قضية خور عبدالله بين رغبة بغداد في تصفير المشاكل وحرص قوى عراقية على استدامة التوترات

طعن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقييْن على القرار القضائي بإبطال التصديق على اتفاقية خور عبدالله بشأن تنظيم الملاحة البحرية بين العراق والكويت لم يمرّ دون إثارة جدل يعزى إلى رغبة بعض القوى في استثمار القضية سياسيا وانتخابيا، وحرص قوى أخرى على عرقلة مسار تنقية الأجواء وإنهاء الخلافات مع بلدان المحيط العربي للعراق، والذي ترى فيه تلك القوى خصما من رصيد العلاقة المتينة بين بغداد وطهران الحليفة للقوى ذاتها.
بغداد- عادت اتفاقية خور عبدالله بين العراق والكويت بشأن تنظيم الملاحة في الممر البحري الضيق المتصل بمياه الخليج لتشكل مدارا لتجاذبات سياسية حادّة في الداخل العراقي مبرزة وجود اتجاهين متضادين يمثّل أحدَهما رئيسُ الوزراء محمّد شياع السوداني الذي أظهر في سياساته الإقليمية توجها واضحا نحو تصفير المشاكل وإنهاء الخلافات مع مختلف بلدان الإقليم وإقامة علاقات تعاون مثمرة معها، وتمثّل الآخرَ قوى سياسيةٌ مشاركة في السلطة ومرتبطة غالبا بعلاقات وثيقة مع إيران ومهتمة باستدامة التوتّرات مع تلك البلدان وإبقاء العلاقات معها على فتورها حماية للعلاقة المتينة بين طهران وبغداد.
وأصبح السوداني في مرمى الانتقادات الحادّة من قبل تلك القوى بسبب مبادرته مؤخرا مع رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد بالطعن على قيام المحكمة الاتحادية أعلى سلطة قضائية في العراق سنة 2023 بإلغاء التصديق على الاتفاقية.
وتركّزت الانتقادات على اتهام رئيس الحكومة بالتفريط في حقوق أصلية للعراق في المنفذ على مياه الخليج، وذلك على الرغم من أنّ التصديق على الاتفاقية المذكورة تمّ في فترة وجود بعض هؤلاء المنتقدين أنفسهم في الحكم، وذلك سنة 2013 في عهد الحكومة الثانية لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية.

سعود الساعدي: ما يجري تنازل خطير وتزييف للحقائق لصالح الكويت
وأرجأت المحكمة الاتحادية، الثلاثاء، النظر في الطعنين المقدمين من قبل الرئيسين رشيد والسوداني إلى الثلاثين من شهر أبريل الجاري، من دون ذكر لأسباب التأجيل ما أطلق افتراضات البعض لوجود حسابات سياسية واعتبارات غير قضائية وراء قرار التأجيل.
وكانت المحكمة قد أقرت في سبتمبر 2023 بعدم دستورية القانون 42 لسنة 2013 المتعلق بتصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، معتمدة على أن الدستور يفرض أن تتم عمليات المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بموافقة أغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان. وأثار قرار المحكمة آنذاك ردود فعل كويتية تضامنت معها بلدان الخليج.
وغير بعيد عن الرغبة في تنقية الأجواء وتهيئة الأرضية لعلاقات عراقية أكثر متانة وتعاونا مع الدول العربية بما في ذلك بلدان الخليج، تقدّم الرئيس العراقي ورئيس الوزراء منتصف الشهر الجاري بطعنين منفصلين أمام المحكمة الاتحادية على القرارالسابق للمحكمة والذي أبطل تصديق الاتفاقية المذكورة.
وطالب رشيد والسوداني المحكمة في طعنيهما بالعدول عن القرار الذي أصدرته في 2023 وإعادة الاعتبار للاتفاقية المبرمة بين البلدين في 2012 والتي صادق برلمانا البلدين عليها في 2013.
واستقبلت الكويت بهدوء خطوة الطّعن، حيث اعتبر وزير الخارجية الكويتي عبدالله علي اليحيا أن طعن رئيس العراق ورئيس الوزراء أمام المحكمة الاتحادية العليا في العراق على قرارها السابق الذي أبطل تصديق الاتفاقية شأن داخلي عراقي. وقال لوكالة رويترز “هذا شأن داخلي للعراق وليس يعنينا في هذا الأمر.” وأضاف قوله “المحكمة الاتحادية العراقية اتخذت القرار، وهم عندهم موقف، ونحن بانتظار ما سيصدر عنهم.”
وتطالب الكويت أيضا بترسيم كامل للحدود البحرية الكويتية – العراقية “وفقا للقوانين والمواثيق الدولية”، وتدعمها في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة.

وائل عبداللطيف: الاتفاقية المبرمة بين العراق والكويت غير قانونية ولا تحمل إجازة من الدولة
وقامت الأمم المتحدة بترسيم الحدود البرية بين البلدين في 1993 بعد الغزو العراقي للكويت إلا أن الترسيم لم يغطّ كامل حدودهما البحرية وتم ترك الأمر للبلدين.
وفي الداخل العراقي أثارت خطوتا الرئيسين رشيد والسوداني حفيظة العديد من القوى والشخصيات العراقية المحسوبة ضمن العائلة السياسية الشيعية المعروفة عامّة بقربها من إيران. وقال النائب السابق في البرلمان العراقي عن محافظة البصرة القاضي وائل عبداللطيف إنّ “الاتفاقية المبرمة بين العراق والكويت غير قانونية ولا تحمل إجازة من الدولة، والتوقيع عليها واعتبارها نافذة غير صحيح، وعندما وصلت إلى البرلمان صوت عليها 80 نائبا فقط بينما يستوجب التصويت على أي اتفاقية أو معاهدة موافقة 220 نائبا.”
وعبّر في تصريحات لشبكة رووداو الإعلامية عن خشيته من “تجميد قرار المحكمة الاتحادية العليا وعدم إرساله إلى الأمم المتحدة، وأن يتم اعتماد الترسيم غير القانوني للحدود، ولا نعرف ما هو الترسيم الجديد”، معتبرا أنّ “الموضوع عندما يكون سريا يبعث على الخشية.”
ومن وجهة نظر رجل القانون، بيّن عبداللطيف أنّ “من الناحية القانونية تعتبر الاتفاقية ملغاة، وقد ألغتها المحكمة الاتحادية العليا لوجود خرق قانوني وهو عدم توفر العدد المطلوب من النواب للتصديق عليها، والبرلمان لن يصدق عليها مجددا.”
وعبّرت قوى أخرى عن مواقف أكثر شدّة تجاه خطوتي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. واعتبر رئيس كتلة حقوق في مجلس النواب النائب سعود الساعدي أن الحكومة العراقية لا تملك صلاحية التنازل عن أي جزء من السيادة البحرية العراقية، مشددّا على أن القضاء العراقي هو الجهة الوحيدة المخولة بالفصل في الخلاف بشأن اتفاقية خور عبدالله.
وقال الساعدي في تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية إن ما جرى يُعد “تنازلا حكوميا خطرا عن الحدود البحرية وتزييفا للحقائق لصالح الكويت”، محذرا من أن هذا التوجه قد يُفقد العراق حقوقه الإستراتيجية في مياهه الإقليمية.
ودافع رئيس كتلة تصميم النيابية النائب عامر الفايز من جهته عن قرار المحكمة الاتحادية بإبطال المصادقة على الاتفاقية قائلا إنّه “جاء بناء على أسس قانونية صحيحة”، ومعتبرا أن المحكمة مارست دورها الرقابي في التأكد من شرعية المعاهدات، وأن أي تعديل يجب أن يتم ضمن الأطر الدستورية.
