قطار إغلاق ملف النازحين في العراق يمضي مخلّفا مهجّري جرف الصخر

إعادة سكّان جرف الصخر إلى منطقتهم التي هجّروا منها على يد الميليشيات الشيعية ليس جزءا من البرنامج الشامل الذي تنفذه السلطات العراقية لاستكمال طي ملف النازحين داخليا، كون الجرف خارج عمليا عن نطاق سلطة الدولة وواقع بالكامل بأيدي الميليشيات التي تحتّله ولا تبدي أي استعداد لمغادرته والتفريط بموقعه الإستراتيجي المهم لها ولحليفها الحرس الثوري الإيراني.
السليمانية (العراق) - لا تشمل الجهود المتسارعة في العراق لطيّ ملف النزوح الداخلي بين مناطق البلاد في أفق الموعد الذي حدّدته السلطات بنهاية الشهر الجاري، إعادة سكان جرف الصخر إلى ديارهم في محافظة بابل جنوبي العاصمة بغداد، وذلك بسبب وقوع الجرف بالكامل تحت سيطرة الميليشيات الشيعية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
وترفض تلك الميليشيات قطعيا مغادرة المنطقة ذات الأراضي الخصبة والغطاء النباتي الكثيف بعد أن احتلّتها أثناء الحرب ضد تنظيم داعش وأفرغتها من سكانها وغيرت تسميتها إلى “جرف النصر” وحوّلتها إلى مستثمرات زراعية تابعة لها وجعلت منها مركزا لتخزين الأسلحة القادمة من إيران على شكل قطع مفككة يجري تجميعها في ورش أقيمت على أنقاض البنية الصناعية الموجودة هناك منذ عهد الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين.
وأعلنت وزيرة الهجرة والمهجّرين العراقية إيفان فائق جابرو نية الوزارة إجراء مباحثات مع الأسر المتبقية في بعض المناطق التي نزحت إليها بشأن خيار عودتها أو استقرارها في تلك المناطق، موضّحة أنّ المباحثات لا تشمل الأُسر النازحة من جرف الصخر. ويعني ذلك أنّ خيار العودة ليس مطروحا على النازحين من الجرف وأنّ السلطات العراقية لا تملك قرار إعادتهم إلى ديارهم.
وكانت الوزيرة تتحدّث، الخميس في مؤتمر صحفي، معلنة عن استكمال إغلاق مخيمات النازحين في محافظة السليمانية بشمال العراق، مشيرة إلى وجود تعاون ومرونة بين الوزارة وحكومة إقليم كردستان من أجل غلق المخيمات أيضا في محافظتي أربيل ودهوك.
وكانت المحافظات الثلاث، السليمانية وأربيل ودهوك، الواقعة ضمن نطاق إقليم كردستان العراق المتمتّع بحكم ذاتي ضمن الدولة الاتّحادية العراقية وجهة للآلاف من النازحين من مناطقهم في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وبابل فرارا من الحرب التي فجّرها غزو تنظيم داعش لأنحاء من تلك المحافظات.
ويقدر عدد من نزحوا داخليا في العراق بسبب تلك الحرب بقرابة الثلاثة ملايين نازح أصبح معظمهم يشكلون حالات اجتماعية صعبة بسبب خسارتهم لموارد رزقهم ومواجهتهم الفقر والبطالة وسوء الخدمات وانعدامها في بعض الأحيان داخل مواطن نزوحهم.
وتنظر السلطات العراقية إلى إقفال ملف النزوح باعتباره جزءا أساسيا من استكمال استقرار البلد والتخلّص من مخلّفات الحرب وآثارها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، والمرور إلى فترة الإعمار والتنمية التي تتطلب جلب استثمارات أجنبية تستدعي حتما تسويق صورة إيجابية عن البلد.
وعلى هذه الخلفية تسارع السلطات العراقية الخطى لإعادة الآلاف من النازحين إلى ديارهم التي غادروها فرارا من تنظيم داعش الذي غزا مناطقهم بدءا من صيف سنة 2014 وأيضا من الحرب التي خاضتها القوات العراقية والميليشيات المسلحة بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة ضدّه وخلفت دمارا كبيرا في تلك المناطق وصل في بعض الأحيان حدّ انعدام إمكانية العيش فيها.
غير أنّ طي ملف النزوح بشكل نهائي يواجه مصاعب بينها ما يتعلّق بالإمكانيات المادية واستكمال الإعمار وإعادة الخدمات وتنشيط الاقتصاد المحلّي للمناطق لتوفير مواطن العمل وموارد الرزق للعائدين من النزوح، وبينها ما هو أمني وسياسي محض على غرار مشكلة جرف الصخر الذي لا تبدي الميليشيات المحتلّة له أي استعداد لمغادرته.
ومنحت الحكومة العراقية محفّزات ومزايا للعائلات النازحة لتشجيعها على العودة إلى مناطقها الأصلية من بينها تخصيص مبلغ ثلاثة آلاف دولار ومساعدات عينية لكل عائلة عائدة وإطلاق برنامج عمل خاص بتشغيل أبنائها ومنح رواتب للمعوقين من أبناء تلك العائلات.
وقالت الوزيرة إنّ آخر دفعة من النازحين الذين أعيدوا إلى ديارهم من المخيمات الأربعة في السليمانية شملت مئتين وخمسين عائلة مشيرة إلى وجود عدد آخر من العائلات النازحة القاطنة خارج المخيّمات جار العمل على إعادتها بشكل طوعي.
وأضافت أنّ ما تبقى من النازحين يسكنون في محافظتي أربيل ودهوك وتم تشكيل لجنة من قبل رئاسة مجلس الوزراء لمناقشة آليات إغلاق المخيمات بشكل نهائي وتقديم جميع التسهيلات اللازمة للنازحين للعودة إلى مناطقهم الأصلية.
واعترفت الوزيرة بوجود عراقيل في طريق عودة النازحين، مستدركة بالقول "لا نعير أيّ اهتمام للعراقيل التي توضع أمامنا لكن المهم لدينا هو عودة النازحين وإغلاق المخيمات”، ومضيفة "هناك نازحون كثيرون يريدون العودة إلى مناطقهم لأنهم لا يريدون أن يتم التلاعب بمصيرهم السياسي من قبل أي طرف".
وقال سامر مشكور مدير فرع وزارة الهجرة والمهجرين في المنطقة الشمالية إنّ "السليمانية أصبحت الآن بلا نازحين ومن يعيش من العوائل في المدينة لم يعد نازحا، وفي دهوك هنالك إقبال كبير على منحة العودة وأكثر من ثلاثة آلاف عائلة سجلت على قوائم العودة لمناطقها وأغلبها من سنجار".
وأشار في حديث لوسائل إعلام محلية إلى أن "مهمة الوزارة تنتهي بإخراج العائلة النازحة من المخيم، والعائلة هي من تقرر العودة إلى منطقتها الأصلية، أو اختيار منطقة أخرى أو البقاء في السليمانية. ومن يبقى يخرج من سجلات النازحين".
وعرض مشكور باقتضاب للمشكلة الاستثنائية في جرف الصخر قائلا "بخصوص عوائل الجرف هناك مباحثات لإعادتهم" دون أن يعلن مدى التقدّم في تلك المباحثات. ولا يحتاج نازحو جرف الصخر ومهجّروه إلى أيّ محفزات للعودة إلى منطقتهم الغنية وأراضيهم الخصبة، بل هم دائما من يبادرون بمطالبة السلطات بتسهيل عودتهم.
◙ قضية الجرف لا تنفصل عن اعتبارات طائفية ذلك أنّ الميليشيات الشيعية اعتبرت سكانه السنة متعاطفين مع داعش ومشكّلين حاضنة له
ولا تنفصل قضية الجرف عن اعتبارات طائفية، ذلك أنّ الميليشيات الشيعية اعتبرت سكّانه السنّة متعاطفين مع داعش ومشكّلين لحاضنة لهم، جاعلة من تهجير السكان "ضرورة أمنية" لتأمين المداخل الجنوبية للعاصمة بغداد.
وكانت مطالبات سابقة بإعادة سكان جرف الصخر إلى منطقتهم قد انتهت إلى طريق مسدود بعد أن اصطدمت برفض الميليشيات التي تحتل المنطقة والأحزاب والشخصيات النافذة ذات العلاقة بها. وفشلت جميع الجهود السياسية المحلية والدولية في تطبيع الأوضاع داخل جرف الصخر بهدف السماح لسكانه الذين كان يقدر عددهم بنحو خمسين ألف ساكن بالعودة إلى منازلهم.
وبلغ الأمر حدّ إصدار المجلس السابق لمحافظة بابل قرارا برفع دعوى قضائية على أيّ من السياسيين الذين يطالبون بعودة أهالي المنطقة إلى ديارهم. ويقول مايكل نايتس الزميل بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إنّ جرف الصخر “صار كثقب أسود في العراق جزء منه تسيطر عليه إيران ولا أحد في البلاد يمتلك السلطة لاستعادته".
وسبق لنائب الرئيس العراقي الأسبق إياد علاوي أن أعلن صراحة أن ملف جرف الصخر بيد الإيرانيين، قائلا إنه تحدّث مع قادة بارزين في الحشد الشعبي بخصوص السماح للنازحين من الجرف بالعودة إلى مناطقهم، وإنّهم لمّحوا له بأن إيران أوكلت الملف لشخص موجود في لبنان دون تحديد هويته. واستولت الميليشيات بالكامل على البنى التحتية داخل الجرف من مساكن خاصّة ومنشآت عامّة وباتت لا تسمح لأيّ جهة بالوصول إلى هذه المنطقة بما في ذلك القوات النظامية كالجيش والشرطة.
وتقول مصادر متعدّدة إنّ السلطات العراقية تعلم بما يجري بين البساتين الكثيفة لجرف الصخر حيث يتحدّث بعض الشهود عن إقامة الميليشيات سجونا سرية هناك تحتجز فيها المغيّبين من أبناء عدّة محافظات سنيّة أخرى كانوا قد جلبوا منها أثناء الحرب على داعش.
وتتعاطى الميليشيات الشيعية التابعة لإيران مع منطقة جرف الصخر انطلاقا من نظرية المناطق منزوعة السكان التي حاولت تطبيقها في الأنبار وصلاح الدين ونينوى، لكنها فشلت. وتقوم هذه النظرية على أسلوب إفراغ منطقة ما من جميع سكانها السنّة، بحجة أنها حاضنة للإرهاب كما حدث مع جرف الصخر. وحجة الميليشيات الشيعية الرئيسية لتطبيق هذه النظرية هي أن بعض المناطق السنية تهدد طرقا يسلكها السكان الشيعة خلال سيرهم نحو المراقد المقدسة.
وتقول مصادر عراقية إنّ أحزابا وميليشيات شيعية تعتبر ترحيل سكان جرف الصخر أمرا نهائيا لا رجعة عنه وتمنع مناقشته من قبل الحكومة لأنّ الهدف منه هو إزالة ما يعتبر بؤرة للسُنّة بجوار بغداد وفي الطريق إلى جنوب البلاد.