قطاع الأعمال الجزائري يواجه صعوبة في التحرر من قيود البيروقراطية

تسود قطاعَ الأعمال الجزائري حالةُ قلق من أن تسهم زيادة دولارات النفط والغاز في جعل الحكومة تنقلب على سياسة إصلاح بيئة الاستثمار التي لا تزال مكبلة برسوخ البيروقراطية، حتى تؤسس قاعدة للشركات الخاصة لكي تساعد في بناء اقتصاد متنوع.
الجزائر - تخشى الشركات الجزائرية أن تدفع المكاسب غير المتوقعة من تجارة الطاقة منذ بدء الحرب في أوكرانيا الحكومة إلى عودة "نموذج الدولة الثقيل" بعدما بدأت تستفيد من القواعد الجديدة لتشجيع الاستثمار والصادرات في واحد من أكثر اقتصادات العالم انغلاقا.
والقواعد الأخيرة التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد لتقليل الاعتماد على مبيعات النفط والغاز تشمل قانون استثمار جديدا دخل حيز التنفيذ هذا الشهر وحوافز نقدية للذين يصدرون مواد أخرى غير النفط.
وقال وزير سابق في الحكومة، ما زال يقدم المشورة بشأن القضايا الاقتصادية، شريطة عدم الكشف عن هويته لوكالة رويترز إن "الجزائر في سباق حقيقي مع الزمن وعليها أن تؤمن عائدات من النفط والغاز قبل أن تنهار الأسعار مرة أخرى".
ولعقود من الزمن استخدم البلد العضو في منظمة أوبك عائداته العالية من الطاقة لإدارة اقتصاد من أعلى إلى أسفل، حيث كان الاستثمار الخاص أو الأجنبي صعبا، وكانت القطاعات الكبيرة مخصصة للدولة، ورجال الأعمال خُنقوا بسبب البيروقراطية.
لكن الاحتياطيات النقدية تراجعت بعد هبوط أسعار النفط في 2014، مما أدى إلى تهديد مالية الدولة وفرَض ضغوطا على الإنفاق الاجتماعي وزاد الغضب الشعبي من الركود السياسي الذي غذى الاحتجاجات الجماهيرية التي هزت الدولة في 2019.
ومع انخفاض احتياطيات الجزائر من العملات الأجنبية بمقدار الثلثين في ست سنوات، وتزايد مخاطر الاضطرابات على المدى الطويل، دفعت حكومة الرئيس عبدالمجيد تبون بإصلاحات لتقوية القطاع الخاص وتعزيز الشركات المحلية.
وقال محمد، وهو رجل الأعمال الذي انتظر ثلاث سنوات مع شريك أجنبي للحصول على الموافقة على بدء مصنع للثلاجات، "مازلنا نعاني من بيروقراطية ثقيلة، بيروقراطية فاسدة في الكثير من الأحيان".
وأضاف محمد، الذي لم يذكر اسم عائلته خوفا من أن يعرقل ذلك جهود العمل، لرويترز "هذا لا يزال حقيقة".
ويعاني القطاع الخاص الجزائري من حيرة من التغييرات التعسفية في السياسة، والذي يعاني من الفساد، وتعيقه البيروقراطية وتقيده القواعد الصارمة، ويكافح من أجل الازدهار لسنوات.
ولطالما اشتكى رجال أعمال محليون من عرقلة مشاريعهم وبقائها لسنوات في أدراج الهيئات الإدارية المكلفة بالاستثمار.
وانتهت جهود إصلاحية سابقة في عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، الذي خرج من حرب أهلية في التسعينات أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص، نتيجة غضب شعبي بسبب الفساد، وهو عامل آخر في الاحتجاجات الجماهيرية لعام 2019.
ودفع الجيش، القوة السياسية الرئيسية في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة منذ استقلال الجزائر عن فرنسا في عام 1962، بوتفليقة إلى التنحي للمساعدة في قمع الاحتجاجات.
وورث تبون، الذي تم انتخابه على أساس إقبال منخفض جدا في أواخر عام 2019، الاضطرابات السياسية والتراجع الاقتصادي حتى قبل انتشار جائحة كورونا. وأجرى بعض الإصلاحات لكنه يتمتع الآن بطلب مرتفع على الطاقة الجزائرية وعائدات متزايدة.
وقال رئيس الكنفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل (اتحاد أصحاب الأعمال) سامي عقلي إن القواعد الجديدة تسعى إلى جعل الجزائر "أكثر صداقة وانفتاحا اقتصاديا"، لكنه أقر بأنها ستكون عملية طويلة.
وأوضح أن "الخطوات الأولى واضحة؛ سيتم إنشاء مناطق حرة وتغيير رمز الجمارك لجعلها أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي، ولدينا قانون استثمار جديد".
ولتعزيز الصادرات قدمت الحكومة إعفاءات ضريبية كبيرة وساعدت في تحمّل تكاليف النقل. ومع ذلك، قال عقلي إن "أي زيادة طويلة الأجل في الصادرات ستتطلب المزيد من الاستثمار في الصناعة غير النفطية".
◙ القطاع الخاص الجزائري يعاني من حيرة التغييرات التعسفية في السياسة والفساد وتعيقه البيروقراطية وتقيده القواعد الصارمة
وأحد الدلائل على أن الحكومة تتخذ نهجًا أكثر إلحاحا هو أنه على عكس عام 2016، عندما تم الاتفاق على قانون الاستثمار ولكن لم يتم الانتهاء منه أبدا. ونشرت الجريدة الرسمية بالفعل قواعد لتطبيق القانون الجديد.
ويتوقع أن تصل الصادرات الأخرى غير النفط، من بينها الإسمنت والأدوية وخطوط الأنابيب وأجزاء التوربينات والسكر، إلى مستوى قياسي يبلغ 7 مليارات دولار هذا العام وإن كان ذلك بمساعدة كبيرة من الدولة للمصدرين من القطاع الخاص بما في ذلك تمويل بعض تكاليف النقل.
وكان تبون قد أشار في وقت سابق هذا العام إلى أن الجزائر تريد الانضمام إلى مجموعة اقتصادات البريكس، ما يمثل خروجا عن بلد واحد فقط من البلدان القليلة التي ليست في منظمة التجارة العالمية.
ومثل مصدري الطاقة الرئيسيين الآخرين، اتخذت الجزائر تاريخيا خطوات نحو الإصلاح خلال الفترات التي كانت فيها الإيرادات منخفضة ثم عادت مرة أخرى إلى نهج الدولة الثقيل عندما ارتفعت الأسعار مرة أخرى.
وقال مستشار حكومي سابق للشؤون الاقتصادية إن السلطات تتفهم الحاجة إلى المضي قدما في الإصلاحات على الرغم من زيادة عائدات الطاقة هذا العام.
وقال المستشار السابق "بيع المزيد من الأشياء بعيدا عن النفط والغاز هو أولويتنا القصوى. الوقت ينفد لأن أسعار النفط متقلبة للغاية والركود العالمي هو السيناريو المحتمل".
وتشير تقارير دائرة بيئة الأعمال التابعة للبنك الدولي حول مناخ الأعمال في البلدان إلى أن الجزائر تحتل مراتب متأخرة في ترتيبها السنوي. وجاء البلد في المرتبة 157 في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020، من بين 190 بلدا.