قسط خامس من قرض صندوق النقد يصطدم ببطء الخصخصة في مصر

تتصاعد التساؤلات حول قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها المرتبطة ببرنامج الإصلاح، وعلى رأسها الخصخصة. فرغم التقدم في بعض المؤشرات، لا يزال تنفيذ طرح الشركات الحكومية يسير بوتيرة بطيئة، ما يثير القلق بشأن خطط إشراك القطاع الخاص وخفض الديون.
القاهرة – أكدت المراجعة الخامسة لصندوق النقد الدولي حول استكمال قرض بقيمة 1.3 مليار دولار وجود تحفظات على الوضع الاقتصادي في مصر، بشأن ملف الخصخصة، وإدارة ملف الديون الذي تتعامل معه الحكومة كأولوية سياسية واقتصادية.
وشهدت القاهرة جولة بين فريق من خبراء الصندوق والحكومة خلال الفترة من 6 إلى 18 مايو الجاري، تناولت السياسات الاقتصادية والمالية التي تشكل ركيزة لاستكمال المراجعة بموجب اتفاق “تسهيل الصندوق الممدد”، لكن مشاريع البنية التحتية نقطة خلاف.
وذكر الصندوق بعدما عقد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي اجتماعا موسعا لمتابعة إجراءات خفض الديون الثلاثاء الماضي أن “مصر تحرز تقدما نحو استقرار الاقتصاد الكلي، لكن لا يزال يتعين عليها تبسيط إجراءاتها الضريبية والجمركية وتوسيع قاعدتها الضريبية.”
وقالت رئيسة بعثة الصندوق إيفانا فلادكافو هولار “نرحب بمساعي مصر الرامية إلى صياغة إستراتيجية لإدارة الديون في الأجل المتوسط لتحسين الشفافية والتخفيض التدريجي لكلفة الفوائد في الموازنة العامة.”
وظهر التحفظ على استمرار الحكومة في تدشين وإنشاء مشاريع تنموية كبرى من خلال القطاع العام، بما يؤثر على ملف الديون، مقابل عدم إفساح المجال بشكل أوسع أمام القطاع الخاص للقيام بتلك المهمة.
ويأتي ذلك رغم تأكيد الصندوق أن حصة استثمارات القطاع الخاص من إجمالي الاستثمارات ارتفعت إلى 60 في المئة.
وأكدت البعثة ضرورة أن يحظى تقليص دور القطاع العام في النشاط الاقتصادي بموقف حاسم من السلطات، وضمان تكافؤ الفرص لجميع الفاعلين الاقتصاديين، وأولوية قصوى ضمن أجندة السياسات.
وشددت على أن تسريع برنامج التخارج من الأصول في القطاعات التي التزمت الدولة بتقليص تواجدها فيها، يلعب دورا محوريا في دفع عجلة النمو الاقتصادي.
وتتعامل القاهرة مع ملف خصخصة القطاعات المختلفة بخطوات بطيئة خوفا من رد فعل سلبي من قبل الأوساط الشعبية، لوجود مؤسسات يصعب أن يتقبل البعض أن تكون تحت وصاية القطاع الخاص.
وترى الحكومة أن التسرع ربما يجلب منغصات تؤثر على التوجهات الاقتصادية، بما يدفعها إلى تجميد الخصخصة بغرض التهدئة.
ولا تروق تلك المبررات لصندوق النقد، لأنه يتعامل مع استمرار الاستثمارات الحكومية في القطاعات المتباينة على أنه يعرقل خطوات خفض الديون وأعبائها.
وهذا يأتي رغم الجدية التي تتعامل بها القاهرة في هذا الشأن وتشكيل لجنة وزارية معنية بإدارة الديون الداخلية والخارجية والحد منها إلى أقل درجة ممكنة، وكل ذلك تحت إشراف جهات رقابية تتعامل مع القضية بصرامة.
ورغم توصية الصندوق باتخاذ خطوات أسرع نحو كبح الديون وخصخصة القطاعات الحيوية، أقرت بعثته بتحقيق مصر تقدما على صعيد استقرار الاقتصاد الكلي.
ومن المرجح أن يواصل النمو زخمه، ولذلك قام الصندوق برفع توقعاته لمعدل النمو للسنة المالية 2024 – 2025 إلى 3.8 في المئة على ضوء أداء قيل إنه “فاق التوقعات” خلال النصف الأول من العام الجاري.
وتوسعت الحكومة في مشاريع البنية التحتية والمدن الجديدة والطرق والجسور العملاقة من خلال الاقتراض، بعيدا عن تسليم تلك المهمة إلى القطاع الخاص، بغرض تسريع الإنجاز وتقديم صورة حضارية للدولة.
لكن المؤسسة الدولية المانحة ترى أن هذا التوجه أثقل كاهل المصريين بأعباء مالية وعرقل سداد كلفة القروض وجزء من الديون.
60
في المئة حصة استثمارات القطاع الخاص من إجمالي الاستثمارات في مصر، وفق صندوق النقد
ويرى خبراء أن تحفظ الصندوق على طريقة إدارة ملف الديون والاستثمارات العامة، يرتبط باستمرار التعامل مع الملفين بأسلوب قائم على الرؤية الواحدة للحكومة.
ولو كانت الدولة جادة في كبح الديون وتسريع التخارج من القطاع العام لاستعانت بمتخصصين مستقلين بدلا من مسؤولين تنفيذيين يخضعون لسلطتها.
وقالت خبيرة الشؤون الاقتصادية عالية المهدي إن “الحكومة مطالبة بخفض الاستدانة إلى الحد الأدنى، والتخلي عن الأفكار القديمة في إبرام قروض، إذا أرادت الخفض التدريجي للديون.”
وأوضحت في تصريحات لـ”العربّ أن من المهم أن تكون الدولة ملتزمة بسداد المستحقات المفروضة عليها في مواعيدها، بحيث يتم تخفيف العبء عن موازنة الدولة، ما يجعل الحكومة قادرة على الإنفاق بمرونة على القطاعات الحيوية.
وأضافت أن “الدولة إذا نجحت في الاستدانة سنويا لأقل من النصف، فهذا شيء جيد للغاية، وعليها تسريع التخارج من بعض القطاعات التي تشكل عبئا على جذب الاستثمارات.”
وبررت ذلك بأن صندوق النقد يعنيه تخارج القطاع العام وشركات الجيش، وهذه “عملية تسير ببطء شديد بما تسبب في عدم وجود توافق بين الصندوق والحكومة.”
وتؤكد صفقات الاستحواذ على مؤسسات وكيانات اقتصادية كبرى أن المستثمرين الراغبين في الشراء موجودون بالفعل، لكن المعضلة في الإجراءات الحكومية المعقدة.
كما أن الدولة أخفقت في تقديم ما يثبت أنها جادة في الخصخصة لإفساح المجال للقطاع الخاص، بعيدا عن التحجج بضعف عروض يقدمها مستثمرون لشراء الشركات.
ويدافع مسؤولون مصريون بأن بطء برنامج الطروحات، وما يترتب عليه من تخارج للدولة والخصخصة، يرتبط بالتراجع الكبير للعملة المصرية، لأن الكثير من عمليات تقييم وتحديد القيمة العادلة للشركات تتم بالجنيه.
في المقابل يدفع المستثمرون الأجانب المبالغ بالدولار الأميركي، وهنا تظهر قيمة الصفقة ضئيلة بشكل يثير تحفظات حكومية وشعبية.
تحفظ الصندوق على طريقة إدارة ملف الديون والاستثمارات العامة، يرتبط باستمرار التعامل مع الملفين بأسلوب قائم على الرؤية الواحدة للحكومة
ويرفض خبراء الصندوق تلك الذريعة، باعتبار أن القاهرة تستطيع أن تصل إلى النقطة الحاسمة لتنفيذ برنامج التخارج من القطاعات الحيوية لخفض الديون وتسريع الاستثمارات.
وسيكون ذلك في حال تخلى المسؤولون عن مقارنة قيمة أصول الشركات بالجنيه مع سعرها بالدولار، خاصة إذا كان المستثمر محليا ويتعامل بالجنيه وأرباحه بالعملة المحلية المملوكة للدولة بشكل كامل.
وارتكزت القاهرة على بعض الظروف الاقتصادية الطارئة لإقناع صندوق النقد بأنها مدفوعة إلى التعاطي بمرونة أقل مع تخارج الحكومة من بعض المشاريع الاقتصادية واللجوء إلى القروض وعدم الحد من الديون بالقدر المأمول.
ومن بين الأمثلة على ذلك فقدان جزء كبير من إيرادات قناة السويس جراء التوترات في البحر الأحمر، واستمرار الصراعات في الشرق الأوسط، ويضعف استقرار الملاحة نسبيا تلك الحجج.
وتواجه السلطة وضعا حرجا اقتصاديا، لأنها بين خيار التضحية بما تبقى من شعبية نتيجة الاستجابة لتوصيات صندوق النقد، وخيار المماطلة في التنفيذ ارتكانا إلى ممانعات شعبية وحسابات سياسية، بينما هي تبحث عن ثقة المؤسسات الدولية لجذب الاستثمارات.
ووفق الرؤية المتفق عليها مع الصندوق، يتم تخصيص 50 في المئة من إيرادات برنامج الطروحات لخفض الديون وخدمته بشكل مباشر، لأن استمرار المعدلات الحالية يمثل ضغطا على الدولار.
ويعد التخلص تدريجيا من الدين خطوة مهمة لرفع جزء من العبء عن الاقتصاد، ومن المهم أن تكف الحكومة عن الاقتراض وتعمل على تعزيز فرص الاستثمار.
ويدعم صرف الشريحة قدرة الحكومة على توفير سيولة مهمة مع ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى أكثر من 48.1 مليار دولار، والخطوة مؤشر على نجاح الإصلاحات التي تتخذ، باعتبارها شهادة ثقة، وتؤيد قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الدولية في ملف الديون.
وباتت القاهرة مدفوعة لتسهيل إجراءات صرف الشريحة والموافقة على توصيات الصندوق، فالتأخير لن يخدم الاقتصاد وهناك مستثمرون ينتظرون نتائج النقاشات لتقييم الموقف، بما يجعل السلطة مضطرة إلى مراجعة المشاريع الكبرى وخفض الديون وتسريع الخصخصة.