"قصر الصبار" مغامرة سردية لكشف خفايا من تاريخ العراق

عمان – انبثقت فكرة رواية “قصر الصبار” في ذهن صاحبها الأديب العراقي زهير كريم في عام 2004، وذلك عندما كلف من مؤسسة صحفية كان يعمل فيها بالكتابة عن المباني التراثية في بغداد بعد الاحتلال الأميركي للعراق.
من هناك تبدأ الرواية بصوت الراوي الصحافي، الذي يتحدث عن مهمة أوكلت إليه في عمله بإعداد تقرير صُحفي عن مباني بغداد القديمة، وفي رحلة تقصيه وبحثه تلك يقع اختياره على مبنى قصر قديم يطلق عليه اسم “قصر الصبار”، وسط مدينة بغداد، وحين يقصده للبحث حوله واستبيان حكايته يمنعه الجنود الأميركيون الذين اتخذوه مقرا لهم بعد احتلال العراق في عام 2003.
وبينما هو يتحدث معهم يخرج أحد جيران القصر ليروي له قصته وحكايات السكان الذين تداولوا عليه منذ بنائه على يد ضابط بريطاني مطلع القرن العشرين، ويخبره بأنه عثر على مجموعة من الكتب تحتوي على يوميات كتبتها امرأة اسمها “نرجس”، ومن هناك تأخذ الحكاية مجرى آخر إذ تقود “اليوميات” الصحافي إلى حكايات مثيرة يختلط فيها الشخصي بالتاريخي المشترك.
ويقول الراوي في مستهل الفصل الأول من الرواية المشتملة على 13 فصلا في 196 صفحة “كتبت تقريرا عن هذا البناء استعنت على إنجازه بعدد من المصادر الرسمية؛ أرشيف الدائرة التراثية ومطبوعات قديمة، قبل أن أبدأ بالخطوة التالية: زيارة المكان نفسه، تصويره من الداخل والكتابة عن جماليات المعمار الداخلي. ما حدث أنني لم ألتقط صورا ولم أكتب عن جماليات القصر من الداخل، فقد انحرف المشروع كله إلى منطقة أخرى، إلى مغامرة سردية تعاضد الخيال والحقيقة لنسج مبناها”.
ويتنقل الكاتب بين الشخصيات في الفصول ليسرد الحكاية بألسنة شخوصها، وهناك فصول تضم سرد الكاتب الشخصي متكئا في العديد من الموضوعات على أرشيف صحافي ومعطيات تاريخية ووثائق.
ونجد أنفسنا في الرواية مع “نرجس” التي تصبح الشخصية الرئيسة في العمل، فكانت الرواية تسجيلية، حضر فيها الخيال بشكل واضح. وهذا ما يؤكده الكاتب بقوله “المنزل الذي جرت فيه الوقائع والشخصيات التي ستشغل مساحة السرد كلها خليط من سِير الأبطال الشخصية والقليل من خيالي أنا الكاتب”.
ويقدم زهير كريم للقارئ تقريرا مختصرا عن تاريخ القصر الذي بني عام 1921 وظهرت في حديقته نبتة صبار استوحى منها اسم روايته. وعرج على ذكر أو تخيل تفاصيل حياة ساكنه الأول الذي عاش فيه 20 عاما ثم توفي ودفن في إنجلترا، كما يذكر شخصيات من سكنوه بعده وصولا إلى “الحاج رافع” -زوج نرجس- الذي أسكنها فيه “وعاشا فترة، قبل أن يهجرها مضطرا على ما يبدو، ويتحول البيت إلى موضع مضاء بشكل احتفالي في المساء، لكنه غامض رغم ذلك”.
وامتازت الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون”، بأسلوب شائق ولغة جريئة سبرت أعماق الشخوص النفسية وخيالاتها ورغباتها المدفونة وأسرارها.
وتتمحور الحكاية حول معرفة مصير “نرجس”؛ الفتاة التي غرر بها عاطفيا، وحضّت أخاها لاحقا على قتل أمها التي كشفت سرها، قبل أن تهرب إلى مدينة أخرى تصبح فيها شخصية مشبوهة تربطها مصالح مشتركة بأشخاص نافذين، وتقتل في النهاية على يد أحد الأشخاص الذين امتد أذاها إليهم.
ويكتب كريم في تجسيد لما حدث على لسان الشخصية المحورية “كنت شاهدا على الحادثة، شاهدا فقط، لكن الحظ العاثر دفعني إلى موضع المذنب. جرت الأمور بطريقة غير مفهومة -بالنسبة إلي- وغير متوقعة، لأن كل شيء حدث بسرعة وفجائية، فوجدت نفسي داخل دائرة الاتهام تلك الليلة قبل أن أكون في دائرة الإدانة، لكنهم لم يحاكموني، تركوني معلقا مثل حيوان سقط في فخ، ذهبوا وتركوني حتى أصابني اليأس فانطويت على نفسي، يغمرني الخزي، شريكا في جريمة لا علاقة لي بها، رافقتها فضيحةٌ تضاف إلى سيرتي، ستلطخ بعارِها سمعة عائلتي، بالإضافة إلى المصير المجهول الذي لم تنكشف ملامحه إلا بتوافقات عجيبة”.
ويذكر أن زهير كريم يقيم في بلجيكا، صدر له في الرواية “قلب اللقلق” و”صائد الجثث” و”غيوم شمالية شرقية” و”خيوط الزعفران”، وفي القصة “ماكنة كبيرة تدهس المارة” و”فرقة العازفين الحزانى” و”رومانتيكا”، وفي أدب الرحلات “أغاني الرمل والمانجو”.