قانون الصحافة البحريني الجديد ينحاز إلى الحريات بعد سنوات من المشاورات

بعد سنوات من المراجعات والمناقشات المعمقة بين وزارة الإعلام وجمعية الصحافيين البحرينية ولجنة الخدمات بمجلس النواب خرج مشروع قانون الصحافة والطباعة والنشر إلى النور في صيغة توافقية تمثل تحديثًا ضروريًا للقانون الذي يُنظم قطاع الإعلام في المملكة، بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث.
المنامة – أقر مجلس النواب البحريني الخميس مشروع قانون الصحافة والطباعة والنشر الذي يترقبه الصحافيون منذ أكثر من 15 سنة، حيث يشكل محطة فارقة في تاريخ الصحافة البحرينية بإلغاء العقوبات السالبة للحرية وتقديم معالجة قانونية شاملة لقضايا النشر.
وشهد مجلس النواب الخميس حضور عدد من رؤساء تحرير الصحف المحلية، إلى جانب رئيس جمعية الصحافيين البحرينية، تزامناً مع الجلسة التي شهدت إقرار قانون الصحافة الجديد، بعد مسيرة تشريعية ومخاضات امتدت لأكثر من عقد.
ويتطلّع الصحافيون والإعلاميون إلى تسريع تنفيذ القانون الذي طال انتظاره، باعتباره لا يقتصر على إلغاء العقوبات السالبة للحرية، بل يؤسس لمرحلة جديدة في الصحافة البحرينية.
وأكد عدد من الصحافيين أن حضورهم الخميس تحت قبة البرلمان يعكس أهمية اللحظة، مشيرين إلى أن إقرار هذا القانون سيمثل نقلة للصحافة الوطنية، ويعزز مكانة البحرين في مؤشرات الحريات الإعلامية.
ويعتبر مشروع القانون في صيغته النهائية حصيلة مناقشات مطوّلة شهدتها الأروقة النيابية والصحفية، أفضت إلى توافقات مهمة بين الجسم الصحفي ممثلاً بجمعية الصحافيين وبين وزارة الإعلام ولجنة الخدمات بمجلس النواب.
وقد خضع قانون الصحافة والإعلام والنشر الحالي للمراجعة والتعديل مرارا، وما تضمنه مشروع القانون في صيغته النهائية من تعديلات ومواد هو خلاصة المناقشات العديدة التي مرّ بها القانون منذ سنوات، حيث تم عرض التعديلات المقترحة ومراجعتها في فصول تشريعية عديدة إلى أن وصل بصيغته الحالية المتفق عليها بين الهياكل المعنية.
وأكد عيسى الشايجي رئيس جمعية الصحافيين البحرينية أن “مشروع تعديل قانون الصحافة والطباعة والنشر، يمثّل خطوة مفصلية في تاريخ الصحافة الوطنية، وتحولًا تشريعيًا طال انتظاره، يؤسس لبيئة قانونية أكثر عدالة ومواءمة لمتطلبات العصر الإعلامي الحديث، ويجسد التزام مملكة البحرين الثابت بحرية الرأي والتعبير.”
وأشار الشايجي إلى أن الصيغة الحالية للقانون جاءت متقدمة وواقعية، وعكست استيعابًا عميقًا لتحولات الإعلام المعاصر، والتحديات التي يواجهها الصحافيون والمؤسسات الإعلامية، مبينًا أن المشروع ينحاز لحرية الصحافة، من خلال إلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، وتوسيع مساحة حرية التعبير، ورفع القيود السابقة التي كانت تقف عائقًا أمام العمل الإعلامي المهني، كما أنه ينقل الإعلام الإلكتروني إلى مظلة التنظيم، بما يعزز الثقة والمهنية ويحفظ الحقوق دون رقابة مسبقة.
وينص مشروع القانون الجديد على العديد من البنود التي تهدف إلى ترسيخ الحريات الصحفية والعمل على تطويرها، حيث ألغى عقوبة الحبس، ووضع آلية مرنة تتسق مع متطلبات الوضع الحديث وتطور الإعلام الإلكتروني ودوره في الإعلام.
ونظم قانون الصحافة والطباعة والنشر عددًا من المؤسسات التي تتطلب الحصول على الترخيص من وزارة الإعلام، وإحداها الدعاية والإعلان من خلال ترخيص مكاتب الدعاية والإعلان التي تم تعريفها بـ”المكتب الذي يتولى أعمال الإعلان والدعاية، وإنتاج موادها ونشرها أو بثها بأية وسيلة،” والذي يستوجب على أصحاب هذه المكاتب اشتراطات تتضمّن حصولهم على سجلات تجارية.
ومن أبرز الجوانب الإيجابية في التعديلات المقترحة إدراج تنظيم صريح وشامل للإعلام الإلكتروني، بما يمنح الجهات المهنية مرجعية قانونية واضحة.
ويسعى القانون الجديد إلى مواكبة التطورات الإعلامية في المجالات الإلكترونية وتنظيمها أسوة بالتوجهات العالمية في تنظيم قطاع الإعلام بشكل أشمل، ليتناول المطبوع والإلكتروني.
ويشكل هذا التوجه اعترافًا رسميًا بأهمية الفضاء الرقمي، وضرورة تطويره لا تقييده، من خلال تنظيم الحقوق والواجبات، وحماية الصحافيين والمؤسسات من حملات الإساءة أو التعدي على حقوق الملكية الفكرية.
وأعرب عبدالله إلهامي رئيس تحرير صحيفة “الوطن” عن دعمه الكامل لمشروع تعديل قانون الصحافة والطباعة والنشر. واعتبر أن هذا المشروع يشكل خطوة إستراتيجية نحو تنظيم الإعلام البحريني بما يتواكب مع المتغيرات الراهنة في الإعلام التقليدي والإلكتروني.
وأشار إلهامي إلى أن هذا التعديل يأتي بعد سنوات من المراجعات والمناقشات المعمقة بين وزارة الإعلام وجمعية الصحافيين البحرينية ولجنة الخدمات بمجلس النواب. حيث تم التوصل إلى صيغة توافقية تمثل تحديثًا ضروريًا للقانون الذي يُنظم قطاع الإعلام في المملكة، بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث.
الصحافيون والإعلاميون يتطلّعون إلى تسريع تنفيذ القانون الذي طال انتظاره، باعتباره لا يقتصر على إلغاء العقوبات السالبة للحرية، بل يؤسس لمرحلة جديدة في الصحافة البحرينية
وأقرت لجنة الخدمات في مجلس النواب مشروع القانون بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 47 لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، والمتضمن إلغاء عقوبة الحبس في جميع النصوص العقابية الواردة في القانون، والاكتفاء بعقوبة الغرامة الجنائية، وتنظيم الإعلام الإلكتروني باعتباره أحد مكونات المنظومة الإعلامية في البحرين.
من جهتها أكدت وزارة الإعلام أنه تمت مراجعة مشروع القانون من قِبَل الوزارة بالتنسيق مع اللجنة الوزارية للشؤون القانونية، وهيئة التشريع والرأي القانوني، والصحف المحلية، وجمعية الصحافيين البحرينية، ولا توجد أي مرئيات إضافية لدى الوزارة، وذكرت أنها تتفق على أغلب ما ورد من ملاحظات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وسيتم العمل بها بالتنسيق مع الجهات المختصّة لإعادة صياغة المشروع لتكون متناسبة ومتوافقة مع الأنظمة والقوانين.
بدورها قالت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إنها مع الأهداف والغايات التي يرمي إلى تحقيقها مشروع القانون، إلا أنّها لا تجد مبرّراً مقبولاً يجعل من الشخص المحروم من حقوقه السياسية (الحق في الانتخاب) محروماً من مباشرة حقه في الرأي والتعبير من خلال تملُّكه موقعاً إلكترونياً أو المساهمة في ملكيّته، ودعت المؤسسة إلى مراجعة المصطلحات المستخدمة لتوضيح الشروط الواجب توافرها في من يمتلك موقعاً إلكترونياً أو يساهم في ملكيّته، حيث إنّ هناك فرقاً بين المحروم والممنوع من مباشرة الحقوق السياسية.
واقترحت المؤسسة إعادة صياغة الشروط الواجب توافرها في المدير المسؤول عن الموقع الإعلامي الإلكتروني سواءٌ أكان بحرينيَّ الجنسية أو أجنبياً، ومراجعة المدة التي تمنح حقّ الإلغاء الإداري في حال عدم تحديث المحتوى؛ باعتبارها مدةً ربما تكون غير مناسبة وغير معقولة.
من جانبها رأت غرفة تجارة وصناعة البحرين أنّ قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر يجب أن يسهم بفاعلية في دعم الاقتصاد الإعلامي وزيادة العائد على الاستثمار، من خلال تبسيط الإجراءات وتقليص تعدّد الجهات الرقابية، بما يواكب طموحات القطاع الخاص وسرعة تطوّر السوق الإقليمي، مع ضرورة توحيد التشريعات ذات الصلة، خاصة في الجوانب الجنائية؛ لتفادي التضارب بين القوانين، إلى جانب أهمية تضمين تنظيم واضح للإعلانات الرقمية بما يحمي من الغشّ والخداع، ويعزّز التنافسية الرقمية للبحرين مقارنةً بدول الجوار.
ويعتبر أهل القطاع أن هذا التطور التشريعي يشكل محطة فارقة في العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة الرابعة، ويمثل تقديرا لدور الصحافيين كشركاء في بناء الدولة وتكريس الشفافية والمساءلة.