"قدر".. فيلم عن تحكم ثالوث المال والسياسة والفساد في حياة البشر

تونس - عرضت المخرجة التونسية الشابة إيمان بن حسين فيلمها الروائي بعنوان “قدر”، والذي تسلط فيه الضوء على الشبكات السرية الناشطة في الدول العربية لخدمة مصالح خارجية، محاولة التنبيه من خطورتها على أمن الدول وعلى شعوبها الطامحة إلى التحرر والانعتاق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
وصار الفيلم الروائي الطويل “قدر” الذي يحمل أيضا عنوانا إنجليزيا “ذا سانز أوف ذا لورد” متاحا في قاعات السينما التونسية بداية من العشرين من أكتوبر الجاري، بعد أن تم عرضه ما قبل الأول في التاسع عشر من أكتوبر الجاري بحضور طاقم الفيلم والصحافيين والوجوه السينمائية والفنية.
ويحكي فيلم “قدر” في حوالي مئة دقيقة قصة طبيب تشريح ينشط ضمن شبكة سرية في إدارة دواليب الحكم وحياكة الدسائس بهدف تطويع النظام السياسي لخدمة قوى خارجية.
والفيلم من بطولة الممثلين التونسيين مهذب الرميلي، وجيهة الجندوبي ومعز القديري ورابعة السافي ويونس الفارحي ويوسف القبلاوي ومحمد الداهش ورياض حمدي، وتشارك في البطولة الممثلة اللبنانية تقلا شمعون.
وأول ما يلفت انتباه المتفرج هو الاهتمام العميق من قبل المخرجة بالصورة واللقطات في الفيلم، والتي بدت قاتمة سوداوية تعكس الحالة النفسية للشخصيات وتخدم مضمون الفيلم وما يبرزه من صراع داخلي بين الشخصية وذاتها وبين الشخصيات في ما بينها وكذلك إبراز العنف والتعذيب المادي والنفسي والمأساة الإنسانية.
ولتجسيد هذا الصراع وحالة التمزق التي رافقت الشخصيات طوال الفيلم، لعبت المخرجة في الصورة على متناقضين اثنين هما ثنائية الضوء والعتمة في آن واحد. وقد أضفت هذه الثنائية دلالات أخرى على الفيلم فالظلمة بدت موظفة بإحكام لتعبر عن الظلم والفساد والاستبداد والطغيان والسجن والعزلة بينما وظف الضوء ليكون فسحة أمل للتحرر والانعتاق.
وكثفت المخرجة إيمان بن حسين من اللقطات القريبة والقريبة جدا في الفيلم حتى تكون مقاصدها وفية لمعاني الصراع ورمزيتها من عنف وقتل ودماء، فغاصت في أعماق الشخصيات وأبرزت بشاعتها في التحكم في دواليب الدولة من أجل حماية مصالحها مستعينة في ذلك بتجنيد بعض الأجهزة من أمن وقضاء وأطباء وسياسيين وإعلاميين، إذ لا مكان للقيم الإنسانية ولا مجال للاستقامة والوفاء فمن أجل الحفاظ على السلطة قد تتم التضحية بالأبناء مثلما فعل بطل الفيلم، طبيب التشريح الذي لعب دوره الممثل مهذب الرميلي، والذي ارتكب جريمة قتل في حق ابنته حين أرادت كشف حقائق عن الشبكة السرية.
في “قدر”، الذي يعتبر فيلمها الروائي الطويل الأول، اشتغلت المخرجة وفق سيناريو محكم، فكان التشويق والانتقال السلس في الأحداث وفي مشاهد وزوايا التصوير وكذلك عنصر المفاجأة في التخلص من العقد أهم السمات المميزة للفيلم وجعله يستوفي قاعدة البناء الثلاثي في السيناريو أي بداية ثم تتصاعد الأحداث إلى مرحلة الذروة فتصل إلى ما يشبه العقدة ثم يظهر الحل.
واعتمدت المخرجة على تقنية “الفلاش باك” التي تعني في اللغة السينمائية استحضار الماضي صوتا وصورة ووظفتها في استعادة طبيب التشريح لماضيه الطفولي وربطه بمنطق الأفعال التي مارسها بعد تجنيده ضمن الشبكة السرية، وكانت هذه التقنية السينمائية مساحة لاستراحة المشاهد من تتابع الأحداث المأساوية التي ظلت تسير في خط إيقاعي مشحون وتصاعدي.
كما حاولت محاكاة تجربتها المهنية وظروف عملها السابق في مجال التحقيقات الاستقصائية وما يتعرض له المخرج من تضييقات ومعاناة وتهديدات، وتجسد الدور الممثلة الشابة رابعة السافي.
وعرفت المخرجة الشابة إيمان بن حسين باشتغالها على تحقيقات استقصائية وأفلام وثائقية، تسبب بعضها في موجة غضب واستنكار ضدها، حتى أنها تعرضت لدعاوى قضائية كانت أبرزها بسبب فيلم استقصائي بعنوان “هل يصنع القتلة الدواء؟”، والذي يكشف تفاصيل اتفاقية بين البنتاغون ومخبر “تيفا” الإسرائيلي ووزارة الصحة التونسية، المتمثلة في معهد “باستور” بتونس، الذي أشرف على إجراء تجارب طبية في منطقة نائية بتونس على أطفال قُصّر لفائدة الجيش الأميركي.
وتعرض الفيلم وصاحبته لحملة كبيرة ومطالبات بوقفه، وتعرضت المخرجة لملاحقات أمنية وقضائية لكن في النهاية أصدرت المحكمة الإدارية بتونس حكماً بعدم قانونية التجارب الطبية وبتبرئة المخرجة.