قضية إحسان القاضي.. عنوان للاقتصاص من الصحافيين المعارضين في الجزائر

الاستئناف يشدد حكم الحبس الابتدائي على القاضي.
الاثنين 2023/06/19
صحافي يدفع الثمن

الجزائر - قامت محكمة الاستئناف في الجزائر الأحد بتشديد الحكم الصادر على الصحافي إحسان القاضي وقضت بسجنه سبعة أعوام، بعد أن كان خمسة أعوام، في خطوة صادمة لسير القضية التي باتت محط أنظار الصحافيين في الجزائر وخارجها.

وكان حكم ابتدائي صدر بحق القاضي الملاحق بتهمة تلقي "تمويل أجنبي" في الثاني من أبريل الفائت، قضى بسجنه خمسة أعوام، اثنان منها مع وقف التنفيذ. وكتب ممثل منظمة "مراسلون بلا حدود" في شمال أفريقيا خالد درارني على تويتر عند إعلانه عن الحكم، “حكم صادم وغير مفهوم".

واعتبر متابعون أن القضية بمرمتها هي اقتصاص من الصحافيين الجزائريين المعارضين، فتشديد الحكم في الاستئناف يوحي برغبة السلطات في ترويع الصحافيين وبعث رسالة للمنظمات الدولية التي انتقدت الحكم الابتدائي بأن حملاتها وتنديدها بحبس الصحافيين لن تلقى آذنا صاغية في الجزائر.

وأضافوا أن السلطات الجزائرية أصدرت قرارا بتفعيل قانون قديم مثير للجدل، يتضمن منع التمويل الأجنبي لوسائل الإعلام المحلية، بالتزامن مع محاكمة القاضي. وطلبت النيابة العامة الجزائرية في الرابع من يونيو من محكمة الاستئناف تثبيت إدانة إحسان القاضي بالسجن خمس سنوات ثلاث منها نافذة.

زبيدة عسول: نحن مندهشون أمام قرار يعتبر سياسيا أكثر منه قضائيا
زبيدة عسول: نحن مندهشون أمام قرار يعتبر سياسيا أكثر منه قضائيا

وتمت محاكمة القاضي (63 عاما)، مدير إحدى آخر المجموعات الصحافية الخاصة في الجزائر والتي تضم "راديو أم" وموقع "مغرب إيمرجنت"، بتهمة تلقي "تمويل أجنبي". ويعتبر المنبران من بين وسائل الإعلام التي لا تزال تعطي الكلمة للجميع، للسلطة والمعارضة وربما هذا ما كان يقلق السلطات.

وذكر ناشطون أن الدافع المباشر لهذا الاعتقال كان مقال رأي نشره على موقعه على الإنترنت (مغرب إيمرجنت) تكهن فيه بأن الرئيس عبدالمجيد تبون، البالغ من العمر 77 عاما، يرغب في الترشح لولاية أخرى في منصبه، وناقش في المقال ما إذا كان الجيش سيوافق على ذلك. وأثار المقال أثار غضب الرئيس والجيش. والقاضي مسجون منذ التاسع والعشرين من ديسمبر، وقد أثار توقيفه موجة تضامن بين زملائه ونشطاء حقوق الإنسان في الجزائر وأوروبا، ما أثار حنق السلطات على القاضي بشكل أكبر.

وانتقد محاموه الإجراء باعتباره انتهاكا صارخا للدستور الجزائري، وحرمانا للقاضي من حقه الأساسي في محاكمة عادلة، بعد أن حُرموا من فرصة الاستجواب في أسباب اعتقاله أمام قاضي التحقيق. ويضم ملف إحسان القاضي مجموعة من التهم، واحدة منها تتعلق بـ"تلقي أموال من طرف جهات أجنبية"، وهي المخالفة التي يحرمها ويعاقب عليها القانون الجزائري.

وقالت المحامية زبيدة عسول "نحن مندهشون أمام مثل هذا القرار الذي يعتبر سياسيا أكثر منه قضائيا". وأضافت  "لقد حُكم على إحسان القاضي بأقصى عقوبة ينص عليها القانون. هو ليس مجرما، وكان يجب أن يستفيد من الظروف المخففة"، موضحة أنه "سيطعن حتما في الحكم” أمام المحكمة العليا، أعلى هيئة قضائية في البلاد.

وبحسب عسول، وهي أحد أعضاء هيئة الدفاع،  فإن ملف القضية مبني على أموال بقيمة "25 ألف جنيه إسترليني تلقاها الصحافي على دفعات من ابنته تينهنان القاضي المقيمة في لندن والمساهمة في شركة أنترفاس ميديا"، الناشرة للوسيلتين الإعلاميتين إذاعة "راديو أم" وموقع "مغرب إيمرجنت” الإخباري. وأوضحت "لا توجد أي وثيقة في الملف تثبت أن إحسان القاضي أو أنترفاس ميديا تلقيا أموالا من هيئات أجنبية أو أشخاص أجانب".

وكشفت المتحدثة أن "الجهات المحققة استندت في اتهاماتها على تحويلات مالية استفاد منها المعني من طرف ابنته تينهنان التي تشتغل لدى مؤسسات أجنبية معروفة بأوروبا”. وتابعت "في الفترة التي أعقبت وباء كورونا واجهت الإعلامي إحسان القاضي عدة مشاكل مالية أثرت بشكل مباشر على سير المؤسسة التي يديرها، خاصة عندما وجد نفسه غير قادر على دفع الضرائب وكذلك أجور العمال".

وأفادت زبيدة بأن "لجوء إحسان القاضي إلى ابنته تينهنان التي تُعد شريكة في المؤسسة كان الحل الأمثل لتجاوز هذه الوضعية، حيث حولت له مبلغا يقدر بـ25 ألف جنية إسترليني (أكثر من 30 ألف دولار) على دفعات مختلفة".

ونفت المتحدثة تلقي موكلها أي "تمويل من منظمة أو هيئة رسمية في الخارج”، مشيرة إلى أن "الملف الموجود لدى الجهات القضائية لا يتضمن أي وثيقة تؤكد هذه التهمة". وشجبت جماعات حقوقية دولية اعتقال الصحافي الجزائري، ووصفته بأنه انتهاك صارخ لحقوقه الإنسانية، ودعت إلى الإفراج عنه على الفور وإعادة فتح مواقعه الإعلامية.

◙ متابعون يعتبرون أن القضية بمرمتها هي اقتصاص من الصحافيين الجزائريين المعارضين ورغبة من السلطات في ترويع الصحافيين

كما قضت المحكمة بحل شركته "أنترفاس ميديا" ومصادرة جميع ممتلكاته، إضافة إلى فرض غرامات عليه وعلى شركاته. وتسببت القضية بسجالات سياسية بين الاتحاد الأوروبي والسلطات الجزائرية، ففي قرار تبناه في الحادي عشر من مايو، طالب البرلمان الأوروبي "بالإفراج الفوري وغير المشروط" عن الصحافي ودعا السلطات الجزائرية إلى احترام حرية الإعلام.

ورد مجلس الأمة الجزائري (الغرفة الثانية للبرلمان)، بالقول إن قرار البرلمان الأوروبي "تدخل متواتر مردود عليه وتماد في التدخل في الشؤون الداخلية لدولة سيّدة”، وأعرب عن "استهجانه" للنص الذي "فيه مغالطات فظيعة". واحتلت الجزائر المرتبة 136 من بين 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" العام 2023.

وقد جمعت عريضة أطلقتها المنظمة للمطالبة بإطلاق إحسان القاضي أكثر من عشرة آلاف توقيع. ولم ترق هذه التقارير للرئيس الجزائري الذي هاجم تقارير ومواقف "مراسلون بلا حدود"، وقال في حوار تلفزيوني إنّ "هذه المنظمة تتحرك فقط ضد الجزائر، رئيس المنظمة (يقصد السابق روبير مينار) يدّعي الديمقراطية، نحن نعرفه ونعرف أباه وجده، كان يذبح الجزائريين في متيجة (منطقة وسط الجزائر) ويتعاونون مع الكولون (المعمرين)، ثم انتهى به المطاف ليكون رئيس بلدية لحزب متطرف يكره العرب والمسلمين، وهؤلاء لا يعلّموننا الديمقراطية".

ووفق تبون، فإنه لا يجب الاعتماد على المنظمات التي تعطي لنفسها حجما أو بعدا دوليا في تصنيف الدول، وذكر بالتحديد أن “مراسلون بلا حدود” تبقى منظمة غير حكومية، وهذه المنظمات تخضع للأشخاص الذين يشرفون عليها.

5