قانون الطفل يضع نواب الأردن في مواجهة مع قواعدهم الشعبية

يثير عدد من مشاريع القوانين في البرلمان الأردني جدلا واسعا بين أعضائه، لاسيما إذا ما تعلق الأمر بهوية الأردنيين وعاداتهم الثقافية التي تهيمن على البلد منذ عقود والمتمثلة في الأعراف القبلية. وعاد الاحتقان مجددا إلى قبة البرلمان الأردني بسبب مشروع قانون لحماية الطفل.
عمان - أثار مشروع قانون الطفل المنتظر، جدلاً واسعًا في البرلمان الأردني، بين مؤيدين اعتبروه حمايةً للأطفال من الانتهاكات ضدّهم، ومعارضين رأوا فيه تطبيقًا لقيم الغرب التي تتعارض مع تعاليم الشريعة الإسلامية، ما يضع النواب في مواجهة مع قواعدهم الشعبية.
ويتألف مشروع قانون الطفل من 33 مادة، وركزت محاوره على الحقوق الشخصية للأطفال والصحة والتعليم والمعيشة والسلامة المرورية والحماية من العنف والإعاقة، وغيرها من الجوانب الأخرى.
وجرى تحويل المشروع إلى لجنتي القانون والمرأة وشؤون الأسرة، مع توصيات من بعض النواب بالتأنّي في مناقشة مشروع القانون، لضمان عدم مخالفته للقيم والثوابت المستندة إلى الشريعة الإسلامية.
وقبل أن يتحوّل إلى قانونٍ ساري المفعول، يحتاج مشروع القانون إلى المرور بمراحل دستورية، تتمثل في صياغته من قبل الحكومة، وتحويله إلى مجلس النواب، ثم إلى مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، ليُرفعَ بعدها إلى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني للمصادقة عليه، وصولًا إلى إعلان إقراره بالجريدة الرسمية.
وعلى الرغم من كلّ تلك المراحل، إلا أن الشعب ينتظر من ممثليه بالبرلمان أن يكون لهم دور تشريعي مناسب إزاء إقرار هذا القانون، بصورة يحفظون من خلالها واجبًا أسريًّا، دون تعدٍّ على العادات والتقاليد والمُثل العليا في تنشئةٍ تربوية صحيحة.

وبيّن أستاذ علم الاجتماع والجريمة في جامعة مؤتة (حكومية) حسين محادين أن "الرأي العام يتوجّس غالبًا من أيّ صيغة قانونية يمكن أن تنزع من أصحاب السلطات المختلفة بعض الأدوار والحضور الضاغط على الشريحة التي قد يشملها هذا القانون أو ذاك، بما في ذلك الأطفال".
واستدرك أن “وسائل الإعلام تقوم بتعبئة الرأي العام بالثقافة السمعيّة غالبًا، وبصورةٍ أقوى من الإعلام الرسمي الذي يُفترض أن يهيّئ الشارع قبل الشروع بتشريع قانون ما".
وأردف "لكن الواقع يشير إلى أن سرعة طرح مثل هذا القانون، إنما تؤجج الرأي العام وتجعله أسيرًا لانطباعات قبَلية قائمة على التشكّك، دون الاهتمام الواجب بقراءة مثل هذه المشاريع ومناقشتها كجزءٍ من المنظومة العالمية، التي أصبحت تؤثر على طبيعة التشريع في الدول، إلى حدٍّ وصل فيه الأمر إلى أن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها تتقدم عند التنفيذ ببنودها على القانون الوطني".
وتابع "هذا الواقع جزءٌ من تأثيرات دول المركز الغربيّ المُعَولم على الدول النامية، مع التذكير بأن الشريعة الدولية كانت تضع دائمًا شريحة المرأة والطفل تحت تصنيف أنها الأضعف في البناء الاجتماعي والتشريعي للدول النامية".
وأشار قائلا إن "غياب الدور التنويري للحكومة ومجلس النواب الذي يجب أن يسبق الشروع في بدء مناقشة هذا القانون، يمنح ضمنًا فرصةً للرأي المضاد، سواء كان حزبًا أو جماعات ضغط، وبالتالي نجد مثل هذه الضبابية التي تكتنف مثل هذا القانون ومصاحباته التشريعية بالمجمل".
ومن جانبه، وصف عضو مجلس النواب صالح العرموطي، مشروع القانون بـ”المقلق، خاصة وأنه تم إيراده في دورة استثنائية، وهو يحتاج إلى جهد وتأنّ".
وأردف "لدينا قانون اتفاقية حقوق الطفل عام 2006، وهو يحتوي على بعض نصوص مشروع قانون الطفل المطروح حاليًا، وأعتقد أن إقرار الأخير يُمهّد للعبث بقانون الأحوال الشخصية، ويتعارض مع ما هو منصوص عليه في قوانين الأمم المتحدة، وتحديدًا فيما يتعلق بدور الوالدين". وزاد "إعطاء الطفل الحرية الكاملة قد يدفع به إلى ممارسات لا نستطيع من خلالها حمايته ومراقبته".
وأكد العرموطي، وهو نقيب المحامين الأردنيين الأسبق، "لسنا ضد الحقوق الأساسية للطفل من تعليم وصحة ورعاية، ونحن ندعمها، وهي منصوص عليها في شرعنا ودستورنا وقانون الأحوال الشخصية”. وتكون اجتماعات مجلس النواب الأردني على 3 دورات، هي الدورة العادية تُعقد مرة واحدة سنويًا، ومدّتها 4 أشهر تبدأ أول أكتوبر.
والدورة الاستثنائية، وتعقد بناءً على دعوة من الملك أو بطلب من الغالبية المطلقة لمجلس النواب عند الضرورة، ولمدة غير محددة لكل دورة، من أجل إقرار أمور معينة تشمل مناقشة قوانين وأي قضايا مهمة أخرى.

وأما الدورة غير العادية، فتعقد في حالة حلّ مجلس النواب، إذ يجب إجراء انتخاب عامّ ليجتمع المجلس الجديد في دورة غير عادية بعد تاريخ الحل بـ4 أشهر على الأكثر.
وقال الخبير في الشؤون البرلمانية، هايل ودعان الدعجة، إن "الأردن ليس بحاجة إلى قانون يتعلق بحقوق الطفل، عدا أنه ليس أولوية ليُزجّ به في الدورة الاستثنائية".
وأضاف “هناك قضايا وملفات محلية أهمّ بكثير تتطلب من الحكومة وضعها على سلم أولوياتها، وتحديدًا الملف الاقتصادي والمعيشي، في ظل ما تعاني منه البلاد من فقر وبطالة ومديونية وغلاء أسعار وأوضاع معيشية صعبة، وبشكل غير مسبوق".
وتابع الدعجة "هناك شعور عام بوجود استهداف في الآونة الأخيرة للمنظومة القيمية والأخلاقية والدينية والعادات والتقاليد الأردنية وحتى الأسرة، وهو ما يعكسه قانون الطفل الجديد".
ورأى أن "هذا من شأنه أن يضعنا أمام احتمالية أن تكون هناك ضغوطات خارجية على الأردن بواسطة مؤسسات التمويل الأجنبي تدفع في هذا الاتجاه، مستغلة حاجة الحكومات إلى الأموال والقروض والمساعدات".
وفي السياق ذاته، أوضح أن ذلك "سيضع مجلس النواب تحت تأثير الضغوطات الحكومية والرسمية؛ لتمرير هكذا توجهات وتشريعات تلقى معارضة شديدة في الشارع الأردني الذي يتابع كيف يتعاطى النواب معها، بعد أن عبّر عن معارضته هذه في الكثير من وسائل الإعلام، وتحديدًا مواقع التواصل الاجتماعي".