قرويو شوقي أبي شقرا

الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا تحت يديه مرت أجيال من الشعراء والقصاصين والروائيين اللبنانيين والعرب. كلهم يشهدون له بالنزاهة حين مرت يده على نصوصهم.
السبت 2024/10/19
شاعر لا يشبه أحدا منذ أن عرف العرب الشعر

مات الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا. ربما لم يسمع به الكثيرون كما لو أنه كان ظاهرة شعرية خالصة على الرغم من أنه كان الأكثر قربا من حياة الناس العاديين من كل شعراء العربية في النصف الثاني من القرن العشرين وما تلاه. ربما يكمن السبب في أنه وضع تلك الحياة على ميزان الذهب وصار يلتقط لمعانها ليحوله إلى كلمات.

في كل ما كتبه لم يتخل ولو لحظة واحدة عن حداثته الأسلوبية التي أثبت أنها تصلح للعيش في الأرياف بالقوة نفسها التي تتنفس من خلالها هواء المدن.

شوقي ظل ابن ضيعته المولود فيها عام 1935. كان واحدا من مؤسسي مجلة "شعر" (1957) إلى جانب يوسف الخال وأدونيس ومحمد الماغوط وأنسي الحاج، غير أن ما يُنسى له أنه كان مسؤولا عن الصفحة الثقافية في صحيفة “النهار” لمدة 35 سنة.

تحت يديه مرت أجيال من الشعراء والقصاصين والروائيين اللبنانيين والعرب. كلهم يشهدون له بالنزاهة حين مرت يده على نصوصهم. كان أنيقا في النظر إلى كتاباتهم.

حين التقيته ذات مرة بالصدفة في بيروت توقعت أن تتبعه ديكة وأبقار وأشجار وفراشات وجداول وسلال فتيات ضيعته. ذلك الرجل المكتظ برائحة الحطابين لن يأتي وحيدا. ربما كان هناك قندس يراقبنا من بعيد. مأهولا بالسواقي يمشي ترافقه العصافير أينما ذهب.

شعره يشبه الحكايات غير أنها حكايات حالمة، محلقة ولا تحدث كل يوم. رأى الشعر ولمسه مثلما أنصت إلى كلماته ومسه هواؤه بين لفتتين، لفتة الطفل الذي كانه ولفتة الشيخ الذي لا يزال طفلا يبحث عن أمه كلما استيقظ على صياح ديوك القرية.

شاعر لا يشبه أحدا منذ أن عرف العرب الشعر. في وقت مبكر من حياته غادر أبي شقرا كل ما تعلمه عن الشعر.

بدأ من لحظة هدم الثوابت وهي اللحظة التي لم يفارقها. لذلك فإن مَن يقرأ شعره سيتعلم شيئا جديدا عن الشعر الذي لم يقله أحد من قبل.

ما بين عامي 1959 و2021 أصدر أبي شقرا 12 كتابا شعريا. كلها بعناوين طويلة من نوع “سائق الأمس ينزل من العربة” و”عندنا الآهة والأغنية وجارنا المطرب الصدى”. وحده كان مدرسة شعرية. وضع كل معجم الحياة اللبنانية في خدمة الشعر.

في اليوم الذي سيُقرأ فيه شعر أبي شقرا من جديد سيكون علينا أن نعيد النظر في تاريخ حداثة شعرنا بل وفي تاريخ حداثتنا الاجتماعية. لقد سعى الرجل إلى أن يذكرنا بأننا لا نزال نحمل سلال البيض من أجل أن يفقس في محطات قطار ربما سيحملنا إلى المستقبل.

18