قرار المحكمة الأفريقية بشأن تونس لإثارة الجدل أكثر منه موقفا ملزما

ترى بعض الأوساط السياسية أن اللجوء إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان لإلغاء المرسوم 117 محاولة للاستقواء بمؤسسات أجنبية والضغط على الرئيس قيس سعيد سعيا لإثارة الجدل وإرباك الوضع بعد فشل قوى المعارضة في التأثير على المشهد السياسي. لكن قرار المحكمة المتعلق بإلغاء المرسوم لن يكون ملزما وعمليا مع اقتراب تركيز المؤسسات وفق الدستور الجديد وكذلك إجراء الانتخابات.
تونس - قالت أوساط سياسية تونسية إن قرار المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان بشأن إلغاء المرسوم 117 الذي ارتكزت عليه كل التغييرات السياسية والدستورية في تونس منذ عام لا يعدو أن يكون فرصة لإثارة الجدل وتمكين المعارضة من موضوع تشتغل عليه بعد أن فشلت في التأثير على المشهد السياسي، خاصة أن قرار المحكمة لن يكون ملزما واقعيا وعمليا بعد مهلة السنتين أمام تونس لمراجعة قراراتها.
وأشارت هذه الأوساط إلى أنه بعد سنتين من الآن ستكون تونس قد أجرت انتخابات تشريعية وشكلت برلمانا ومجلسا للمناطق والأقاليم وبنت مختلف مؤسساتها وفق الدستور الجديد الذي صادق عليه الشعب التونسي في انتخابات جرت في يوليو الماضي، وهو ما يجعل تطبيق مثل هذا القرار غير ممكن حتى لو كان ملزما ومهما كانت الضغوط الدبلوماسية أو المالية التي ستلجأ إليها المحكمة ومن ورائها الاتحاد الأفريقي.
بعض من يلجأون إلى المحاكم في الخارج لا يريدون تحقيق العدالة بل يعمدون إلى إحراج السلطة والإضرار بمصالح الدولة
وأضافت أن هذا القرار يطرح من جديد قضية التجاء بعض المعارضين إلى الخارج لحل الخلافات الداخلية بدلا من اللجوء إلى القضاء التونسي.
ورغم أن صاحب الدعوى المحامي لدى محكمة التعقيب إبراهيم بلغيث نفى تورط جهات سياسية في دفعه إلى رفع الدعوى لدى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان، فإن ذلك لا يمنع من وجود الكثير من الضغوط التي تمارسها قوى سياسية مع أطراف أجنبية ضد الرئيس قيس سعيد بعد اتخاذه الإجراءات الاستثنائية والإطاحة بمنظومة اتهمت شعبيا بالتطبيع مع الفساد خلال العشرية الماضية.
وقال المحامي بلغيث في تصريح لإذاعة “شمس أف. أم” الخاصة الجمعة، في رده على اتهامه بخدمة مصالح بعض القوى السياسية المتضررة من إجراءات الرئيس والتغيير الحاصل منذ أكثر من سنة، إنه توجه من تلقاء نفسه “في أكتوبر الماضي بعريضة إلى المحكمة في علاقة بملفات حقوقية”.
ويتذرع البعض ممن قرروا اللجوء إلى المحاكم الأجنبية بأن القضاء التونسي يتعرض لضغوط من قبل السلطة وخاصة مؤسسة الرئاسة على خلفية حل المجلس الأعلى للقضاء وتعيين مجلس مؤقت جديد في فبراير الماضي أو إعفاء عدد من القضاة بعد اتهامهم بالفساد، لكن هذه الذرائع ليست واقعية خاصة وأن بعض الملفات حكم القضاء الإداري فيها ضد السلطة التنفيذية على غرار إيقاف قرار الرئيس المتعلق بإعفاء قضاة أو قرار الإفراج عن بعض السياسيين الذين اتهموا في ملفات تتعلق بالفساد أو الإرهاب.
ويرى مراقبون أن بعض من يلجأون إلى المحاكم في الخارج لا يريدون تحقيق العدالة بل يعمدون إلى إحراج السلطة والإضرار بمصالح الدولة التونسية.
ويقول رافع الدعوى المحامي بلغيث “إن الدولة التونسية مطالبة اليوم بتقديم تقرير إلى المحكمة في غضون 6 أشهر لتقديم تصوراتها في كيفية تنفيذ الحكم”، موضحا “أنه في صورة عدم تفاعل الدولة مع الحكم، فإن المحكمة سترفع الأمر إلى الاتحاد الأفريقي”.
وردا على ذلك قال الوزير السابق والقيادي في حركة الشعب محمد المسيليني إن حكم المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان لا قيمة له ويجب على الدولة التونسية أن تتجاهله، متسائلا “كيف يمكن للدولة التونسية أن تعود بعقارب الساعة إلى ما قبل 25 يوليو 2021”.
وأضاف في تصريح لإذاعة ” الديوان” الخاصة أن “السلطة ستعتبر الأمر تدخلا في الشؤون الداخلية لتونس ولجوءا من قبل قوى داخلية إلى مؤسسات دولية لضرب السيادة الوطنية، ونحن اليوم في مسار سياسي جديد ونستعد لانتخابات مفصلية في 17 ديسمبر”.
وكان الرئيس قيس سعيد ندد مرارا بالتدخل الخارجي في شؤون بلاده ولجوء بعض السياسيين إلى قوى أجنبية بهدف التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، مؤكدا أن “تونس دولة حرّة مستقلة ولا مجال للتدخل في شؤونها، ذهب البعض إلى الخارج يستنجد به لضرب المصالح التونسية”.
وحكم القضاء التونسي غيابيا على الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بالسجن 4 سنوات مع النفاذ العاجل بسبب تصريحات أمام تجمع في باريس خلال أكتوبر 2021 دعا فيها الحكومة الفرنسية إلى عدم دعم حكم الرئيس سعيد، واصفا إياه بالدكتاتوري، وعدم المشاركة في القمة الفرنكوفونية التي كانت ستعقد في مدينة جربة التونسية في نوفمبر 2021.
كما عمد بعض النواب التونسيين قبل حل البرلمان نهائيا إلى التظلم لدى بعض المؤسسات الدولة، سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا، لكن ذلك باء بالفشل.
وأثار القيادي في حزب قلب تونس أسامة الخليفي انتقادات واسعة بعد أن دعا، أثناء مداخلته في الجلسة العامة للمؤتمر العالمي الخامس لرؤساء البرلمانات المنعقد في النمسا خلال سبتمبر 2021، إلى الضغط على الرئيس للتراجع عن إجراءاته موجها إليه انتقادات لاذعة.