قصائد من شرق أوروبا تواجه قضايا العالم

التجربة الإبداعية عند شعراء كوسوفو جمعت بين الثنائيات على غرار الهموم الفردية وتلك الجمعية وقضايا أفريقيا وفلسطين.
الخميس 2024/01/25
شعراء كوسوفو يستعيدون التاريخ ويواجهون الواقع

طلال المعمري

عمّان - يضم كتاب “حياة على دفعات” قصائد من الشعر الكوسوفي المعاصر ترجمها الباحث والأكاديمي محمد الأرناؤوط، محاولا عبر اختياراته أن يغطي الأجيال والاتجاهات والمناخات السائدة في المشهد الشعري بتلك الدولة التي تعد أصغر دول البلقان.

تكشف القصائد المختارة لشعراء من الجيل المؤسس عن وعي هذا الجيل بدوره المزدوج كمعبّر عن الشجرة الأم (الشعر الألباني الذي تشمل خارطته ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا الشمالية وجنوب الجبل الأسود وبلاد الاغتراب)، وأيضا عن انفتاحه على الحداثة الشعرية الأوروبية.

ووفقا للأرناؤوط، الذي وضع مقدمة وافية عن الشعر الكوسوفي تربط بينه وبين الأحداث التاريخية التي أثرت فيه، فقد أتاحت سياسة عدم الانحياز لشعراء كوسوفو أن يتواصلوا مع قضايا وشعراء العالم العربي، لذلك نجد حضور فلسطين قضية ورمزا لهم واضحا في هذه المختارات التي تميز الشعر الكوسوفي عن نظيره المجاور في ألبانيا.

وتعبّر القصائد التي أنجزها شعراء الجيل الثاني عما شهدوه من انهيار ليوغسلافيا، وخوضهم تجارب الاحتجاج والاعتقال والمنع من النشر. وهذا الجيل نفسه هو نفسه الذي ذاق طعم التحرر وانخرط في التجربة الجديدة لكوسوفو مستقلة سواء عن ألبانيا أو صربيا كما نص على ذلك دستورها الجديد.

أما الجيل الثالث، فكانت قصائده تعاين الأحداث التي تلت الاستقلال، وتوضح أن الأمل الذي ملأ النفوس نحو التغيير المستقبلي كان ربما أكبر بكثير مما تحقق على أرض الواقع.

قصائد من الشعر الكوسوفي المعاصر
قصائد من الشعر الكوسوفي المعاصر

وبالمجمل، يشير الكتاب، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن، إلى أن التجربة الإبداعية عند شعراء كوسوفو جمعت بين الثنائيات على غرار الهموم الفردية وتلك الجمعية/ الإنسانية، واللغتين المباشرة والرمزية، والرموز الأوروبية المشتركة والرموز الألبانية الخاصة، والقضايا المحلية وقضايا العالم الثالث وتحديدا في أفريقيا وفلسطين.

ومن شعراء الجيل الأول يبرز اسم أنور جرتشيكو الذي تكشف أشعاره عن حس قومي وتعاطف مع قضايا الإنسانية في كل بقاع الأرض، كما في قصيدته التي تحمل عنوان “الأرض”: “منحناك كل شيء: الأقدام الدامية، والعظام المحروقة عبر الخنادق، وما زال بك جوع، لم تشبعك حتى الليالي المقتولة، التي فقئت عيونها وآمالها”.

أما الشاعر دين محمدي، فاتسم شعره بالصور الفنية المستمدة من واقع حياة الناس وأساطيرهم الشعبية، وهو يستلهم المعاني العميقة من كل ما يحيط به في الكون؛ الأرض والسماء والنجوم. وها هو يقول في قصيدته “كوة بيت عمي تغلق أمامي”: “الشمس تبرد، في أول مرض، أضرموا النار في قلبي، الكلب الأسود ينبش، القبور المغلقة، أضرموا النار في قلبي، الناس تأكل بعضها بعضا، بعد كل لقاء، أضرموا النار في قلبي، الحرية تحولت إلى رصاص، في عيون الغيلان”.

أما قصائد بسيم بوكشي فتتجه نحو الفلسفة، وتتناول قضايا كالحب والموت والشيخوخة والحرب، وتنطوي على نظرة تأملية عميقة نحو الحياة. ومن قصيدته “أحب”: “أحب النقطة حين تثقب الحجر، وأحب الثلج حين يخفف من حدة التوتر في الأرض، أحب الشمس حين تدفئ الجلد، وأحب الصاعقة حين تخرج الشمس من الحزن، أحب.. لا أعرف ماذا أحب، ربما أحب القمر فقط، لأنه يرى كل شيء ولا يتكلم”.

هذا التأمل الفلسفي نجده كذلك في أشعار إليره زعيمي ومنها: “الرغبات مثل الأطفال لا تشيخ أبدا، مثل الفقاعات التي تنفجر في الجو، القوارب التي تغرق في البحر، مثل الانجذاب لتفاحة الذنب، هجران الذاكرة مثل الرماد الذي سرعان ما يجف ويبرد، قديمة مثل الهيروغليفية من قدم العالم، مثل رسائل في زجاجة، الرغبات الحقيقة هي تلك، التي لم نستطع معرفتها، التي لا نقبلها حتى لأنفسنا”.

وفي شعر محمد كرفيشي تحضر الطبيعة بكل مكوناتها، وتصبح كذلك معبرا للحديث عن أشجان النفس، وقضايا الكون، ولعل اهتمامه بالطبيعة هو ما جعله يبرز أيضا في كتابة القصائد للأطفال. كما ظل كرفيشي ملتزما بالقضايا الوطنية وبقضايا الشعوب المقهورة حول العالم. من قصيدته التي تحمل عنوان “فلسطين” نقرأ: “كم هي قريبة فلسطين!، فلسطين تسافر من قلب إلى قلب، تستريح من روح إلى روح، كم وكم تخطت الموت، لتصل إلى الحرية”.

وتحمل أشعار فخرالدين غونغا موقفا ضديا من الحرب والظلام: “عصرك عصر النهيق، والخرافات العظيمة، بعد هذه الحقيقة، ستبقى، مع ذلك، ذلك الذي أنت عليه: ستشارك في اللعبة التي يحركها عصرك. لأن: عصرك هو لعنتك”.

سياسة عدم الانحياز أتاحت لشعراء كوسوفو أن يتواصلوا مع قضايا وشعراء العالم العربي

وعن فلسطين كتب أيضا الشاعر عمر شكريلي: “نحن مثل الطيور المحنطة، ليس لها تراب تمسه بأقدامها، وليس لها أرض خاصة باسمها، فوطنها الريح والزقزقة، نحن لنا لساننا وعيوننا، نحن مثل الطيور، التي تطير في عكس الرياح، والرياح لا تتوقف لبرهة، نحن أيضا ليست لنا أعشاش، فأعشاشنا الأنقاض الفاحمة، وسماؤنا دخان البارود”.

ويقدم بصري تشابريتشي نظرة درامية ساخرة عن الحروب، وهو يقول في قصيدته “تجربتي مع الحروب”: “في البداية تجد بعض الصعوبة، تتردد، وخاصة حول الأطفال، حين يدوسون على الأطفال، ثم تؤيد الحرب، وتنظم قصائد بطولية، فيما بعد يصبح الأمر سهلا، سهلا كثيرا، تؤيد الجميع دون تحفظ، هكذا تمضي أمورك جيدا”.

شجب الحروب يتجلى أيضا في أشعار موسى رمضاني، الذي كتب قصيدة بعنوان “حياة على دفعات” يقول فيها: “أكره الكره، وأحارب الحرب، لكن، عن المجاعة المرض، تصيبني الخشية وأصغي إليك، زمن الحب، زمني، فأنا ولدت بشكل عامودي، وأعيش بشكل أفقي، الأيام والليالي ترتق حياتي/ بصعوبة وعلى دفعات”.

هذا ما يمكن ملاحظته أيضا في قصائد إبراهيم قدريو، وأغيم فينسا، وأكرم باشا، وصبري حميدي، وحازم شكريلي، ورحمان ديداي، وعلي بودريميا الذي وظف الأسطورة في أعماله شاجبا الظلم والاعتداء على الحرية، ففي قصيدته “عد إلى أبيات هوميروس”، يقول: “عد إلى أبيات هوميروس، عد من حيث أتيت، فهذا الزمن ليس زمنك، عد إلى هناك، حرر الناس من الأنانية والضلال، من الأرق والصمت”.

وتبرز الأسطورة في أشعار آدي شكريو التي تقول في قصيدتها “قانون حمورابي”: “بند 226: تقطع يد الجراح الذي أزال عن العبد علامته. بند 282: تقطع أذنا العبد إذا قال لسيده: لست سيدي. بند 231: إذا خنق العبد يستبدل به عبد آخر. بالاستناد إلى البند 226، من قانون حمورابي، البارحة قطعوا لي أصابعي، لأنني حاولت أن أزيل إلى الأبد، علامة البؤس”.

أما الشاعر آدم غاشي فيَبرز في شعره نوعٌ من الخيبة التي يعانيها المواطن، يقول في إحدى قصائده: “كان المواطن يصاحبه ظل القلق، والنور الخافت الذي يثير الخوف.. الآن توسعت الممرات كثيرا، وأصبح المواطن يضيع فيها، وهو يبحث عن المكتب المقصود”.

12