قرار سياسي مذكر يطمس نضالات العراقيات

المرأة العراقية تواصل النضال ضد الاضطهاد والظلم والهيمنة الذكورية.
الاثنين 2020/03/09
ملف الحريات لا يؤجل

بغداد – احتفل العالم ككل عام في الثامن من مارس باليوم العالمي للمرأة الذي يخفي في طياته الكثير من الروايات الأليمة في دول كثيرة بأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وخاصة في العراق، حيث خاضت المرأة هناك عقودا من النضال ضد الاضطهاد والظلم بجميع أنواعه، الديني والطائفي وخاصة الهيمنة الذكورية.

وعانت المرأة العراقية من حروب تدميرية أدت إلى تشريدها في كثير من المحطات رغم مشاركتها إلى جانب الرجل في مقاومة نظم سياسية مستبدة وطائفية مشحونة بالتخلف المغطى بالدين الذي ينظر إليها نظرة دونية تجعلها أقل من الرجل في الحقوق والواجبات.

وواجهت المرأة في العراق ظلما مزدوجا اختلط فيه السياسي بالاجتماعي بسبب موروثات متخلفة خاصة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، الذي عزز الاضطهاد الأسري للمرأة وما رافقه من شعارات الحرية والديمقراطية التي تلاشت بعد فترة وجيزة نتيجة سيطرة زعامات الإسلام السياسي الشيعي التي فتحت أبواب اضطهاد النساء تحت عناوين الطائفية المقيتة.

وحصلت الحلقة الأكبر من العدوانية الموجهة ضد النساء بعد الاحتلال الأميركي للعراق، حيث سجنت نساء كثيرات في “أبوغريب” بحجة إيواء ورعاية أزواجهن أو إخوتهن من المناهضين للاحتلال.

إملاءات سياسية وطائفية منعت المرأة العراقية من شغل مناصب هامة في دوائر صنع القرار، والذكورية ظلت تهيمن على الرئاسات الثلاث

وأشارت تقارير حقوقية عراقية إلى أن عدد من اُعتدي عليهن من النساء في السجون خلال فترة الاحتلال الأميركي يزيد على 234 إمرأة، ما أدى إلى انتحار الكثير منهن بعد امتناعهن عن البوح بما تعرضن له في السجون.

ولم تكن السنوات اللاحقة أفضل حالاً في السجون العراقية التي ما زالت تعج بعشرات النساء المعتقلات بتهم كثيرة، واللاتي يتعرضن إلى اعتداءات من أمراء السجون دون حصول أي محاسبة.

وتسجل مفوضية حقوق الإنسان العراقية عشرات الشكاوى بشأن اعتداءات القوات الحكومية خلال عمليات الدهم والتفتيش في مختلف المحافظات العراقية. وتشير المفوضية إلى أن الأرقام التي بحوزتها تؤكد أن هناك أكثر من 876 حالة مسجلة في السجون لا تتعلق بتهم جنائية وإنما بوشايات كيدية.

وأضافت مخلفات “داعش” بالمحافظات العربية السنية أزمة إنسانية أخرى تمثلت في الأعداد الكبيرة من عوائل منتسبي التنظيم الإرهابي من العراقيات اللاتي ما زلن ينتظرن حلولا حكومية.

 

تحرك نسوي قوي
تحرك نسوي قوي

وتقول الدكتورة ندى الجبوري رئيسة منظمة المرأة والمستقبل العراقية “نساء كثيرات تعرضن لاعتداءات خطيرة في فترة تنظيم ‘داعش’ في محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وكركوك، لقد طلب الكثير منهن الطلاق من أزواجهن المنتمين للتنظيم بعد القبض عليهم وأكدن أنهن لا يردن العيش مع إرهابيين”.

رفع النظام السياسي في فترة ما بعد 2003 شعارات الديمقراطية، لكن ما حصل فعليا جاء عكس ذلك خاصة من ناحية القوانين والتشريعات التي حرمت المرأة من المشاركة الفاعلة في مسؤوليات القرار السياسي.

وقد تمكنت الفعاليات الشعبية للنساء العراقيات من إجهاض مشروع قانون 137 عام 2004 خلال فترة صياغة الدستور العراقي الجديد الذي كان يستهدف جعل الشريعة الإسلامية هي المرجعية بدلاً عن قانون الأحوال المدنية الشخصية، وكاد أن يحطم آمال النساء بالمساواة القانونية مع الرجل وإضفاء الشرعية على جرائم الشرف وزواج الأطفال.

أما على مستوى المشاركة في القرار السياسي والوصول إلى مناصب صنع القرار، فلم تتسلم النساء أي مناصب رئاسية أو تنفيذية مهمة، وظلت الذكورية تهيمن على السلطات والرئاسات الثلاث، حتى أنها شملت المناصب في الحكومات المحلية، وتراجع تمثيل النساء في السلطة التنفيذية ما عدا ترشيحات خجولة كانت الأحزاب السياسية الإسلامية خلالها ترشح بعض النساء غير المؤهلات لقيادة بعض الوزارات لتأكيد ضعفهن.

وفي مجلس النواب فإن غالبية النواب من النساء هن من ترشيحات الإسلام الشيعي واللاتي يعكسن تعليمات أحزابهن الطائفية التي لم تسمح بتشكيل كتلة نسائية فاعلة ومؤثرة، وتم تسيير مقولة “سلطة حزبية وطاعة نسوية”.

مشاركة كبرى في الانتفاضة
مشاركة كبرى في الانتفاضة

واستعادت الأعراف والتقاليد العشائرية هيمنتها في المجتمعات الريفية العراقية بعد عام 2003 بسبب تراجع هيمنة القوانين الحكومية وتسيّد حملة السلاح على الشارع، والتي تحول دون ردع محاولات إجبار الفتيات على ترك الدراسة والزواج القسري وحالات العنف والاعتداء. وأصبحت نسبة اللاتي يواصلن الدراسة الجامعية تقل عن 20 في المئة مقارنة بالذكور. وهناك عشرات الشكاوي في المحاكم العراقية التي تسجل حالات اعتداء الأزواج على زوجاتهم تصل في بعض الأحيان إلى ترك العاهات الدائمة. وتسقط معظم الدعاوى لإعتبارات أسرية وعشائرية قبل عرضها على القضاة.

وتشير معطيات إلى أن مشروع قانون حماية الأسرة ما زال في أدراج مجلس النواب العراقي رغم حجم الانتهاكات الفادحة التي تتعرض لها الأسرة العراقية عموما والمرأة خصوصا وذلك بسبب اعتراضات أحزاب الإسلام السياسي في البرلمان التي تسعى لفرض فكرها ونهجها على المجتمع العراقي دون مراعاة للتطورات العالمية في أوضاع حقوق الأسرة والمرأة، رغم محاولات البعثة الأممية ببغداد الضغط على الجهات السياسية لتشريع هذا القانون.

وأسهم الحضور النسائي في انتفاضة أكتوبر في تعزيز صورة النساء العراقيات الإيجابية في المشاركة في صناعة مستقبل العراق السياسي وتخليصه من هيمنة الأحزاب الفاسدة.

لقد قدمت العراقيات للعالم صورة راقية أزعجت أتباع السلطة الدينية والسياسية الذين حاولوا تشويه انتفاضة الشعب العراقي، عبر لجوئهم إلى التشهير الأخلاقي بالعراقيات.

وفوجىء الرافضون للانتفاضة بالمشاركة العالية للنساء ودورهن في تضميد جراح المتظاهرين. ولم تقتصر المشاركة الواسعة على العاصمة بغداد بل شملت كل المحافظات حتى تلك التي تتمسك بالأعراف المحافظة ومنها مدينة النجف.

ووثقت مواقع التواصل الاجتماعي التحركات النسوية خاصة في ما يتعلق بما قدمنه من خدمات للمحتجين كالطعام والتطبيب وهو ما أزعج الميليشيات المسلحة الموالية لإيران ودفعها إلى الاغتيالات والاختطافات المنظمة منذ الأيام الأولى لانتفاضة أكتوبر.

7