قضية صحافي جزائري تصل إلى الأمم المتحدة لتعرضه للتعذيب

عباءة قانون العقوبات اتسعت لملاحقة منتقدي المؤسسة العسكرية في الجزائر.
الخميس 2024/11/21
يمنع الخروج عن الخط

تسلط قضية الصحافي الاستقصائي الجزائري عمار تيجاني، التي أحالتها منظمة حقوقية إلى اللجنة الأممية المعنية بحقوق الإنسان، الضوء على ملاحقة الصحافيين ومحاولة إسكاتهم بشتى الطرق في الجزائر عند تناولهم قضايا تمس الجيش أو بقية مؤسسات الدولة وكشفهم ملفات فساد فيها.

جنيف - كشفت منظمة الكرامة للحقوق والحريات التي تتخذ من جنيف مقرا لها أنها أحالت ملف الصحافي الاستقصائي الجزائري عمار تيجاني اللاجئ الذي تعرض للتعذيب في بلاده إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، في قضية تسلط الضوء على “قدسية” المؤسسة العسكرية في الجزائر وعدم السماح بتناول قضايا الفساد التي تمسها.

وقالت المنظمة في تقرير لها على موقعها الإلكتروني إن تيجاني اختطف في السابع والعشرين من مايو 2019 في تبسة واقتيد إلى مركز احتجاز بن عكنون، حيث تعرض للتعذيب حتى الرابع من يونيو 2019 على يد الجيش.

وأضافت أن تيجاني استهدف بسبب نشاطه، بما في ذلك إدانته للفساد بين كبار المسؤولين الجزائريين ومشاركته في الاحتجاجات الشعبية السلمية، وأصبح ضحية للاختفاء القسري. وطالبت المنظمة لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان بمعالجة ملف الصحافي.

وكان تيجاني، وهو مدافع عن حقوق الإنسان، عضوا في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية النهوض بالمواطنة وحقوق الإنسان. وذكرت جمعية كرامة أن الصحافي كشف فضائح فساد تورطت فيها شخصيات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى، ما أدى إلى أعمال انتقامية ضده.

الصحافي عمار تيجاني أكد أن سبب تعرضه للاعتقال والتعذيب هو كتاباته حول قضايا الفساد في مؤسسات الدولة

وفي مايو 2019، أثناء عودته من رحلة إلى الخارج، اعتقل لأول مرة على الحدود الجزائرية – التونسية، واحتجز لمدة خمسة أيام، ووضع تحت الإشراف القضائي. وفي وقت لاحق، اعتقل تعسفيا مرات عدة بسبب تغطيته لاحتجاجات “الحَراك” وعرضه لافتات تحمل أسماء شخصيات مدنية وعسكرية بارزة متورطة في فضائح فساد.

ونددت المنظمة الحقوقية بما قالت إنه “إخفاقات الجزائر المتكررة في الوفاء بالتزاماتها الدولية، ولاسيما تلك المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضمت إليه الجزائر منذ عام 1989”.

وحثت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على معالجة الانتهاكات المرتكبة ضد تيجاني، ودعت السلطات الجزائرية إلى إجراء تحقيق، ومقاضاة مرتكبي هذه الانتهاكات؛ مدنيين وعسكريين، وتقديم تعويضات عن الضرر الذي لحق به.

وعن أسباب اختطافه تعسفيا وطبيعة التهم الموجهة إليه، قال تيجاني، في دردشة مع جريدة هسبريس الإلكترونية المغربية، إن “السبب هو كتاباتي حول قضايا الفساد في مؤسسات الدولة، خاصة حديثي عن تورط كل من خالد تبون، ابن الرئيس الحالي، ومحمد جميعي، رئيس حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية آنذاك، في قضايا تهريب المخدرات الصلبة”، لافتا إلى أن “المعروف عن عائلة هذا الأخير هو أنها تمتهن التهريب بكل أنواعه في الشرق، خاصة ولاية تبسة الحدودية مع تونس”، وتابع “فضلا عن مشاركتي في الحراك الشعبي، الذي انطلق في ذلك الوقت.”

وأضاف “تعرضت للاعتقال أكثر من مرة بسبب نشاطي السياسي ومنشوراتي حول قضايا الفساد والتهريب قبل وبعد اختطافي وتعذيبي من طرف ضباط الجيش، على رأسهم الجنرال مهنا والعقيد زرقين سواعي، بإيعاز من محمد جميعي وبعض رجالات المال الفاسد المتورطين في قضايا فساد ثقيلة.”

وتابع الصحافي الاستقصائي “تقدمت بعد إطلاق سراحي من مركز التعذيب ‘عنتر بن عنكون’ سيئ السمعة، بشكاية إلى النائب العام في تبسة ضد الانتهاكات التي تعرضت لها على يد هؤلاء الضباط، غير أنه لم يحرك الدعوى العمومية ضدهم لأنهم أشخاص ذوو نفوذ، ولأن القضاء في الجزائر غير مستقل أبدا، في وقت استمرت فيه المضايقات ضدي.” وتعتبر قضية تيجاني واحدة ضمن ملف واسع يشمل ملاحقة الصحافيين بسبب تجاوز الخطوط الحمراء في البلد الذي تهيمن عليه السلطة العسكرية.

واحتدّ الجدل في البرلمان الجزائري في فبراير الماضي بخصوص مواد في مسودة قانون العقوبات، تتعلق بتهمة “إضعاف معنويات الجيش وأسلاك الأمن”، من خلال منشورات في منصات الإعلام الاجتماعي. وواجه وزير العدل عبدالرشيد طبي، صاحب مشروع تعديل قانون العقوبات، انتقادات من النواب عندما عرض عليهم نصّ الحكومة لأول مرّة.

عقوبة السجن بـ 30 عاما ستكون بانتظار "كل من يعمد إلى تسريب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن الوطني أو الدفاع أو الاقتصاد الوطني عبر وسائل التواصل الاجتماعي"

وشملت تحفظات النواب “المادة 75” التي تتناول عقوبات تتراوح بين 5 و10 سنوات، ضد “كل شخص ساهم في وقت السلم، في مشروع لإضعاف الروح المعنوية للجيش الوطني الشعبي أو الأسلاك الأمنية الأخرى، ويكون الغرض منه الإضرار بالدفاع أو الأمن الوطنيين وهو يعلم بذلك.”

ولفت أحد النواب إلى أن هذه المادة “مطّاطة يمكن أن تنجرّ عنها عقوبة قاسية، لمجرّد تأويل موقف أو تصريح على أنه مسيء لقوات الأمن.” ولاحظ منتقدون أنه قد يتم تكييف مجرد نقد للجيش أو الأسلاك الأمنية، على أنه يندرج في مشروع لإضعاف الروح المعنوية للجيش.

ولفت رئيس نقابة القضاة السابق يسعد مبروك، في منشور على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن الحكومة عدّلت قانون العقوبات 27 مرة منذ صدوره عام 1966، منها خمس مرات بين 2020 و2024، متسائلا عما إن كان ذلك “مرونة تشريعية لمسايرة الظواهر الاجتماعية المستجدة، أم تضييقا لمجال الحريات والإباحة؟”

وتم توسيع عباءة قانون العقوبات لملاحقة الصحافيين الاستقصائيين والناشطين الذين يتطرقون إلى ملفات لا تريد الحكومة إماطة اللثام عنها. وذكرت صحيفة “النهار” الجزائرية في مايو الماضي أن النسخة الجديدة من قانون العقوبات في البلاد فرضت عقوبات كبيرة على المدانين بتسريب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن الوطني أو الاقتصاد.

وحسب ما جاء في الجريدة الرسمية، فإن “كل من يسرب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن الوطني أو الدفاع أو الاقتصاد الوطني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لصالح دولة أجنبية أو أحد عملائها، يعتبر مقترفا لجريمة الخيانة”.

ووفقا للقانون الجديد، فإن عقوبة السجن لمدة 30 عاما ستكون بانتظار “كل من يعمد إلى تسريب معلومات أو وثائق سرية تتعلق بالأمن الوطني أو الدفاع أو الاقتصاد الوطني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بغية الإضرار بمصالح الدولة أو باستقرار مؤسساتها.” واعتبر القانون أن كل عمل “يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي.. يعد فعلا إرهابيا أو تخريبيا.”

وشدد على أن ما يساهم “بوقت السلم في مشروع لإضعاف الروح المعنوية للجيش أو الأسلاك (الأجهزة) الأمنية بغرض الإضرار بالدفاع أو الأمن الوطنيين”، فسيعاقب بالسجن بين 5 و10 سنوات، وغرامة قد تصل إلى مليون دينار جزائري، أي ما يعادل 7442 دولارا أميركيا تقريبا. كما سيتم فرض عقوبات الحبس بين سنة و3 سنوات على كل من يقوم “بتمويل وتموين المسجلين في قوائم الأشخاص والكيانات الإرهابية.”

5