قرار قضائي ينذر بتأجيج الخلافات بين بغداد وأربيل

نيجيرفان بارزاني يعتبر أن حكم المحكمة الاتحادية العليا، بإلغاء القرارات الخاصة بتحويل الأموال من قبل الحكومة الاتحادية إلى إقليم كردستان، يستهدف مجمل العملية والاستقرار السياسيين، فيما وصفه مسعود بارزاني بـ"العدوان".
الخميس 2023/01/26
خلاف سياسي جديد يهدد بانفراط يهدد التشكيل الحكومي

بغداد – أشعل إصدار المحكمة الاتحادية العليا في العراق حكما يقضي بإلغاء كل القرارات الخاصة بتحويل الأموال من قبل الحكومة الاتحادية إلى إقليم كردستان، خلافا سياسيا بين بغداد وأربيل، إذ اعتبر رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني أن الحكم الصادر "يستهدف مجمل العملية والاستقرار السياسيين"، بينما وصفه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني بـ"العدوان" وشبه المحكمة الاتحادية بـ"محكمة الثورة" التي كانت في عهد نظام الرئيس الراحل صدام حسين.

ويرى مراقبون أن قرار المحكمة الاتحادية من شأنه أن يؤخر الموازنة العامة ويضع ائتلاف "إدارة الدولة" الذي أنتج حكومة محمد شياع السوداني على المحك بانفراط قريب يهدد التشكيل الحكومي، خصوصا وأنه قد بني على عدة اشتراطات من الحزب الديمقراطي الكردستاني، أبرزها رواتب موظفي إقليم كردستان العراق، والتنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، والاتفاق على آلية تصدير النفط من حقول الإقليم.

ويضم ائتلاف "إدارة الدولة" بالإضافة إلى الإطار التنسيقي الشيعي الذي يملك 138 نائبا من أصل 329، تحالف "السيادة" السني بقيادة محمد الحلبوسي وتحالف "العزم" بزعامة خميس الخنجر، فضلا عن الحزبين الكرديين الكبيرين، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني.

وأعلنت المحكمة الاتحادية العليا في بغداد في بيان أنها "قررت الحكم بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء في 2021/6/15 وما بعدها"، معتبرة الحكم "باتا وملزما للسلطات كافة، استنادا إلى أحكام المادتين (93/ ثالثا و94) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 والمادتين (4 / ثالثا و5 / ثانيا) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 2021 وأفهم علنا".

وعللت المحكمة قرارها بأن الإجراء يأتي خلافا للقانون، وذلك بناء على دعوى أقامها النائب عن "الإطار التنسيقي" مصطفى جبار سند.

وقال سند، في مؤتمر صحافي عقده في مبنى مجلس النواب العراقي، "كسبت الدعوى القضائية التي أقمتها ضد مجلس الوزراء والمتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان بهدف تمويل الرواتب الشهرية للموظفين والعاملين في القطاع العام هناك، وصدر قرار يقضي بإلغاء كل القرارات الخاصة بتحويل الأموال خلافا للقانون وخلافا للدستور".

وأضاف النائب عن الإطار التنسيقي أن "قرار المحكمة الاتحادية سيكون معيارا ومرجعا قانونيا لجميع الحكومات اللاحقة، ومن ضمنها الحكومة الحالية، في عدم دستورية تحويل الأموال إلى الإقليم".

وأثار قرار المحكمة الاتحادية انزعاج رئيس إقليم كردستان وزعيم الحزب الديمقراطي وغيرهما من المسؤولين الأكراد الذين شنوا حملة واسعة على المحكمة، من خلال بيانات التنديد والتصريحات الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في بيان الأربعاء إن القرار "لا يستهدف فقط متقاضي الرواتب وأبناء كردستان الذين هم مواطنون عراقيون، بل يستهدف مجمل العملية والاستقرار السياسيين، والاتفاق الذي تم بموجبه تشكيل الحكومة الاتحادية العراقية الجديدة".

وأضاف رئيس حكومة إقليم كردستان أن التوقعات من المحكمة الاتحادية العليا العراقية كانت "أن تحمي مصالح كل مكونات العراق وتراعي الظروف السياسية، ولا تتحول إلى وسيلة لتخريب الفرصة والأجواء الإيجابية التي تهيأت لحل مشاكل البلد، وخصوصا مشاكل أربيل وبغداد".

وشدد نيجيرفان بارزاني على أن القرار في هذا التوقيت "ليس إلا مثيرا للشكوك وللعشرات من علامات التساؤل الكبيرة، كما يثير موضوع الاستعجال في إصدار قانون جديد لإعادة تشكيل المحكمة كجزء مهم ورئيس من الاتفاق المبرم بين الأطراف السياسية لتشكيل الحكومة الاتحادية العراقية الجديدة".

 وكانت حكومة إقليم كردستان قد دعت في وقت سابق الحكومة الاتحادية إلى "عدم الخضوع لهذا القرار، والإيفاء بالوعود التي قطعتها بإرسال المستحقات المالية لإقليم كردستان".

وسبق أن قرر رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في يونيو الماضي صرف 200 مليار دينار كسلفة مخصصة لدفع رواتب موظفي الإقليم الشهرية خلال عامي 2021 و2022، وكذلك أعلنت حكومة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني إرسال دفعة بقيمة 400 مليار دينار في ديسمبر الماضي.

وتتطلب الرواتب الشهرية الإجمالية لموظفي إقليم كردستان نحو 616 مليون دولار، ويتم توفيرها بشكل عام على النحو الآتي: الإيرادات النفطية 350 مليون دولار، الإيرادات الداخلية 128 مليون دولار، الأموال التي ترسلها الحكومة الاتحادية (200 مليار دينار) 138 مليون دولار، وفقا لوزارة المالية والاقتصاد في الإقليم.

واستنكر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق، معتبرا أنه "انتهاك للحقوق والمبادئ".

وأعرب بارزاني، في بيان نشر عبر حسابه الرسمي على فيسبوك، عن أسفه إزاء "الموقف العدائي الآخر الصادر عن المحكمة الاتحادية العراقية تجاه إقليم كردستان، بسبب منع الحكومة الاتحادية من إرسال الأموال التي كان يُفترض إرسالها إلى الإقليم".

واعتبر أن منع إرسال الأموال إلى الإقليم "انتهاك صارخ للحقوق والمبادئ".

وقال إن "استحقاقات إقليم كردستان حق مشروع"، مضيفا أنها "جزء من البرنامج الذي تم الاتفاق عليه".

ووصف قرار المحكمة العليا بأنه "ضد إقليم كردستان وضد العملية السياسية وضد الحكومة العراقية وبرنامج ائتلاف إدارة الدولة نفسه".

وشبه بارزاني المحكمة الاتحادية بـ"محكمة الثورة" التي كانت في عهد نظام الرئيس الراحل صدام حسين، واتهمها بأنها "تنفذ أجندة مشكوكا فيها".

كما رفض كل من مجلس القضاء وبرلمان حكومة إقليم كردستان الخميس قرار المحكمة الاتحادية العليا، القاضي بعدم قانونية إرسال مجلس الوزراء الاتحادي الأموال إلى إقليم كردستان، واصفين إياه بأنه مخالف للدستور الدائم للبلاد.

وقال القاضي عبدالجبار عزيز حسن، رئيس مجلس القضاء بالإقليم، في بيان الخميس إن هذا القرار غير دستوري ولا يخدم الاستقرار في العراق، وهو بالضد من الجهود المبذولة لتحرير البلاد من الأزمات، مشددا على أن هذه المحكمة غير دستورية ومن الضروري إجراء مراجعة لتشكيلها.

ويجري ذلك في وقت من المفترض أن يصل الأسبوع المقبل وفد جديد من حكومة الإقليم إلى بغداد لإكمال المباحثات بشأن الملفات العالقة بين الطرفين.

وكان رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني قد زار بغداد الأسبوع الفائت، برفقة وفد رفيع المستوى من حكومته، وبحث مع المسؤولين العراقيين الخلافات والقضايا العالقة بين أربيل وبغداد.

وسبقت ذلك مباحثات أجراها بارزاني في بغداد في نوفمبر الماضي مع السوداني والقادة العراقيين الآخرين والأطراف السياسية، بشأن الملفات العالقة بين الإقليم وبغداد وضبط الحدود.