قضية نوال الدجوي مثال مصري على الاغتيال المعنوي للمشاهير بسلاح مواقع التواصل الاجتماعي

انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بقضية سيدة الأعمال المصرية نوال الدجوي وتوالي التطورات المأساوية لحفيدها في انتهاك للخصوصية وإطلاق الأحكام ضد العائلة بالشماتة تارة والحسد والتنمر تارة أخرى في أبرز مثال على الوجه المظلم لهذه المنصات.
القاهرة - كشفت متابعات مواقع التواصل الاجتماعي لسلسلة من الحوادث ألمت مؤخرا بأسرة الدكتورة نوال الدجوي رائدة التعليم الخاص في مصر، عن الوجه المظلم لمواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن أن تنصف المظلومين والبسطاء في الحصول على حقوقهم، مثلما يمكن أن تغتال المشاهير معنويا بالخوض في حياتهم الخاصة.
واكتسبت مواقع التواصل سمعتها السيئة عندما أتاحت الفرصة لفئات من أفراد المجتمع يجلسون خلف شاشاتهم لرمي سهام النقد وإطلاق الشائعات والأحكام المسبقة دون تدقيق أو محاسبة، وصولا في الكثير من الأحيان إلى الطعن في الأخلاق والتربية، واغتيال الشخصيات والحكم من بعيد دون سبب منطقي أو حقيقي.
وتعرضت رائدة التعليم الخاص نوال الدجوي إلى حادثين أو بالأحرى فضيحتين في الأيام الماضية، الأولى تمثلت في بلاغ اتهمت فيه الجدة حفيدها أحمد من ابنها الراحل شريف الذي كان أستاذًا لأمراض القلب في كلية الطب بجامعة القاهرة حتى وفاته عام 2015، بسرقة مبالغ ومشغولات ذهبية بمبالغ ضخمة، فاقت في مجملها 277 مليون جنيه مصري (حوالي 5.5 ملايين دولار).
وخلال المتابعات ظهرت تسريبات بأن البلاغ لم تقدمه نوال الدجوي بنفسها وإنما قدمته باسمها واحدة من حفيداتها من ابنتها المتوفاة منى، وكانت حتى وفاتها في بداية العام الحالي، تشغل منصب الأمين العام لجامعة مصر للعلوم الحديثة والآداب المملوكة لوالدتها، على خلفية نزاع بين الأحفاد على الميراث.
ولم تمر سوى أيام قليلة حتى تفجرت الفضيحة الثانية بمقتل الحفيد أحمد شريف الدجوي، الذي اتهم بالسرقة وكان يشغل منصب مدير التسويق بالجامعة التي تملكها جدته، وقيل إنه انتحر بسبب معاناته من اضطرابات نفسية، قبل أن ينفي محامي الأسرة ذلك، ويشير إلى أن عمرو شقيق أحمد الدجوي اتهم إنجي منصور ابنة عمته منى أمام جهات التحقيق بإنهاء حياة شقيقه، على إثر الاتهامات المتبادلة بينهما بسرقة فيلا نوال، وظهر بالفعل شباب في جنازة أحمد وهم يرفعون لافتات تتهمها وشقيقتها بقتله، وانتشرت الصور على مواقع التواصل:
@Rula_70
في ناس في عزاء #أحمد_الدجوي حفيد نوال الدوجي المتهم بالسرقه بيقولو ان حد من عيلته قتله!
وبدلا من أن تثير تلك الحوادث التعاطف مع نوال الدجوي التي حرصت على أن تحيط حياتها العائلية بسياج من السرية بعيدا عن الصخب الإعلامي، تعرضت الجدة التي أتمت عامها الثامن والثمانين لحفلات من التنمر دون رحمة بمأساتها أو بعمرها، بسبب ما وصفه المتنمرون ببخل وتناقض السيدة التي كانت من أوائل من اقتحموا مجال التعليم الخاص عندما أنشأت مدرسة دار التربية في عام 1958.
وجاء في تعليق:
@sherifI20095100
موضوع نوال الدجوي كله غموض ومشاكل وراثة مع أحفادها وكم الفلوس اعتقد اللي اتذكرت في بلاغها بس لتوريط حفيدها وتخويفه من انه يقرب لها او يطلب ورث ابويه منها.. اليوم مفتتحة مسجد ضخم هي عملاه من فلوسها!
طيب ازاي اكون متناقض ممكن احبس احفادي علشان بيطلبوا حقهم وابني مسجد!!!!!
وتراوحت التعليقات على موقعي إكس وفيسبوك بين الشماتة في الجدة التي زعم المعلقون أنها كرست حياتها لجمع المال حتى رزقها الله بأحفاد سببوا لها الفضيحة بسبب المال الوفير الذي جنته، وبين الحسد على امتلاكها مبالغ ضخمة في فيلتها، والتساؤل عما تملكه في حساباتها البنكية إذا كانت تحتفظ في بيتها بما يناهز 277 مليون جنيه.
@AhmedQa78079574
نوال_الدجوي يجب محاكمتها بتهمة غسيل أموال وحيازة نقد اجنبى ويجب الإفصاح عن مصدر هذه الأموال فورا
هى متهمة وليست مجنى عليها
وعلقت ناشطة:
@somayyaganainy
ملعون المال اللي جنن الناس وخلاهم يتصارعوا حتى الموت #احمد_الدجوي #نوال_الدجوي
ويعكس تعامل مواقع التواصل مع نوال الدجوي وطريقة التفاعل مع الحوادث المؤلمة التي تعرضت لها، الوجه المظلم لتلك المواقع وتأثيراتها القاتلة على الضحايا، بل أن هناك من يرى أن مقتل أو انتحار حفيدها أحمد الدجوي، الذي جاء بعد أيام قليلة من الكشف عن حادثة السرقة، كان نتاجا طبيعيا للتنمر والشماتة وإصدار الأحكام المسبقة على الأسرة من دون بذل أي جهد في تحري الحقائق، أو انتظار انتهاء الجهات القضائية من تحقيقاتها.
ومع افتراض معاناة الحفيد من اضطرابات نفسية كما قيل، وسفره إلى إسبانيا لعرض نفسه على أطباء متخصصين، فإن الحملات المكثفة على مواقع التواصل التي شهرت به وتداولت الاتهامات الموجهة له بالسرقة، دون مراعاة لظروفه الصحية، وتأثير انتشار تلك الاتهامات على أسرته وأولاده، ربما تكون دفعته للتخلص من حياته.
@tamergamalhosny
لو سمحتو عائلة #نوال_الدجوي
قولولنا هل في حد تاني في العيلة مجنون، مختل، مكتئب، موسوس مهسهس؟
عشان لسه في ناس تاني عندكوا هتنتحر، والموضوع مكمل وابن طبيب الفلاسفة مبيشبعش
ووفقا لعلم النفس الإكلينيكي، فإن الشخص الذي يعاني من مشكلات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطراب الشخصية، يمكن تدميره نفسيا عندما يتعرض للتنمر أو حملات تشويه على مواقع التواصل الاجتماعي، وينتابه شعور بأنه فقد كرامته أمام الناس، كما يتملكه خوف دائم من المزيد من الهجوم أو الفضيحة، ويبدأ في لوم نفسه حتى لو لم يكن مذنبًا فعليًا، ما يدخله في اكتئاب عميق وربما فقدان الدافع للحياة، وغالبًا ما يترافق ذلك مع أفكار انتحارية، خصوصًا إذا شعر الشخص بأنه محاصر اجتماعيًا وعاجز عن التبرير أو الدفاع.
والتأثير المدمر لمواقع التواصل رصدته العديد من الدراسات، منها مشروع “سي.إي.آر.بي” وهو عبارة عن شبكة بحثية تأسست في جامعة جورج ميسون، تركز على دراسة الاغتيال المعنوي وإدارة السمعة، وتشير في إحدى دراساتها إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت شن هجمات شخصية ضد المشاهير، مما يجعل من السهل تدمير سمعتهم من خلال حملات منظمة أو شائعات دون أن يكون لها أساس حقيقي في بعض الأحيان.
كما أظهرت دراسة أكاديمية من جامعة محمد بوضياف في الجزائر أن الانتقادات السلبية على منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام قد تؤدي إلى “اغتيال معنوي” للمشاهير، حيث يتعرضون لسيل من التعليقات السلبية التي قد تفتقر إلى الموضوعية، ما يؤثر على صحتهم النفسية وسلوكهم الاجتماعي.
وتزايد الحملات المنظمة ضد المشاهير، دفع بعضهم إلى التخلص من حياته مثلما فعلت البريطانية كارولين فلاك مذيعة برنامج “لاف ايسلاند” حين انتحرت عام 2020 بعد أن انهالت عليها آلاف التعليقات القاسية على مواقع التواصل، عقب نشر أخبار خلافها مع حبيبها السابق، وتركت قبل انتحارها رسالة تعكس ما تعرضت له فكتبت فيها “في عالم يطالب باللطف، كونوا لطفاء فعلا.”
وكما تقول الحكمة العربية القديمة “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فقد تسبب “توحش” مواقع التواصل ضد المشاهير في ظهور عديد من الشركات المتخصصة في إدارة السمعة الرقمية للمشاهير والشخصيات العامة، تقدم خدمات مثل مراقبة المحتوى السلبي، الرد الاستراتيجي، وإزالة أو دفن النتائج السلبية، كما تعرض بعضها استعادة الصورة الإيجابية للمشاهير من خلال إنشاء محتوى إيجابي لتعزيز السمعة.