قانون المحليات يعيد الأمل لانتخابات معطّلة في مصر منذ 14 عاما

إقرار قانون الانتخابات المحلية وإجراء الاستحقاق الانتخابي الخاص بها يظهران أن الحكومة ساعية إلى ترتيب مختلف الأوضاع سياسيا، وتوسيع دائرة السلطة، ومنح الجهات سلطات أكبر بما يمكنها من التفرغ لمهام أخرى دون ضغوط أو انتقادات من المعارضة أو الشارع.
القاهرة - نجحت جلسات الحوار الوطني في إقناع الحكومة المصرية بالتعامل مع الانتخابات المحلية كأولوية سياسية؛ ما يفسر تأكيد رئيسها مصطفى مدبولي، الخميس، أن قانون المحليات انتهى بصورة كاملة وسوف يتم عرضه على البرلمان خلال الفترة المقبلة لإقراره والشروع في إجراء الاستحقاق الانتخابي.
جاء ذلك في وقت تخطط فيه الحركة المدنية الديمقراطية، وتضم عددا من أحزاب المعارضة وشخصيات سياسية، لخوض هذه الانتخابات بتحالف يضم أحزابها وبعيد عن الموالين للسلطة، مع توافر ضمانات لإجراء الانتخابات المعطلة منذ 14 عاما.
وفسرت دوائر سياسية رغبة الحكومة في تسريع إنجاز قانون المحليات وعقد الانتخابات الخاصة بها بسعيها إلى إعادة ترتيب المشهد العام بما يخدم مصالح السلطة، بعد أن أدركت ضعف القواعد الشعبية لكثير من الأحزاب المعارضة لها، وزوال الخطر الممثل في الجماعات الإسلامية المتشددة.
ويقود إجراء انتخابات المحليات في مصر إلى إعادة الزخم السياسي إلى البلاد، بعد خيبة أمل شعبية من تشكيلة البرلمان الحالي، وهيمنة أحزاب الموالاة عليه، حيث ترغب السلطة في إجراء إصلاحات تبدو استجابة لتوصيات الحوار الوطني.
وتُدرك المعارضة أن مقاطعتها الانتخابات تخصم من رصيدها السياسي المتآكل أصلا، وقد تجد نفسها خارج المعادلة، ما جعلها تشرع في عقد اجتماعات استعدادا لانتخابات المحليات والبناء عليها لخوض انتخابات مجلسي النواب والشيوخ.
وتؤمن الحكومة بأن إقرار قانون الانتخابات المحلية وإجراء الاستحقاق الانتخابي الخاص بها أصبحا مقياسا واقعيا لاختبار مصداقيتها في رعاية حوار سياسي شامل جمع قوى وتيارات مدنية مختلفة، ومهما حاولت تجميل الصورة لن تستطيع إقناع الشارع بجدوى الحوار الوطني دون إنجاز ملف المحليات بعد ملف الحبس الاحتياطي.
◙ رغبة الحكومة في تسريع إنجاز قانون المحليات مرتبطة بسعيها إلى إعادة ترتيب المشهد العام بما يخدم مصالح السلطة
وتعوّل دوائر سياسية في مصر على التناغم بين الحكومة والبرلمان لسرعة إنجاز قانون المحليات، خاصة أن السلطة تسعى إلى وضع حد لفكرة المركزية التي عمقت غضب الشارع، وحلها يكمن في توزيع المسؤوليات على حكام الأقاليم برقابة شعبية.
ومنح الدستور المصري أعضاء المجالس المحلية (الأقاليم) صلاحيات كبيرة، وبإمكانهم سحب الثقة من رئيس الحي، ومحاسبة محافظ الإقليم، لأن تلك المجالس تضم جهازا تنفيذيا وآخر شعبيا يراقب المسؤولين ويخدم المواطنين.
ولا توجد في مصر مجالس محلية منتخبة منذ ثورة 25 يناير 2011، حيث تم حلها بحكم قضائي بسبب ارتكاب مخالفات، وتعهدت حكومات متعاقبة أكثر من مرة بإجراء الانتخابات، لكن ذلك لم يحدث لأسباب سياسية وأمنية.
واستقر الرأي داخل الحوار الوطني على إجراء الانتخابات المحلية بنظام 75 في المئة من المقاعد للقائمة المطلقة، مقابل 25 في المئة للقائمة النسبية، وهي صيغة مقبولة للمعارضة، وتمنحها فرصة للتواجد داخل المجالس بقوائم تمثلها.
وتضم القائمة الواحدة عدة شخصيات أشبه بكتلة حزبية، تتنافس في كل دائرة انتخابية، والقائمة التي تحصل على 50 في المئة + 1 من الأصوات الصحيحة للناخبين تفوز بثلثي مقاعد الدائرة وتخسر القوائم الأخرى، أي أن نظام القوائم يقيس شعبية الأحزاب.
ويرى مراقبون أن الصيغة التي ترغب الحكومة في أن تعقد بها انتخابات المحليات توحي بأنها لا تستهدف المعارضة المدنية، وتركز على حرمان أيّ شخصية من الشخصيات المنتمية إلى التيارات الإسلامية من الوصول إلى المجالس المحلية أو التسلل إليها بالوكالة.
ونجحت الحركة المدنية المعارضة في اقتناص بعض مقاعد مجلس النواب الحالي، عندما خاضت الانتخابات بعدد من ممثلي الأحزاب المنضمة إليها في الاستحقاق البرلماني الماضي، وترغب في أن يكون لها ممثلون في المحليات ولو بأعداد محدودة.
وتوحي بعض الشواهد السياسية بأن النظام المصري لا يتحفظ على وصول شخصيات معارضة إلى المجالس المحلية، لكنه يرفض بشكل مطلق أي حضور للخصوم السياسيين له، بدليل استجابته مؤخرا لمطالب معارضين لتعديل قانون الحبس الاحتياطي.
ويمثل وجود تركيبة معينة للمجالس المحلية تتحدى رغبات الشارع وتفرض عليه قرارات وسياسات بالأمر الواقع ضررا بالغا للسلطة، لأن المجالس المحلية تعد البرلمان الحقيقي الأكثر احتكاكا بمطالب المواطنين.
وتشير تلك القناعات إلى أن المشهد السياسي في مصر على مقربة من حراك للأطراف المشاركة فيه، لأن هناك دوائر في السلطة تريد إجراء الانتخابات وعدم الممانعة في أن تفرز وجوها سياسية تحقق التوازن، لأن حصر السلطة في فصيل معين يثير منغصات سياسية.
◙ الصيغة التي ترغب الحكومة في أن تعقد بها انتخابات المحليات توحي بأنها لا تستهدف المعارضة وتركز على حرمان الشخصيات الإسلامية من الوصول إلى المجالس المحلية
وقال إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن إنجاز قانون المحليات جزء من الإصلاحات السياسية التي تعهد بها الرئيس عبدالفتاح السيسي، واستجابة لمخرجات الحوار الوطني مؤخرا، ويعكس أن الحكومة ليست متخاصمة مع المعارضة الوطنية طالما تستهدف مصلحة عامة.
وأضاف لـ”العرب” أن “السير نحو إجراء انتخابات المحليات يعكس مصداقية الحوار، ويبرهن على اقتناع السلطة بأهمية وجود رقابة على أداء الأجهزة التنفيذية، وهذا لن يتحقق دون مجالس محلية فاعلة، تمثل القوى المدنية دون مقاطعة أي طرف”.
ويعوّل الكثير من المصريين على انتخابات المجالس المحلية لوقف الفساد في الجهاز الإداري، بعد أن ضاقوا ذرعا بالأصوات المتصالحة مع الحكومة، مقابل ضعف تمثيل المعارضين والمستقلين، وهي آمال قد تستجيب لها الحكومة كمطلب شعبي.
ويبرر متابعون وجود اتجاه نحو غلبة الأحزاب القريبة من السلطة على قوائم الانتخابات المحلية بخلق توافق في الرؤى والأهداف والتوجهات بين الأغلبية، بما يحول دون حدوث صراعات داخل المجالس بشكل يؤثر سلبا على دورها.
وتدرك دوائر حكومية خطورة هيمنة خصوم السلطة السياسيين على أهم الإدارات الشعبية التي تتعامل مع المصالح المباشرة للمواطنين، ما يثير إزعاجا أمنيا، ويحمل تداعيات خطيرة، ويُمكن السماح لتواجد وجوه معارضة لضمان حد أدنى من التوازن.
وبعيدا عن شكل قانون المحليات، فإن الأهم أن تقتنع الحكومة بصعوبة تقبل الشارع لمجالس محلية وهمية مهما تمت هندسة الانتخابات لصالحها، لأن هذه المجالس يتم التعامل معها من قبل المواطنين على أنها تمثلهم وعليها ألا تحيد عن مسارها الصحيح.