قرارات ثورية لإعادة برشلونة إلى الواجهة محليا وأوروبيا

حسم رئيس نادي برشلونة الإسباني جوزيب ماريا بارتوميو أمر المدرب الجديد وأوكل المهمة للهولندي رونالد كومان للإشراف على الفريق وعلى اللاعبين في إطار برنامج مختلف. وقال كومان إنه سيلتزم بأسلوبه الهولندي الذي يعتمد على الاستحواذ بشكل خاص، من أجل الحفاظ على تقاليد النادي.
برشلونة (إسبانيا) – تسارعت وتيرة التطورات في أروقة برشلونة الإسباني من خلال اتخاذ مجلس إدارة النادي الكتالوني سلسلة من القرارات بدأت بإقالة المدرب كيكي سيتيين، ثم لحق به المدير الرياضي إريك أبيدال قبل أن يعلن رئيسه جوزيب ماريا بارتوميو تعيين الهولندي رونالد كومان مدربا جديدا.
وكان النادي الكتالوني أعلن إقالة سيتيين إثر الهزيمة المدوية لفريقه أمام بايرن ميونخ الألماني 2-8 في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، وكان لا بد من إجراء إعادة نظر شاملة من أجل وضع النادي على سكة المنافسة محليا وأوروبيا.
وقال بارتوميو في حديث صحافي “سيكون كومان المدرب الذي سيشرف على الفريق وعلى اللاعبين في إطار برنامج مختلف”. وأضاف “لقد راهنا عليه لأننا نعرفه جيدا، ندرك كيف يرى الأمور، وندرك كيف تلعب فرقه لكن أيضا بفضل خبرته لأنه لعب في صفوف فريق ‘دريم تيم’ بإشراف يوهان كرويف ويعرف برشلونة وأسلوب لعبه”.
وتطرق بارتوميو إلى نواة اللاعبين الذين سيحتفظ بهم الفريق بقوله “ثمة لاعبون ليسوا للبيع: لانغليه، تير شتيغن، دي يونغ، سيميدو، ديمبيلي وغريزمان. إننا نعتمد على هؤلاء بشكل كبير الموسم المقبل ولسنوات عدة قادمة”.
وطرق مدير البارسا موضوع نجم الفريق وقائده الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي تحدثت تقارير عن إمكانية رحيله قبل عام من انتهاء عقده، وقال في هذا الصدد “أتكلم دائما مع ميسي ولاسيما مع والده. هما يدركان وجود مشروع جديد مع مدرب جديد يعتمد عليه”. وأضاف “ميسي يرغب في إنهاء مسيرته في برشلونة وقد كرر هذا الأمر مرات عدة. لقد تحدثت إلى كومان الذي أكد لي أن ميسي هو ركيزة هذا المشروع”.
خالي الوفاض
عانى برشلونة كثيرا هذا الموسم وخرج خالي الوفاض للمرة الأولى منذ عام 2007 في ظل تراجع مستوى الفريق بشكل كبير، فخسر لقب الدوري المحلي لصالح غريمه التقليدي ريال مدريد، وخرج من مسابقة الكأس على يد أتلتيك بلباو ثم جاءت الهزيمة النكراء أمام الفريق البافاري لتكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وكان كومان ألمح في تصريحات صحافية إلى أنه في طريقه لتدريب برشلونة، مشيرا إلى أن ذلك سيكون “حلما يتحقق” مع اعترافه بأن التوقيت ليس مثاليا لاسيما بالنسبة إلى الاتحاد الهولندي الذي كان يرتبط معه بعقد حتى 2022، لكن هذا العقد كان يتضمن بندا ينص على إمكانية تحريره منه في حال واحدة: إذا تقدم برشلونة للحصول على خدماته، وهذا ما حصل.
وقال الدولي الهولندي السابق (57 عاما) “لقد فوجئت بسرعة الأحداث، لكن برشلونة هو النادي الوحيد الذي وضعت فيه بندا يحررني من عقدي (مع الاتحاد الهولندي) في حال أتتني الفرصة. الأمر بشع بالنسبة إلى الاتحاد الهولندي”.
كومان خاض 264 مباراة بقميص البلوغرانا سجل خلالها 88 من الأهداف الـ253 في مجمل مسيرته الاحترافية التي دخل خلالها التاريخ كأفضل مدافع هداف
وسبق لكومان (57 عاما) أن دافع عن ألوان برشلونة لاعبا من 1989 إلى 1995 وأحرز في صفوفه الدوري الإسباني 4 مرات وقاد فريقه إلى إحراز باكورة ألقابه في دوري أبطال أوروبا عام 1992 عندما كانت تدعى كأس أبطال الأندية سابقا بتسجيله هدف المباراة الوحيد في مرمى سمبدوريا الإيطالي بعد التمديد في النهائي على ملعب ويمبلي. وكانت تقارير صحافية بثت فيديو لوصول كومان إلى مطار “آل برات” في برشلونة ثم صعوده إلى سيارة أمام عدسات المصورين تمهيدا لتوقيع العقد.
وترك كومان بالتالي منصبه مدربا لمنتخب هولندا الذي استلم الإشراف عليه في فبراير عام 2018 وخاض المنتخب تحت إشرافه 20 مباراة شهدت فوزه في 11 منها وقاده إلى احتلال المركز الوصيف في دوري الأمم الأوروبية عام 2019. وأشرف مدربون هولنديون يتمتعون بشهرة كبيرة على برشلونة سابقا وأبرزهم رينوس ميكلز (مدرب هولندا في السبعينات)، والأسطورة يوهان كرويف، ولويس فان غال وفرانك رايكارد.
وكان أبيدال ضحية التجديد أيضا فأعفي من مهامه مديرا رياضيا للفريق وأصدر برشلونة بيانا جاء فيه “أف سي برشلونة وإريك أبيدال توصلا إلى اتفاق لإنهاء العقد الذي جمع الطرفين”. ولعب أبيدال مع برشلونة بين عامي 2007 و2013 وحقق معه لقب دوري الأبطال مرتين، في فترة عانى خلالها من مشاكل صحية وخضع لعملية زرع كبد. وتم تعيين الدولي الفرنسي السابق الذي خاض 67 مباراة مع منتخب الديوك، مديرا رياضيا في برشلونة في يونيو 2018.
وقد تعرض أبيدال للانتقادات لطريقة تعامله مع المدرب السابق إرنستو فالفيردي الذي أقيل في يناير الماضي. إذ زار مع بعض المسؤولين في النادي تشافي هرنانديز مدرب السد القطري الحالي ليعرضوا عليه منصب المدير الفني حين كان لا يزال فالفيردي في منصبه، إلا أن تشافي رفض العرض. وألقى أبيدال اللوم على اللاعبين
في مسألة إقالة فالفيردي، مما أثار رد فعل غاضب من نجم النادي الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي نادرا ما يتكلم في العلن بشأن أمور داخلية. ونشر ميسي منشورا عبر حسابه على إنستغرام دعا فيه أبيدال إلى “تحمل مسؤولية قراراته” و”كشف الأسماء”.
شيء من الكوابيس
لم يسبق للمدرب الهولندي رونالد كومان إخفاء رغبته في تدريب فريق برشلونة الإسباني في يوم ما، وقد جاء توليه المهمة في وقت عصيب يمر به الفريق، وفي ظل حالة من عدم الاستقرار تحيط بالنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي وكذلك صعوبة تحقيق الوحدة بالفريق والتي تضاهي صعوبة التتويج بالبطولات. وعندما أصدر برشلونة بيانا للإعلان عن إقالة سيتيبن من منصب المدير الفني للفريق، أشار النادي إلى أن هذا القرار يشكل خطوة أولى على طريق “إعادة هيكلة الفريق الأول”.
وكانت هذه هي الطريقة التي انتهجها جوسيب بارتوميو رئيس برشلونة، كي يوضح أن أخطاء اللاعبين كانت سببا في الحالة التي يعيشها الفريق حاليا، وأنه يخطط للاستغناء عن بعض عناصر الفريق.
وأكد بارتوميو ذلك خلال مقابلة مع القناة التلفزيونية للنادي الثلاثاء الماضي، حيث صرح قائلا “الآن حان الوقت لوداع بعض اللاعبين الذين جعلونا أفضل ناد في العالم”. وأضاف “لا أرغب في الحديث عن أحد بشكل سيء، لكن علينا بدء الاستغناء عن بعضهم (أي اللاعبين)”. وتتمثل المشكلة بالنسبة لبارتوميو وكذلك لكومان، في حقيقة أن الحديث أسهل من الفعل في ما يتعلق بالتغييرات في صفوف اللاعبين.
ونظرا لحقيقة عدم ذكر أسمائهم من قبل بارتوميو عندما كشف عن أسماء لاعبين لن يكونوا للبيع، يبدو أن لاعبين أمثال سيرجيو بوسكيتس وجوردي ألبا وأرتورو فيدال ولويس سواريز وإيفان راكيتيتش وصامويل أومتيتي، يجري تشجيعهم على مغادرة الفريق. لكن المهاجم سواريز أشار إلى أنه يرغب في استكمال العام الأخير المتبقي في عقده. كذلك يبدو فيدال، حتى الآن، راغبا في الاستمرار ضمن صفوف برشلونة. ويمكن لكلا اللاعبين الاثنين مغادرة الفريق في صفقة انتقال حر، عند نهاية عقديهما في 2021.
أما لاعب خط لوسط بوسكيتس، فيستمر عقده حتى عام 2023 بينما يستمر عقد لاعب الظهير الأيسر ألبا حتى عام 2024. وسيسفر النجاح المحدود المحتمل في صفقات بيع اللاعبين عن وجود صعوبات في شراء لاعبين جدد. كما أن أي محاولات للاستغناء عن لاعبين مقربين من ميسي، ومنهم سواريز وألبا وفيدال، قد يمثل واحدة من أكبر المشكلات أمام كومان. وكانت صحيفة “إسبورتي إنتراتيفو” قد ذكرت أن ميسي أبلغ مجلس إدارة برشلونة برغبته في الرحيل عن الفريق هذا الصيف، ولم يقم النجم الأرجنتيني بنفي ما ذكره التقرير.
وذكرت إذاعة “كادينا سير” الإسبانية أن بارتوميو أبلغ جورجي والد ميسي بأن كومان يرغب في بناء الفريق حول ميسي. لكن جورجي أبلغ بارتوميو بأن عليه التحدث بشكل مباشر مع ميسي نفسه.
الهولندي بات خامس مدرب يشرف على تدريب برشلونة بعد رينوس ميتشلز، يوهان كوريف، لويس فان غال وفرانك رايكارد
ويتولى كومان تدريب برشلونة في الوقت الذي يشهد فيه الفريق انقساما وحالة من الارتباك. وكان بارتوميو قد أشار إلى عدم وجود نية للاستغناء عن فرنكي دي يونغ وكليمون لونجليه ونيلسون سيميدو وأنطوان غريزمان وعثمان ديمبيلي. كذلك أشار إلى أن النادي لن يبيع أنسو فاتي، رغم تلقي عروض للحصول على خدمات اللاعب. وبالتالي، بات برشلونة يشهد قائمة للاعبين المستمرين وأخرى للاعبين المرغوب في رحيلهم، وهو وضع لا يمنح ميسي شعورا بالسعادة، وذلك قبل ثلاثة أسابيع فقط من بداية الموسم الجديد.
وكان كومان قد تحدث عن معدل الأعمار الكبير في صفوف برشلونة، في مقابلة لقناة “إسبورت 30” الكتالونية في العام الماضي. وقال كومان حينذاك “سواريز يتجاوز عمره 30 عاما وميسي فوق الثلاثين وبيكيه فوق الثلاثين وبوسكيتس فوق الثلاثين.. لا تزال أمامهم مواسم قليلة، لكن ماذا سيحدث بعدها؟.” وأضاف”سيكون لديك حارس مرمى، لكن دون قلب دفاع ودون محور ودون قلب هجوم ودون ميسي. إذا، حظ سعيد!”.
من أجل القمة
تعهد الهولندي رونالد كومان الأربعاء بـ”المكافحة من أجل إعادة برشلونة إلى القمة”. وقال كومان من ملعب النادي الكتالوني “كامب نو” الذي تألق فيه كلاعب، إنه “يوم سعيد. الكل يعرف ما كان برشلونة بالنسبة إلي. إنه منزلي. إنه تحد ولن يكون سهلا. سيتطلب أفضل ما لدي وأنا أحب ذلك”. وكشف “لقد كان حلما وأصبح هذا الحلم حقيقة. سنكافح من أجل إعادة برشلونة إلى القمة”.
وبات كومان الهولندي الخامس الذي يشرف على تدريب برشلونة، بعد رينوس ميتشلز (1971-1975 و1976-1978)، يوهان كوريف (1988-1996)، لويس فان غال (1997-2000 ومايو 2002 حتى يناير 2003) وفرانك رايكارد (2003-2008).
ويعود المدرب الهولندي إلى الفريق الذي تألق في صفوفه كلاعب بين 1989 و1995 وساهم في قيادته لإحراز لقب الدوري الإسباني أربع مرات متتالية بين 1991 و1994 خلال حقبة “فريق الأحلام” بإشراف مواطنه الراحل كرويف. كما لعب دورا أساسيا في نيله لقب كأس الأندية الأوروبية البطلة (دوري الأبطال حاليا) عام 1992 بتسجيله هدف المباراة الوحيد في النهائي ضد سمبدوريا الإيطالي من ركلة حرة. وخاض كومان في المجمل 264 مباراة بقميص البلوغرانا، سجل خلالها 88 من الأهداف الـ253 في مجمل مسيرته الاحترافية التي دخل خلالها التاريخ كأفضل مدافع هداف. وسبق للهولندي أن عاد إلى “كامب نو” بعد اعتزاله اللاعب بقميص فيينورد عام 1997، وذلك باستلامه مهمة مساعد المدرب مواطنه لويس فان غال بين 1998 و2000.
وفي هذا السياق أكد المدير الفني لمنتخب إسبانيا، لويس إنريكي، أن عقلية رونالد كومان مشابهة لعقلية فريقه الجديد، برشلونة. ويعرف لويس إنريكي برشلونة جيدا، حيث إنه لعب في صفوف البلوغرانا بين عامي 1996 و2004، وقاد فريق الشباب والفريق الأول كمدير فني بين عامي 2014 و2017. وفي الوقت نفسه وجه إنريكي نصيحة لكومان بالقول إنه في حالة قيادة فريق كبير “يتعين عليك السيطرة على غرفة الملابس” حتى تكون النتائج إيجابية. وبعد موسم أبيض من حيث الألقاب، قرر مجلس إدارة برشلونة تعيين رونالد كومان مديرا فنيا جديدا للفريق في الموسم المقبل.
وأردف إنريكي “تدريب برشلونة خبر رائع لكومان لأنه يمثل متعة كبيرة. هناك راحة لمدة 30 يوما على التوالي، ولكن بعد ذلك عليك إدارة غرفة الملابس”. وذكر في مؤتمر صحافي “كانت لدي علاقة معه كلاعب؛ لديه عقلية هولندية تشبه عقلية برشلونة. يعرف كيف يوظف اللاعبين الشباب، لكننا نعرف ماذا تعني إدارة فرق كبيرة، وهو أمر يختلف عن البقية”.
وقلل إنريكي من الموسم السيء الذي قدمه فريقه السابق، وبرر النتائج السلبية بأنها “دورة معتادة” تحدث في عالم كرة القدم. وواصل تصريحاته بقوله “هذا يحدث لجميع الأندية الكبرى في مرحلة ما من تاريخها”. واختتم “الآن تأتي لحظات أكثر صعوبة، لكن ليس لدي شك في أن برشلونة سيتغلب على هذه اللحظات ويفوز بالألقاب. متى؟ إنه سؤال الجميع، وليس لدي إجابة”..