قرية مصرية تحت تأثير صدمة خسارة أبنائها في درنة

ما لا يقل عن 74 رجلا من قرية نزلة الشريف لم يتجاوز عمر بعضهم 17 عاما من بين ضحايا إعصار ​​"دانيال" الذي ضرب المدينة الليبية.
الثلاثاء 2023/09/19
صدى الحزن يتردد في أنحاء نزلة الشريف

نزلة الشريف (مصر) - فوجئ مزارع مصري خلال تصفحه لهاتفه المحمول، أثناء سقي أرضه على طول نهر النيل جنوب العاصمة القاهرة بخبر بوفاة اثنين من أبنائه.

واطلع أشرف سعداوي عبدالفتاح (42 عاما) على قائمة نُشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تضمنت أسماء المصريين الذين قضوا في الفيضانات المدمرة التي اجتاحت مدينة درنة في شرق ليبيا.

وكان ابنه محمد البالغ من العمر 23 عاما، وهو ثاني أكبر أبنائه سنّا، وكذلك ابنه عبدالرحمن البالغ من العمر 19 عاما مع ستة من أقاربهم والعشرات من الرجال الآخرين من قريتهم ضمن قائمة المتوفين في فيضانات ليبيا.

وقال عبدالفتاح في حديث لوكالة أسوشيتد برس خارج منزله في نزلة الشريف، وهي قرية في محافظة بني سويف “إنها صدمة كبيرة للعائلة والقرية بأكملها”.

وكان ما لا يقل عن 74 رجلا من القرية، لم يتجاوز عمر بعضهم 17 عاما من بين ضحايا الإعصار المتوسطي ​​”دانيال” الذي ضرب مدينة درنة مساء الأحد وتسبب في انهيار سدين في الجبال المطلة على المدينة، مما أدى إلى تدفق سيل من المياه بارتفاع طابقين، وأحدث دمارا وجرف أحياء بأكملها إلى البحر.

74

رجلا من قرية نزلة الشريف دُفنوا في جنازة جماعية يوم الأربعاء

وأدى الطوفان إلى مقتل الآلاف في ثوانٍ معدودة، حيث انهارت المباني السكنية وجرفت الطرقات والجسور.

وأعلن حتى الآن عن مقتل أكثر من 11300 شخص وفقا للهلال الأحمر الليبي، بما في ذلك العشرات من المصريين الذين عاشوا في درنة وعملوا فيها لسنوات.

وتواصل قوات الإنقاذ إزالة الأنقاض بحثا عن 10 آلاف شخص من المفقودين ويخشى أن يكون فات الأوان لإغاثة من كان يمكن إنقاذهم.

وقال رشاد عزت عبدالحميد، وهو مصري يبلغ من العمر 45 عاما نجا من الكارثة “كان الأمر أشبه بالجحيم”. وذكر أنه وسبعة مصريين آخرين هرعوا إلى سطح المبنى المكون من ثلاثة طوابق عندما اجتاحت المياه شارعهم بوسط المدينة.

وتحدث عبدالحميد أن عددا من الأشخاص جرفتهم المياه في المنطقة الحضرية المكتظة بالسكان. وكان المشهد الذي شاهده عندما نزل بعد الكارثة مرعبا.

وتناثرت الجثث والملابس والسيارات المحطمة والأثاث في كل مكان في الشوارع التي غمرها الطين والحطام. وانهارت المباني أو دمرت جزئيا. وكان الناس حوله ينتحبون ويبكون، ويبحثون عن أحبائهم ويحاولون انتشال من هم تحت الأنقاض.

العشرات من المصريين دفنوا في ليبيا بينما نُقل 84 إلى مدينة طبرق القريبة ونقلوا جوا إلى بلادهم.

وقال عبدالحميد الذي عاد إلى مصر يوم الخميس “غرقت عائلات بأكملها داخل منازلها. وجرفت الأمواج آخرين إلى البحر. لم يبق شيء سوى الأنقاض”.

وصرح عمدة درنة عبدالمنعم الغيثي في ​​وقت سابق من هذا الأسبوع أن التوقعات تشير إلى وصول أعداد الضحايا جراء الفيضانات إلى 20 ألف وفاة.

وأشار الغيثي إلى أن الآلاف من المصريين يعيشون في درنة، ويعمل معظمهم في مشاريع البناء في المدينة والمناطق المحيطة بها. ومنهم من انتقل إلى المنطقة منذ ستة أشهر فقط.

ولقد انجذب المصريون على مدى عقود إلى ليبيا الغنية بالنفط للعمل. وفي السنوات الأخيرة، رأى الشباب المصريون، مثل غيرهم من أبناء الشرق الأوسط والأفارقة الفارين من الصراعات والفقر، في ليبيا نقطة عبور نحو أوروبا عبر البحر المتوسط.

وأكدت السلطات الليبية العثور على جثث 145 مصريا قتلوا في درنة. وقالت وزارة الخارجية المصرية إن العشرات دفنوا في ليبيا بينما نُقل 84 إلى مدينة طبرق القريبة ونقلوا جوا إلى بلادهم.

وفي نزلة الشريف الواقعة على بعد 167 كيلومترا من القاهرة، دُفن 74 من رجال القرية في جنازة جماعية يوم الأربعاء حضرها مسؤولون محليون والمئات من القرويين.

ويتردد صدى الحزن في أنحاء القرية الزراعية الفقيرة، حيث تتقاسم الأبقار والحمير الطرقات الترابية مع السيارات والدراجات النارية والعربات التي تجرها الخيول وتطل المنازل على واحات النخيل، وحقول البرسيم والذرة والحبوب الأخرى.

Thumbnail

وقال مصطفى عويس مصطفى، وهو موظف حكومي متقاعد “فقدت بعض العائلات ابنا واحدا، وبعضها اثنين أو ثلاثة. وكان هؤلاء الشباب يعملون في ليبيا لمساعدة أسرهم”.

وذهب محمد عبدالفتاح إلى ليبيا قبل ثلاث سنوات في محاولة لتحسين وضعه المادي. وكان عاملا يوميا في درنة، وأرسل كل ما يمكنه توفيره من المال إلى والده لدعم الأسرة في الوقت الذي تغرق فيه مصر في أزمة اقتصادية.

وانضم عبدالرحمن في وقت سابق من هذا العام إلى شقيقه في درنة بعد عامين من البحث عن عمل في مصر دون جدوى، حسب والدهما.

وكانت آخر مرة تحدث فيها محمد مع العائلة في 8 سبتمبر، وجمعته بها مكالمة فيديو مدتها نصف ساعة. وكشف لوالدته عن خططه للزواج، واستمع إلى الأخبار المتعلقة بشقته الجديدة التي كان والده يبنيها له بإضافة طابق ثالث لمنزل العائلة.

وتوفي أبناء شقيق عبدالفتاح الثلاثة في درنة. وقال إن والدتهم تعيش حالة صدمة، ولم تعد قادرة على الكلام منذ أربعة أيام. وأضاف “تدمرت الأسرة بأكملها”.

وقد كان عزاؤه الوحيد في تمكنه من دفن أبنائه. ويبقى قلبه مع القرويين الآخرين، الذين دُفن أبناؤهم على بعد مئات الأميال في مقابر جماعية في ليبيا.

وواصل النظر إلى صور ولديه على هاتفه، وخنقته الدموع أكثر من مرة. وقال “أرادا لنا أن نعيش حياة أفضل. إنها كارثة.. كارثة للقرية بأكملها”.

2