قضية العجارمة تنذر بدق إسفين بين العشائر والسلطات الأردنية

يواجه النائب الأردني المفصول أسامة العجارمة حكما قاسيا بالسجن كان يتوقع أن يتم تلافيه من خلال تسويات. وفي بلد تتمتع فيه العشائر بنفوذ كبير قد تكون لنتائج الحكم تداعيات على مستوى العلاقة بين المكون العشائري القوي والدولة.
عمّان - قالت دوائر أردنية إن الحكم الصادر ضد النائب المفصول أسامة العجارمة، خلافا لما كان متوقعا بشأن لملمة القضية على غرار قضية الأمير حمزة بن الحسين، ينذر بدق إسفين بين المكون العشائري النافذ والسلطات الأردنية.
وقضت محكمة أمن الدولة الأردنية الأربعاء بحبس نائب البرلمان المفصول أسامة العجارمة 12 عاما بالأشغال المؤقتة، بعد نحو 7 أشهر من اعتقاله على خلفية تصريحات وصفت بأنها “مسيئة” للملك والمجتمع.
وصدر الحكم في جلسة علنية، حيث تقرر حبس باقي المتهمين مع الأشغال المؤقتة لمدة تراوحت بين 7 و8 أعوام، دون أن تحدد أعدادهم وهوياتهم.
وتعد الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة قابلة للطعن أمام محكمة التمييز، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد.
وفي السادس من يونيو الماضي صوت مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) لصالح فصل العجارمة على خلفية ما اعتبرها تصريحات منه “مسيئة” بحق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ثم اعتُقل منتصف ذات الشهر، وبدأت محاكمته بعد ذلك بثلاثة أشهر.
وجاء قرار فصل العجارمة بعد أيام على تجميد مجلس النواب لعضويته، أواخر مايو بسبب “إساءته للمجلس وأعضائه ونظامه الداخلي”، حسب قرار المجلس، إثر مداخلة له بشأن حادثة انقطاع الكهرباء عن عموم المملكة.
العلاقة بين النظام الأردني والعشائر ظلت طوال سنوات إيجابية بموجب عقد اجتماعي، لكن منذ سنوات تشكو العلاقة من توتر حاد
وفي الحادي والعشرين من مايو 2021 انقطع التيار الكهربائي بشكل تام عن عموم الأردن، جراء حدوث عطل في شبكة النقل التابعة لشركة الكهرباء الحكومية.
وآنذاك قال العجارمة إن انقطاع التيار كان “متعمدا” لمنع مسيرات تضامنية للعشائر مع فلسطين في ظل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، بينما طالبه زملاؤه بإثبات صحة ما يقوله.
وأدت قرارات مجلس النواب بحق العجارمة إلى خروج مسيرات ووقفات مؤيدة ومنددة، توسعت إلى حدوث مواجهات مع قوات الأمن في مسقط رأسه بلواء ناعور (تابع للعاصمة عمّان).
وينتمي النائب أسامة إلى عشيرة العجارمة، إحدى أكبر العشائر في الأردن، وهو نائب مستقل من مواليد عام 1981، خدم في القوات المسلحة وخرج منها برتبة رائد.
وكان النائب العجارمة مثيرا للجدل منذ دخوله إلى مجلس النواب الأردني، ولفت الأنظار إليه بشكل عاصف في وقت سابق عندما هدد الاستثمارات في منطقته الانتخابية في لواء ناعور بإغلاقها ومتابعتها، داعيا إلى تعيين أبناء قبيلته في تلك المصانع والاستثمارات.
وتتمتع العشائر في الأردن بنفوذ كبير في الحياة السياسية نظرا إلى دورها المؤثر في الانتخابات، فيما أحدثت قضية العجارمة تداعيات على مستوى العلاقة بين المكون العشائري والدولة.
وفي وقت تتهم فيه أوساط أردنية النائب المفصول باستغلال العشائرية والقبلية كورقة ضغط للمطالبة بإصلاحات سياسية، لا تبدو العلاقة بين القيادة الأردنية والعشائر في أحسن حالاتها.
وظلت العلاقة بين النظام الأردني والعشائر طوال سنوات إيجابية وقوية بموجب عقد اجتماعي، لكن منذ سنوات تشكو العشائر الأردنية من الإقصاء ومحاولات إبعادها عن مراكز صنع القرار.
وانخرط العديد من العشائر الأردنية منذ سنوات في تحركات مطلبية تهدف إلى الإصلاح السياسي وإخراج البلاد من حال التردي الاقتصادي.
وأحدثت قضية العجارمة تداعيات على مستوى العلاقة بين المكون العشائري والدولة، فيما يؤكد مراقبون أن ثمة أسبابا أخرى أكثر أهمية وعمقا أدت إلى توتر العلاقة بين الطرفين في السنوات الأخيرة.
في وقت تتهم أوساط أردنية النائب المفصول باستغلال العشائرية كورقة ضغط للمطالبة بإصلاحات سياسية لا تبدو العلاقة بين القيادة الأردنية والعشائر في أحسن حالاتها
ويشير هؤلاء إلى أن من أسباب هذا التوتر وجود إشكاليات في إدارة الدولة للملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية، بالإضافة إلى عدم وجود مقومات تدفع بالحالة التنموية في المناطق النائية التي يقطنها أبناء العشائر.
وأضافوا أن هذه الإشكاليات أوصلت إلى مرحلة يمكن للأوضاع أن تتأزم فيها جراء أية حادثة كحادثة النائب المفصول العجارمة.
وبدأت العلاقة بين الدولة والعشائر بالتراجع منذ نحو عقدين، مع توجه الأردن نحو تحولات اقتصادية واجتماعية كالخصخصة ووقف ريعية الدولة، واليوم وعلى وقع ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب الأردنيين إلى 50 في المئة، وارتفاع مديونية المملكة إلى 50 مليار دولار، تبدو العلاقة أكثر تأزماً بين الأردنيين وحكوماتهم المتعاقبة.
ويرى مختصون في الشأن الاجتماعي أن العلاقة بين العشائر الأردنية والنظام السياسي قائمة على عقد يقضي بأن تكون العشائر هي العمود الفقري للدولة.
ويؤكد فيليب مدانات المختص في علم الاجتماع السياسي في تصريحات إعلامية أن هذه العلاقة مبنية على عقد اجتماعي غير مكتوب ولكنه متفاهم عليه، مضيفا أن هذا العقد يتضمن عدم تهميش العشائر أمام بروز فاعلين آخرين.
ويضيف مدانات أن “العلاقة بين العشائر والدولة بدأت تتغير منذ عقدين، وذلك مع دخول المجتمع الأردني في خضم تحولات بنيوية أساسها اقتصادي اجتماعي، من حيث استقلالية الفرد وانفلاته من التبعية الأبوية الهرمية”، لافتا إلى أن “ذلك ترافق مع ترهل القطاع العام، وعدم قدرة الدولة على الإيفاء بمتطلبات عقدها التاريخي مع العشائر، والذي اهترأ مع بروز برنامج الخصخصة وضغط المانحين”.
اقرأ أيضا: الإسلاميون في الأردن يستبقون الخسارة بمقاطعة الانتخابات المحلية