قصائد العمق الذي يجدده اللعب

ميلانو (إيطاليا) - في مجموعتها الشعرية الجديدة “باسم غير مستعار”، لا تؤجل الشاعرة المصرية غادة نبيل اعترافها بالتحايل على البدايات المكررة، مخاطبة القراء منذ أول قصيدة، كأنها تنسج لهم بخيوط أول نص شباك صيد أو فخا ما، ليقعوا في شرك قصيدة منفلتة، “كافرة”، “خائنة”، أو على وشك أن تكون، بالمعنى الإبداعي واتساع مساحة التجريب.
وهنا نعود لملاحظة المحرر قبل بداية القراءة والتي تخبرنا أن الكاتبة تستخدم مفردات من العامية المصرية، إضافة إلى الاشتغال التجريبي البصري في مجمل الديوان، وأحيانا يركز بشكل خاص على دمج الكلام أو إلغاء علامات الترقيم.
أبعاد تاريخية، وإسقاطات ميثولوجية تظهر منذ البدايات، بجمل جريئة وساطعة لا تتوارى خلف شيء، تكتبها الشاعرة مستحضرة مدنا وكتبا وشعراء وفنانين معروفين ومهمشين لا أسماء لهم، وبين السطور وفي الهوامش السفلية تنشغل نبيل بنصها، مدمرة الكثير من الكليشيهات، والتي غالبا ما يلجأ إليها الشعراء ليمنحوا نصوصهم نوعا من البهرج المعرفي، لنلمس فعلا هذا “الصراع المتغير مع فكرة الشعر”.
تقول الشاعرة “لو شككنا أننا سنحتاج، رؤية عشرينات أرواحنا، بعد الأربعين، لاحتفظنا بها أو صورناها. كنا سنحتاج أساطيل، لحمل هذه الشحنات من السعادة، وتفريغها، لأن احتفاظ شخص واحد بالسعادة المطلقة، ولو كذكرى، جريمة. لم نعرف أنها ستغدو كتلة خوف من أنفسنا، لم يكن هذا دافعي إلى تمزيقها، ولا دافعك إلى حرقها… كان يمكن لرسائلنا، أن تبقى مفرودة في الميناء، يقلبها البحارة والعتالون من أول الزمن إلى نهايته. انظر كيف كنا سنتحول إلى رموز: قيس وليلى، خسرو وشيرين، كوكو شانيل وبوى كاپيل، غادة وكمال”.
في ديوان “باسم غير مستعار” تكتب غادة سيرة شعرية، لا تخلو من تفاصيل حياتها وحياة أفراد عائلتها، وكل ما قرأت وأرادت أن تلتقي من الأموات، مستعينة بذاكرة تمتد لسنوات بعيدة، عبر مدن وأفلام وكتب وحكايات شعبية كثيرة، وكذا خيال تنعشه بالسخرية حين يلامس حزنها وحزن الآخرين، تقول “الذين أحبوا الحقيقة مشوا، والذين كرهوها مشوا. هكذا لم يبق أحد يخبرنا ما جرى للمجانين”.
أو كما نقرأ في قصيدة “الصيادون”، “الانتظار أصابهم بلوثة رطبة، والقمر زاد المشكلة. أصبحت عيونهم، تشبه أسماكهم، أي أكثر ذهولا واستدارة. بالليل، مراكبهم فنارات، يرهفون السمع، فيسمعون كلام السمك وأقدام السلطعون في قاع المحيط، ومع الفجر، يعودون كخلايا سرية، اتفقت على مخابيل الشط”.
تمضي الشاعرة في التجريب البصري، والاشتغال الذي يتكئ على مفردات سردية، من خلال قصائد تعنونها أحيانا وتتركها بلا عناوين في أخرى، مكتفية في آخرها بتاريخ كتابتها. أو حين تدفع الكلمات لترتبط ببعضها البعض، في ما يشبه الارتباط العضوي، متخلية عن علامات الترقيم والفراغات التي نحتاجها كي ندرك المعنى بين كلمة وأخرى.
وحين نقرأ كتابها الجديد، تجعلنا الشاعر غادة نبيل كما في إحدى جملها الشعرية “نختبر الدوشة التي تجلبها البهجة، العمق الذي يجدده اللعب”.
ونذكر أن المجموعة الشعرية “باسم غير مستعار” هي المجموعة السادسة للشاعرة المصرية غادة نبيل، صدرت في 112 صفحة من القطع المتوسط، ضمن سلسلة “براءات” لسنة 2019، التي تصدرها منشورات المتوسط وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاء بهذه الأجناس الأدبية.
وغادة نبيل شاعرة وصحافية مصرية، من مواليد الإسماعيلية. صدرت لها شعرا المجموعات التالية “المتربصة بنفسها”، 1999، “كأنني أريد”، 2005، “أصلح لحياة أخرى”، 2008، “تطريز بن لادن”، 2010، “هواء المنسيين”، 2014. ولها قيد النشر نص شعري توالدي مع الشاعر المصري عاطف عبدالعزيز بعنوان “تقاطعات”. وهي خريجة الأدب الإنكليزي والأميركي في جامعة إيست أنجليا البريطانية.
وتوقع غادة نبيل مجموعتها “باسم غير مستعار” في جناح منشورات المتوسط ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، الاثنين 28 يناير 2019 في الساعة الخامسة مساء.