قحطان شهاب: "موسوعة وصاب التاريخية" نموذج فريد لحفظ التراث اليمني

باحث يمني يستعين بمواقع التواصل لإنجاز موسوعة تاريخية.
الاثنين 2022/11/21
اعتمدنا على مواردنا الخاصة في العمل

يزخر اليمن بإرث ثقافي كبير يستحق الإحاطة به وتدوينه في موسوعات للحفاظ عليه من الاندثار، لكن العمل الموسوعي يتطلب مجهودات جماعية كبيرة، وموارد مادية ولوجيستية قد لا تتوفر للأشخاص، لكن الباحث اليمني قحطان شهاب جاء رفقة فريق متكامل بحلول فريدة لتحقيق موسوعته التي حلم بها. “العرب” كان لها هذا الحوار معه حول الموسوعة التي أنجزوها مؤخرا.

عدن - قحطان شهاب باحث وكاتب قاده شغفه بالتاريخ نحو قيادة فريق بحثي عمل على إنجاز موسوعة تدوّن وتوثق لتاريخ مسقط رأسه في منطقة وصاب باليمن، والتي يعتبرها محاولة لإعادة الاعتبار للتاريخ المحلي الذي يشكل فسيفساء التاريخ اليمني العام.

استحضر شهاب كل خبراته السابقة كعاشق للتاريخ وموظفا في دار المخطوطات وباحثا ومدرّسا للغة العربية للإشراف على تحرير “موسوعة وصاب التاريخية”، التي يرأس فريق باحثيها ويشغل منصب مديرها التنفيذي.

وعن تفاصيل هذا المشروع الثقافي يقول لـ”العرب”، “يمكن تعريف مشروع موسوعة وصاب التاريخية بأنه مشروع علمي يهدف إلى جمع كل ما أنتجه أبناء وصاب من العلوم والتراث والفنون على امتداد العصور التي شاركوا فيها، كما يهدف المشروع إلى معرفة علماء وصاب وأساطينهم ورؤسائهم وتدوين أخبارهم وكتابة تراجمهم وأيامهم المشهودة ورصد مظاهر تأثرهم وتأثيرهم في الزمان والمكان”.

موسوعة وصاب التاريخية مشروع علمي يجمع كل ما أنتجه أبناء وصاب من العلوم والتراث والفنون على امتداد العصور
موسوعة وصاب التاريخية مشروع علمي يجمع كل ما أنتجه أبناء وصاب من العلوم والتراث والفنون على امتداد العصور

وحول بدايات هذا المشروع وبواكيره الأولى، يضيف “من خلال عملي في دار المخطوطات ومَجمع العربية السعيدة تعلّمت كثيرا من علوم التحقيق ومعارضة النصوص والعناية بالتراث، وفي العام 2017 بدأت تسيطر عليَّ فكرة جمع التراث الوصابي في إطار واحد، لكن الأفكار والخطط كانت تتغيّر وتتطور على نحو سريع، ومع ما كنت أؤمن به من سمو الفكرة وعظمة المشروع وإمكانية التنفيذ إلا أن عملية البحث عن معاونين يشاطرونني الإيمان بالفكرة ويشكلون معي نواة المشروع قد أخذت مني قرابة العامين أو نحو ذلك”.

الاستعانة بمواقع التواصل

يضيف “لقد كان الركن الأول الذي اعتمدت عليه في تسويق هذا المشروع هو الأستاذ محمد جبران ومعاَ حاولنا التحرك والتواصل مع العديد من رؤساء وصاب ومقدميهم، ثم في نهاية 2019 استطعنا تكوين نواة لإدارة الموسوعة، فكان الشيخ قايد البحر مديرها العام، وقد نهض بالمشروع نهضة مباركة، إذ تكفل بتوفير مقر لهذا المشروع على نفقته الخاصة، كما كان معنا في هذه البدايات الشاقة”.

يقول شهاب إنه استعان خلال رحلة العمل على الموسوعة بمواقع التواصل الاجتماعي التي يؤكد أنها ساهمت في استقطاب الكثير من الشباب والمثقفين وبعض المتحمّسين لإنجاز هذا المشروع، ويتابع “خلال هذه الفترة عكفت على كتابة العشرات من المقالات التعريفية والتاريخية والعلمية عن وصاب وعلمائها ورجالها من خلال المصادر والمخطوطات والفهارس التي تفرّغت للبحث فيها عن تاريخ جهاتنا الوصابية”.

وعن الصعوبات التي اعترضت المشروع، يقول “كما هو شأن البدايات في أي مشروع فقد واجهتنا الكثير من الصعوبات التي كادت أن تطيح بنا ومنها: عدم توافر موارد مالية كافية، وتفرق المادة العلمية المتعلقة بتاريخ الجهات الوصابية في عشرات المصادر والمخطوطات والوثائق والمكتبات والأسر التراثية التي لم يكن من السهل الوصول إليها، بل ما زلنا حتى اليوم نعاني من شح الإمكانات وصعوبة الوصول إلى المواد الصلبة، ناهيك عن جمعها أو تحقيقها أو دراستها”.

فوائد متعددة

مع التغلب على الكثير من الصعاب التي فرضتها ظروف الحرب في اليمن، يشير شهاب إلى أن فوائد العمل على إنجاز مشروع موسوعة وصاب التاريخية أثمرت في جوانب عديدة تتجاوز الهدف النهائي لهذا المشروع، حيث ساهمت في تنشيط الواقع الثقافي من خلال اكتشاف عدد من الباحثين الذين أصبحوا متمرسين بتاريخ وصاب ومصادره على نحو استثنائي.

الموسوعة ساهمت في تنشيط الواقع الثقافي من خلال اكتشاف عدد من الباحثين الذين أصبحوا متمرسين بتاريخ المنطقة

كما أسفر هذا النشاط عن زيارة العديد من الأسر العلمية والتاريخية وتوثيق العشرات من المخطوطات والآلاف من الوثائق، وتصوير أكثر من ثلاثمئة مخطوطة وصابية عن الكثير من المكتبات الوطنية والعربية والعالمية، ثم وفهرسة نصفها فهرسة علمية، والتي ستشكل الجزء الأول من فهارس المخطوطات الوصابية، كما تم تصوير نحو خمسة آلاف وثيقة.. والوقوف على قرابة أربعمئة شخصية تاريخية من العلماء والشعراء والقضاة والفقهاء وغيرهم، تم الشروع في كتابة تراجم حافلة للعشرات منهم.

ويتابع “استطعنا صناعة أول فيلم وثائقي علمي عن وصاب وبعض رجالها. وأنجزنا ما يزيد على (250) مقال علمي عن وصاب وتاريخها ورجالها، وقد ساعدت هذه المقالات القصيرة نسبيا والموثقة علميا في الترويج للمشروع والوصول إلى عامة الناس وخاصتهم، لاسيما مع عزوف معظم الناس عن قراءة الكتب والمراجع الواسعة”.

يكشف شهاب عن إنجاز العشرات من الأبحاث تمت طباعة الكثير منها، مثل: المقصورة الوصابية (الخمرطاشية)، ملحمة المطحني، نصيحة الطلاب، تجهيز الجنود السلطانية لفتح الجهات الوصابية سنة 993 هجرية.

وحول تقييمه لهذه التجربة وانعكاسها على المشهد الثقافي اليمني، يختتم شهاب حديثه لـ”العرب” بالقول “نزعم أننا قدمنا نموذجا فريدا لحفظ تراث اليمن والعناية به، فلو أن كل قبيلة أو مديرية انتدبت جملة من شبابها لمثل هذا المشروع، ثم تخصصوا في جمع تراثهم وعلمائهم لظهرت الكثير من المخطوطات المفقودة، ولعرفنا الكثير من العلماء المغمورين والمنسيين، وبناء على ما تقدم فقد يجوز القول إن موسوعة وصاب تعتبر المشروع العلمي الأول في اليمن، الذي حاول التغلب على هذه الظروف من خلال اعتماده على المجتمع أو القبيلة في تمويله والمشاركة فيه”.

12