبيعات والزبائن لا يقدرون على الدفع، كما نضب معين الدولارات التي يحتاج إليها لشراء الواردات.
واتجهت شركات مثل شركة حمدان لإغلاق أبوابها بوتيرة سريعة منذ تسبب أزمة مالية في توقف قطاع كبير من الاقتصاد اللبناني وفاقمتها اضطرابات سياسية على مدار شهور.
وقال حمدان لوكالة رويترز “الكل مدينون حتى أنا بسبب ما يحصل. لكني قادر على جلب الطعام للبيت وسداد بضعة فواتير. ولولا أوبر لكنت استجدي”.
وفي حين أن لبنان لا يصدر بيانات حديثة تذكر، ترسم لقاءات مع أكثر من 20 من أصحاب الشركات والقيادات النقابية والاتحادات الصناعية والتجار صورة لأزمة اقتصادية ومالية ليس لها مثيل من قبل منذ الاستقلال في 1943.
ويبيّن مسح أجري في فبراير أن أكثر من 220 ألف شخص فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص منذ منتصف أكتوبر الماضي عندما تفجّرت مظاهرات، غذّتها الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، احتجاجا على النخب السياسية.
وقال رمزي الحافظ المدير العام بشركة إنفوبرو وهي شركة الأبحاث، التي أجرت المسح “هذه كارثة اجتماعية. فهذا أكبر هبوط دفعة واحدة منذ نهاية الحرب الأهلية… ولا نهاية تلوح في الأفق. هذه أزمة مفتوحة”.
وتم الاستغناء عن خُمس العاملين في المجال الفندقي الذي يعدّ من المحرّكات التقليدية للاقتصاد. وفي مدينة صيدا الجنوبية أغلق 20 في المئة من المتاجر أبوابه.
وتعدّ الخسائر في الوظائف لطمة كبرى لسوق العمل، التي قدّرت منظمة العمل الدولية أنها مؤلفة من 1.59 مليون فرد.
ويقول مستوردو السلع الأساسية مثل الإمدادات الطبية إن طلباتهم للحصول على الدولار لم تلب بالكامل تقريبا منذ شهر فبراير الأمر الذي أدى إلى انخفاض خطير في كل شيء بالمستشفيات من دعامات القلب إلى معدّات غسل الكلى.
وقال محمد سكر الذي يملك شركة للمقاولات “كل الشغل توقف تقريبا. نحن عاجزون عن عمل أي شيء”.
وقد تجمّد نشاطه بين البنوك التي لا تسدّد شيكاته والموردين المطالبين بالدفع بالدولار الذي يعجز عن الحصول عليه. وقال سكر “اضطررنا لوقف كل أعمالنا ولا نقبل أي عمل جديد”.
وتعرّضت الشركات المتضررة لضربة جديدة هذا الأسبوع إذ أمر لبنان المراكز التجارية والمطاعم وغيرها بإغلاق أبوابها لوقف انتشار فايروس كورونا كما أوقف الرحلات الجوية من أشدّ الدول تضرّرا بالمرض.
وظلت البنوك اللبنانية تجتذب تدفقات هائلة من الخارج لسنوات عبر عرض بعض من أعلى أسعار الفائدة في المنطقة الأمر الذي سمح للبنان بسداد قيمة الواردات رغم صادراته المنخفضة.
غير أن التدفقات انخفضت بشدة في السنوات الأخيرة مع تراجع النمو الاقتصادي بفعل اضطرابات إقليمية والحرب الدائرة منذ تسع سنوات في سوريا، وتوتر العلاقات مع دول الخليج الغنية.
وفي الوقت نفسه، بدأ اللبنانيون في المهجر الذي كانوا يدعمون الاقتصاد بتحويلاتهم يحجبون أموالهم، إذ بدأت البنوك تفرض قيودا مشددة تحدّ في الوقت الحالي من سحب الزبائن العاديين للأموال على ما يصل إلى 100 دولار فقط أسبوعيا.
وتدهور الوضع منذ الأزمة السياسية إلى حد دفع لبنان هذا الشهر لإعلان عدم قدرته على الوفاء بالدين السيادي وسداد قيمة الواردات الأساسية.
وجاهد المستوردون، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن الاستفادة من الجهاز المصرفي، لمواكبة ارتفاع سعر الدولار، فقد انخفضت قيمة الليرة نحو 40 في المئة منذ أكتوبر مما أدى لارتفاع أسعار السلع اليومية المستوردة.
ومع تزايد ندرة الدولار، تباطأت سلسلة الإمدادات المعتمدة على الاستيراد في لبنان وكادت تتوقف. ويقول متعاملون في المواد الغذائية إنهم خفضوا حجم الواردات بما بين 30 و40 في المئة.
أما العاملون في قطاع الصناعة فيؤكدون أنهم يكافحون للحصول على المواد الخام. ويشكو المستهلكون والشركات من ارتفاع الأسعار وانخفاض المبيعات.
وقال محمد يعقوب الذي يورّد مستلزمات المطاعم إن الأمر وصل إلى حد الخوف من جلب البضائع. وقد تراجعت مبيعاته بنسبة 70 في المئة منذ أكتوبر مع تأثر زبائنه بالأزمة الاقتصادية.
وتقول النقابة الرئيسية التي تمثّل أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي إن 785 مطعما ومقهى وملهى على الأقل أفلست من سبتمبر حتى فبراير، وإن 240 منها أغلقت أبوابها في شهر يناير وحده.
وقالت مايا بخازي الأمين العام للنقابة “سيحدث مزيد من البطالة. ستحدث هجرة كبيرة وسيبحث الناس عن العمل في الخارج وبدأنا بالفعل نشهد ذلك. سنخسر دفعة ثانية من العمّال المهرة الذين كنّا نود الاحتفاظ بهم في البلاد”.
ومن بين المؤشرات الكاشفة لتزايد الوضع الحرج للتدفقات الدولارية، ما يصفه التجار بأنه توقف شبه تام في التدابير، التي بدأ مصرف لبنان المركزي العمل بها في سبتمبر لضمان توفير النقد الأجنبي لتمويل السلع الأساسية مثل الدواء والوقود والقمح.
وقال بول منصور صاحب مطاحن التاج “المصرف المركزي أوقف التحويلات لكل العمليات المرتبطة باستيراد القمح منذ نحو شهر. توقفت بالكامل ولذلك نحن بصدد نفاد المخزون”، مؤكدا أن المخزون انخفض وسينفد خلال 40 يوما.
وتبدو مدن كثيرة خارج بيروت أكثر تضررا. ففي صيدا جنوبي العاصمة أصبح سوق المدينة الذي لم تكن الحركة تهدأ فيه يمتلئ بواجهات العرض الخاوية المعروضة للإيجار.
وقال صاحب متجر “حتى المحلات التي لا تزال تجدها مفتوحة عاجزة عن بيع أي شيء”.
وأشار علي الشريف رئيس جمعية تجار صيدا إلى أن 120 متجرا من بين 600 متجر في المدينة أغلقت منذ أكتوبر وتوقع أن يتضاعف العدد في الأشهر القليلة المقبلة. وقال “نتجه لانهيار أكبر وأكبر”.
وقال بيار الأشقر رئيس نقابة أصحاب الفنادق إن “الفنادق التي خلت من النزلاء استغنت عن 20 في المئة من العاملين وحوّلت الباقين إلى العمل نصف الوقت”.
وأضاف “هذا أقلّ معدل إشغال أشهده في 50 سنة. وإذا كان موسم الصيف سيئا فأعتقد أن الكثير من الفنادق ستغلق”.