قرارات مصيرية لاحتواء صدمة زيادة الأسعار في مصر

القاهرة – توجست شريحة كبيرة من المواطنين من نتائج الإعلان الأربعاء عن حزمة إجراءات لتخفيف الضغوط المعيشية بزيادة بلغت 6 مليارات دولار، تضمنت رفع الحد الأدنى للرواتب بمعدل 50 في المئة للعاملين بالحكومة ليصل إلى 194 دولارًا، ورفع المعاشات وزيادة إضافية للمعلمين والمهن الطبية والأطباء.
ولم يستقبل المواطنون القرارات بالتفاؤل وتخوفوا من اتخاذ إجراءات قاسية خلال الأيام المقبلة، مثل خفض سعر صرف الجنيه ورفع الدعم نهائيا عن السولار والبنزين، كما هو الحال في مرات سابقة شهدت قرارات حماية اجتماعية.
ويرى خبراء أنه كان ينبغي للسلطات ضبط الأسواق أولاً من خلال تشديد الرقابة على التجار ومحتكري السلع في الأسواق، فالأسعار لم تنخفض بعد هبوط الدولار في السوق الموازية، مثلما هو الحال عندما ارتفع خلال الفترة الماضية.
ويتنافى قرار زيادة الرواتب والمعاشات الحالي مع رفع سعر الفائدة أخيرًا من قبل البنك المركزي المصري والهادف إلى امتصاص السيولة من الأسواق لكبح التضخم، ومن ثم يدور التساؤل حول تأثير تلك القرارات على أسعار السلع.
المصريون لم يتفاءلوا بالقرارات ويتخوفون من اتخاذ إجراءات قاسية مثل رفع الدعم عن السولار والبنزين
ويمكن أن تكون القرارات مهمة لتهدئة غلاء الأسعار التي توشك على الانفجار، ولا بد من تهدئة روع الشارع وتخفيف الضغط عن المواطنين، وقد يحدث ذلك على حساب مؤشرات الاقتصاد.
وأكد بيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن التضخم ارتفع على أساس شهري في يناير الماضي بنحو 1.6 في المئة من 1.4 في المئة خلال ديسمبر الماضي، بينما تراجع سنويا إلى 29.8 في المئة، وهو معدل غير منطقي مع تثبيت سنة الأساس.
وتتواصل زيادة أسعار بعض المواد الغذائية بالتزامن مع نقص بعض هذه المواد في ظل أزمة شح العملة اللازمة للاستيراد، وقد حذرت نقابة المزارعين من زيادة أسعار الخضروات واللحوم مع قرب شهر رمضان، إنْ لم يتم اجتراح حلول للمعضلة الحالية.
وتفتقد حزمة القرارات الجديدة الجدوى الرئيسية من صدورها، لأنها لا تشمل كل فئات المجتمع الذي تعمل الغالبية العظمى منه في القطاع الخاص، لكن رفع الحد الأدنى للأجور غير ملزم للشركات الخاصة، ويرتبط بمدى قدرتها على توفير السيولة اللازمة لزيادة الحد الأدنى من الأجور.
ويبلغ حجم قوة العمل في مصر نحو 30 مليون فرد، يعمل نحو 17 في المئة منهم (حوالي 5 ملايين فرد) لدى القطاع الحكومي، بينما يصل عدد البقية إلى 25 مليون فرد في القطاع الخاص، بنسبة 83 في المئة، فيما يصل عدد أصحاب المعاشات في مصر إلى نحو 10 ملايين فرد.
وقلل الخبير الاقتصادي المصري خالد الشافعي من قدرة قرارات الحماية الاجتماعية على احتواء الصدمات الناشئة عن زيادة أسعار السلع، فصدورها جاء كإجراء استباقي لخفض سعر الجنيه قريبًا، على الرغم من نفي السلطات الرسمية ذلك.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “أثر الزيادات سيزول بمجرد تنفيذ أي شرط من شروط صندوق النقد الدولي المرتبطة بالعملة ورفع الدعم، لأن الأسعار تضخمت كثيرا خلال الأيام الماضية نتيجة ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية”.
وتعاني السوق المصرية من مافيا الدولار والسلع، التي تسعى إلى تحقيق أرباح طائلة على حساب المواطن، ما يتطلب تشديد الحملات الرقابية على الأسواق لضبط المحتكرين كطرف أساسي في الأزمة الحالية للعملة وزيادة الأسعار في الأسواق.
وأوضح الشافعي أن الحكومة تقاعست في مساعي تحقيق الانضباط والاستقرار في الأسواق؛ إذ لم تتحرك بجدية في مواجهة محتكري السلع وتجار العملة والتسعير العشوائي للسلع الذي يتغير بشكل مستمر، بل أحيانا يكون تغيير التسعير في بعض السلع على مدار اليوم.
1.6
في المئة نسبة ارتفاع التضخم على أساس شهري يناير الماضي وقد كان 1.4 في المئة خلال شهر ديسمبر
وتتنوع طبقات المجتمع المصري بين فئة لديها فوائض للادخار وأخرى متوسطة تشمل الموظفين والعاملين في بعض الهيئات الاقتصادية والذين يعتمدون بشكل أساسي على الراتب الشهري، بجانب فئات فقيرة، لذلك يجب أن تتنوع القرارات الاقتصادية.
ويرى محللون أن قرار الحكومة الذي يقضي برفع الفائدة يتماشى مع طبقة الأغنياء، فيما تواكب الحزم الاجتماعية التي أعلنت عنها رئاسة الجمهورية الموظفين والفقراء وأصحاب المعاشات، ويمكن اعتبار قرارات الحماية الاجتماعية مكملة لرفع أسعار الفائدة في البلاد مؤخرًا.
وأشار الخبير الاقتصادي ياسر عمارة إلى صعوبة إنكار إيجابية القرارات التي أعلن عنها بعد الارتفاع الجنوني في أسعار السلع المحلية، ما يؤكد أن السلطات تنظر إلى الفقراء بعين الاعتبار، لكن الزيادات في الرواتب مازالت ضئيلة مقارنة بزيادة الأسعار.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “القطاع الخاص له طبيعة مختلفة في أجوره التي عادة ما تكون أفضل من رواتب الجهاز الإداري في الحكومة، وليس بالتبعية أن ترتفع أجور العاملين في الشركات الخاصة نتيجة للقرارات الحالية”، محذرًا من زيادة الأجور في القطاع الخاص بمعدلات كبيرة، لأنها قد تصبح سببا رئيسيا في ارتفاع التضخم.
وتوقع عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين وعضو المجلس القومي للأجور علاء السقطي في حديث لـ”العرب” أن يرفع المجلس الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 4 آلاف جنيه مقابل 3.5 ألف جنيه حاليًا، وقد ترفع الشركات أجور موظفيها حسب قدرتها ونشاطها في المبيعات، وتمثل الأجور نحو 15 في المئة من التكاليف في الشركات.
وطالبت جمعية مستثمري العاشر من رمضان بشرق القاهرة رجال الأعمال في مصر بأن يضعوا مسألة التكافل الاجتماعي والاقتصادي نصب أعينهم في المرحلة المقبلة، مع مراعاة كافة العاملين في القطاع الخاص وزيادة أجورهم لمواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة؛ إذ يعد ذلك مساندة للدولة والقيادة السياسية في توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل الجميع دون استثناء.