قضايا أصول الفقه في كتابات المفكر الفلسطيني وائل حلّاق

حلّاق يقارب القضايا الأصولية بمنهج علمي يخالف منهج المدرسة الاستشراقية.
الجمعة 2020/05/29
كسر سلطة البداهة والتسليم بحقائق كثيرة

ما الذي يبرّر تأليف كتاب عن المفكر الفلسطيني وائل حلّاق المتخصص بالقانون وتاريخ الفكر الإسلامي، في ظلّ مناخ فكري يعجّ بالقضايا الراهنة المطروحة على الباحث؟ يتساءل حمّادي ذويب الأستاذ المحاضر بكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة في صفاقس – تونس، مؤكدا أن هذا الاهتمام بحلّاق مرجعه إلى أنّ القارئ العربي لم يعرف هذا الكاتب إلا بعد أن أصدرت دار المدار الإسلامي ثلاثة كتب مترجمة من جملة مؤلفاته، راجع ترجمتها د. فهد بن عبدالرحمن الحمودي. وهذه الكتب هي “تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام: مقدمة في أصول الفقه السني”، و”السلطة المذهبية: التقليد والتجديد في الفقه الإسلامي”، و”نشأة الفقه الإسلامي وتطوره”.

أكد الباحث حمادي ذويب أن نشر دار المدار الإسلامي لكتب وائل حلّاق، مثل حدثا مهما؛ لأنّه مكّن الناطقين باللغة العربية من اكتشاف قيمة المنظومة الفكرية لهذا الباحث. وهذه المنظومة إن كانت أُنتجت في الغرب وباللغة الإنجليزية فإنّ صاحبها عربي فلسطيني الأصل حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة واشنطن، ودرّس في جامعة ماكجيل بكندا، وتولى عمادة كلية الآداب التابعة لها.

والملاحظ أنّه التحق للتدريس في معهد الدراسات الإسلامية بجامعة ماكجيل عام 1985، وقد تحصّل على الأستاذية عام 1994، وأصبح منذ العام 2005 أستاذا للفقه الإسلامي في هذه الجامعة، ويدرّس حاليا في جامعة كولومبيا بقسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا.

اختار ذويب دراسة فكر وائل حلّاق في كتابه “قضايا أصول الفقه.. من خلال كتابات وائل حلّاق” الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ليس لأنّه كاتبا كثير الإنتاج فحسب؛ بل لأنّه أيضا من أهم المتخصصين في الدراسات الدائرة على الفكر الإسلامي في الجامعات الغربية، وتحديدا في الجامعات الواقعة في أميركا الشمالية.

وائل حلّاق: القرآن لا يرمي إلى فرض واجبات دينية خالية من الرحمة
وائل حلّاق: القرآن لا يرمي إلى فرض واجبات دينية خالية من الرحمة

وقد ألّف عشرات الكتب والمقالات التي يدرس أغلبُها مسائل تتعلّق بالفقه الإسلامي وتاريخه وفلسفته، وتشكل النظام القضائي في الإسلام، والنظرية السياسية الإسلامية. وقد تُرجمت بعض كتبه ومقالاته إلى لغات عدة منها العربية والعبرية والإندونيسية والإيطالية واليابانية والكورية والفارسية والتركية.

وأشار ذويب إلى أن حلّاق يستحق الاهتمام فقد صُنِّف ضمن الخمسمئة شخصيّة الأكثر تأثيرا في العالم عام 2009. وما يبرّر الاشتغال به كذلك أنّ الكتب التي اهتمّت به في اللغة العربية هي في الغالب ترجمات لا دراسات.

تقوم دراسة ذويب النقدية على بيان أنّ المباحث الأصولية ليست مقتصرة على ما يُكتب باللغة العربية؛ بل هي منتشرة في غيرها من اللغات، وأنّ اطلاع القارئ والباحث العربي على مثل هذه الدراسات يمكن أن يغني فكره ويوسّع دائرة نظره وآليات تحليله ونقده للتراث الأصولي القديم، ويضفي عليه مسحة من المعاصرة.

وقد اختار أن تتركب الدراسة من جملة من الأبواب تتكامل في بيان مختلف رؤى حلّاق في قضايا أصول الفقه المختلفة. من ذلك تخصيص باب أول تمهيدي يتضمن تقديم كتاب حلّاق “تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام: مقدّمة في أصول الفقه السنّي”، باعتباره أهم كتاب مخصص بكامله لعلم أصول الفقه وقضاياه المختلفة، ويحتوي أيضا على فصل ثانٍ مكرّس لموقف حلّاق من الشافعي مؤسسا لعلم أصول الفقه.

وكان مدار الباب الثاني أصول التشريع الأربعة المعهودة منذ عصر الشافعي؛ ليلقي أضواء تحليلية نقدية سلّطها حلّاق عليها. أما الباب الثالث فقد دار على بعض أصول التشريع الفرعية في مرآة حلّاق.

وركّز الباب الرابع على بعض آليات الاجتهاد الأصولي لدى حلّاق، وختمت بباب خامس تمت عنونته بــ”رؤية تأليفية للأصول والمقاصد: نحو تجديد الأصول”.

وأوضح ذويب أنّ وائل حلّاق يعمل من خلال نشاطه الأكاديمي، على جبهتين؛ أولاهما جبهة البحث في النصوص القديمة التي شكّلت المنظومتين الفقهية والأصولية، فضلا عن منظومات العلوم الإسلامية التقليدية الأخرى لاقتناص المادة العلمية المكوّنة لبحوثه، وثانيتهما جبهة البحوث الحديثة التي كتبها الباحثون المحدثون والمعاصرون العرب والغربيون على حدّ سواء؛ ذلك أنّه ما من سبيل إلى الإضافة العلمية دون اطلاع على ما كتبه معاصروه ومن سبقهم في العصر الحديث.

حلّاق أضاف إلى الدراسات الأصولية المعاصرة إضافات معتبرة، فقد كسر سلطة البداهة والتسليم بحقائق كثيرة
حلّاق أضاف إلى الدراسات الأصولية المعاصرة إضافات معتبرة، فقد كسر سلطة البداهة والتسليم بحقائق كثيرة

ويرى أنّ وائل حلّاق يقارب القضايا الأصولية بمنهج علمي يخالف منهج المدرسة الاستشراقية، التي يقودها عدد من الأعلام من أهمهم يوسف شاخت، ذلك أنّه يسعى إلى تفكيك مرتكزات الفكر الاستشراقي من داخل نصوصه، ساعيا إلى إعادة صياغتها بما من شأنه الانسجام مع المعطيات التاريخية التي تغاضى عنها الاستشراق حتى يتوصل إلى مفهوم تاريخي للشريعة يخدم أهداف المشروع الفكري والسياسي والحضاري لقوى الهيمنة الغربية.

وأكد ذويب أنه ترتّبت على دراسات حلّاق، وعلى منهجه في مقاربة القضايا الأصولية، نتائج متنوعة؛ منها مراجعة كثير من المسلّمات في تاريخ علم أصول الفقه من قبيل اعتباره أنّ ما استقرّ في البحث العلمي المعاصر من آراء في مسألة ريادة الشافعي في تأسيس علم أصول الفقه لا يصمد أمام الحجج والحقائق العلمية. ومن ذلك أيضا توصله إلى حقيقة الخلافات التي تشقّ النظريات الأصولية، وهي خلافات لا يمكن التغاضي عنها تفنّد ما يدّعيه بعض الدارسين من اعتبار أصول الفقه كيانا منفردا ومتحدا.

استخلص حلّاق، في دراسته للقرآن أصلا من أصول الفقه، أنّ عملية جمع النص القرآني أدّت إلى إحدى أخطر وظائف القرآن، وهي الوظيفة التشريعية، إلا أنّ هذه الوظيفة لم يكن يتيسّر لها التحقّق إلا من خلال إثبات حجية نقل النص القرآني. وقد وقفنا على موقف التقدير الخاص الذي يكنه حلّاق للشاطبي من خلال إقراره بأنّ الوظائف التي ينسبها الشاطبي إلى القرآن والسنة، ومرتبة كلّ منهما داخل المنظومة الأصولية، ليس لها في حدود علمه، سابقة في أصول الفقه.

وخلص ذويب إلى إنّ حلّاق أضاف إلى الدراسات الأصولية المعاصرة إضافات معتبرة جديرة بالتنويه، فقد كسر سلطة البداهة والتسليم بحقائق كثيرة، ودعا إلى مراجعتها، وفتح أبوابا للنقد وزوايا نظر لمقاربة القضايا الأصولية لم تكن معهودة، وسعى إلى ترسيخ مقاربة أخلاقية للأصول الفقهية تتجاوز المقاربة التشريعية من ذلك سعيه إلى التخلص من الوظيفة التشريعية للقرآن، والتركيز، في مقابل ذلك، على الجوانب الأخلاقية فيه. فالقرآن، في نظره، لا يرمي إلى فرض واجبات دينية على الناس خالية من اعتبارات الرحمة والعفو ورفع المشقة عن الناس.

13