قسوة الجفاف تفاقم انعدام الأمن الغذائي والمائي في اليمن

تتزايد استغاثات المسؤولين اليمنيين من أن هوامش ابتعاد البلاد عن حدود العجز الكبير في الأمن الغذائي والمائي تتضاءل بشكل أكبر حتى إن الأزمة تتفاقم بدرجة خطيرة جراء اشتداد موجة الجفاف القاسية لتزيد من اتساع دائرة الجياع والعطشى.
عدن - تكافح الحكومة اليمنية بشق الأنفس لتأمين غذاء الناس بعدما أرخت التغييرات المناخية بظلال قاتمة على الزراعة التي تضررت من نقص المياه، والتحديات الاقتصادية الحادة الأخرى، التي يعاني منها البلد منذ أكثر من تسع سنوات.
وتعكس تحذيرات المسؤولين بسبب عجزهم عن مواجهة مشكلة الجفاف لوحدهم مدى اختناق الوضع، وتؤكد في الوقت نفسه تفاقم مشكلة شح الغذاء في بلد يعاني من أزمة مالية غير مسبوقة في ظل الحرب.
وأكد توفيق الشرجبي وزير المياه والبيئة أن تغير المناخ يؤثر سلبا على إنتاج الغذاء بالبلاد، مما فاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي والمائي وسط استمرار الصراع في اليمن المصنف كإحدى أفقر الدول العربية.
وذكر البنك الدولي في أحدث تقييم لحالة الاقتصاد أن اليمن يُعد من بين أكثر بلدان العالم فقرا في المياه، حيث لا يحصل أكثر من 55 في المئة من السكان، أي نحو 18 مليون نسمة، على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي المأمونة.
وقال الشرجبي في مقابلة مع رويترز الأربعاء “خلال العقد الأخير أصبحت للتغيرات المناخية آثار كارثية على البيئة بشكل عام، وعلى الإنتاج الزراعي والسمكي والحيواني بشكل خاص”.
وأوضح أن العديد من المناطق تتعرض إلى ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الطويل، وتذبذب سقوط الأمطار، وتغير في مواعيد مواسم الزراعة والحصاد المرتبطة بالمواسم المطرية أو العواصف والأعاصير والسيول الجارفة وتدهور التربة الزراعية بشكل كبير.
وأشار إلى نضوب مصادر المياه وتلوثها ما أجبر السكان إلى الهجرة الداخلية والنزوح بحثا عن المياه والخدمات.
وأضاف الشرجبي أن “تأثيرات التغيرات المناخية على المناطق الساحلية، من العوامل المهمة في هجرة الكثير من أنواع الأسماك التي لا تتحمل تلك التغيرات”.
وأكد البنك الدولي في تقرير “مكافحة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في خضم تحديات متعددة”، أن انعدام الأمن الغذائي يمثل التحدي الأكبر الذي يواجه اليمن حاليا في ظل استمرار الحرب وتصاعد معدلات التضخم وتغير المناخ.
وقال معدو التقرير الذي نُشر منتصف هذا الشهر إن “عدد اليمنيين الذين يعانون من الجوع كل يوم زاد بمقدار 6.4 مليون شخص خلال التسع سنوات الأخيرة من الحرب وتداعياتها الاقتصادية والإنسانية الكارثية”.
ولفتوا إلى ارتفاع عدد الذين يعانون من الجوع باليمن إلى 17 مليون شخص في العام الحالي من 10.6 مليون في عام 2014.
55
في المئة من السكان، أي 18 مليون نسمة، لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب، وفق البنك الدولي
وتشير تقارير وبيانات رسمية إلى تأثر جميع المناطق الزراعية في اليمن من ظروف الجفاف مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة خلال الأعوام الماضية، وارتفاع نسبة التصحر من 90 في المئة عام 2014 إلى 97 في المئة عام 2022.
وأدى هذا الوضع المقلق إلى خسارة سنوية تتراوح بين ثلاثة وخمسة في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة.
وقدّرت تلك البيانات تكلفة تغير المناخ في الزراعة بأكثر من 64 في المئة من إجمالي خسائر الاقتصاد اليمني، بينما زادت فجوة الغذاء إلى 40 في المئة.
ويقدر حجم الأراضي المتدهورة من التقلبات المناخية بـ5.6 مليون هكتار أي بنسبة تصل إلى 12.5 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية.
وانطلاقا من هذا الواقع، قال الشرجبي إن “اليمن يحتاج إلى الكثير من المشاريع لمواجهة تغير المناخ، والتي تشكل تحديا كبيرا لجميع دول العالم الثالث، وعلى وجه الخصوص اليمن، كونه أكثر حساسية من آثارها، وهذا ما تؤكده الكثير من تقارير الخبراء”.
لكنه أكد أن الحكومة شرعت في اتخاذ العديد من الإجراءات والمعالجات، وبدأت في “تنفيذ مشاريع ممولة من المانحين كمساعدات أو منح من الدول الصديقة والشقيقة والصناديق التمويلية للتخفيف من تفاقم آثار تغير المناخ على الأمن الغذائي”.
كما تطرق في حديثه مع رويترز إلى التدخلات المختلفة لتحسين إدارة المياه وتدابير الحفاظ عليها والاستثمار في البنية التحتية للمياه.
ومن المشاريع التي تعمل عليها الحكومة أنظمة تجميع مياه الأمطار وشبكات الري الصغيرة، وتعزيز توافر المياه للزراعة وممارسات كفاءة المياه وتثقيف المزارعين حول الاستخدام المستدام للمياه.

وبجانب ذلك، إنشاء أنظمة إنذار مبكر والاستثمار في تحسين قدرات مراقبة الطقس والتنبؤ به ونشر الإنذارات للمزارعين والمجتمعات الضعيفة.
وفي ما يتعلق بالانبعاثات، أفاد الشرجبي بأن اليمن يعد من الدول الأقل نموا، وبالتالي لا توجد فيه صناعات ثقيلة أو له تأثير كبير في الانبعاثات، إذ تكاد تكون نسبة الانبعاثات معدومة.
وتتمتع البلاد بغطاء نباتي كبير ومسطحات مائية كبيرة، وبحسب الوزير اليمني فإنها “لا تزال تتمتع بتنوع حيوي ثري”.
وقال “رغم ذلك تعمل الحكومة على التقليل من استخدامات الوقود الأحفوري لتخفيض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ضمن تعهدات اليمن للوفاء بالتزاماته نحو المجتمع الدولي”.
وأكد أن لهذا الغرض تعمل وزارة المياه حاليا على إعداد إستراتيجية للخروج التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري والتحول إلى الطاقة المتجددة في عمليات توليد الطاقة، وإنتاج وضخ مياه الشرب من خلال إدارة حقول المياه بالطاقة الشمسية.
ويعتمد قطاع الكهرباء في اليمن بشكل كبير على النفط والغاز اللذين يمثّلان ما يقرب من 90 في المئة من إنتاج الكهرباء محليا.
واليمن منتج صغير للنفط، وتراجع إنتاجه إلى 60 ألف برميل يوميا بعد أن كان قبل الحرب يتراوح ما بين 150 و200 ألف برميل يوميا، في حين كان يزيد الإنتاج على 450 ألف برميل يوميا في عام 2007، بحسب البيانات الرسمية.
وتعتزم الحكومة اعتماد إمدادات الكهرباء النظيفة كحل لأزمة الطاقة المستعصية في اليمن، حيث ستدخل أول محطة شمسية في مدينة عدن الخدمة مع مطلع العام الجديد بقدرة 120 ميغاواط بتمويل إماراتي كمرحلة أولى قابلة للتوسع لنحو 300 ميغاواط.
ومن المتوقع أن تدخل محطة مثلها في مدينة المخا على البحر الأحمر، التي ستسهم في تقليل كُلفة توليد الكهرباء في ساعات النهار والتقليل من استخدامات الوقود.