قانون "الحصول على المعلومة" يحجب المعلومات ويحمي الفساد في العراق

حملة موسعة لتعديل مشروع القانون المصمم لحماية المسؤولين أكثر من خدمة الجمهور.
السبت 2024/09/14
أين المعلومة

يواجه صحافيون ومنظمات محلية ودولية مشروع قانون حق الحصول على المعلومة في العراق الذي يناقض اسمه إذ يمنح المسؤولين صلاحيات واسعة لمنع المعلومات بتصنيفها سرية ما يغلق الباب أمام تحقيقات الصحافيين وكشف قضايا الفساد.

بغداد - تتصاعد الدعوات لإجراء تعديلات على مشروع قانون “حق الحصول على المعلومة”، وتبرز مخاوف جدية من تأثير القانون بصيغته الحالية على حرية الصحافة وحق المواطنين في الوصول إلى المعلومات، الذي يتناقض مع الهدف من ورائه، بتصنيف بعض المعلومات على أنها سرية أو خاضعة للحجب.

ويسعى مجلس النواب العراقي، خلال دورته الحالية وبعد مناقشات سريعة جرت في لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام النيابية، إلى إقرار مشروع القانون “حق الحصول على المعلومة” الذي قدمته الحكومة سابقا.

وخوفا من تشريع القانون بصيغته الحالية، قادت مجموعة كبيرة من المنظمات المحلية والدولية حملة تدعو إلى إجراء تعديلات جوهرية على مشروع القانون لضمان توفير المعلومات على نحو عادل ومنصف، وهو ما يعزز دور الإعلام في الرقابة والمساءلة.

وقدمت هذه المنظمات رسالة مفتوحة إلى أعضاء البرلمان تحثهم على مراجعة مسودة القانون وتنظيم مشاورات موسعة تشمل جميع الأطراف المعنية. وعبّرت المنظمات عن قلقها من أن مشروع القانون سيحد من حرية الوصول إلى المعلومات بطريقة تتعارض مع الدستور العراقي والتزامات البلاد الدولية، كما دعت إلى وضع معايير واضحة تحدد ما يمكن تصنيفه سريّا من المعلومات، لضمان عدم استغلال القانون لتعزيز الفساد أو تقليل الشفافية.

مشروع القانون يشكل تهديدا للمساءلة حيث يمنح المسؤولين صلاحية تصنيف المعلومات على أنها سرية

والمشروع جرت القراءة الثانية له في 3 أغسطس الماضي، بشكل مفاجئ دون أخذ الملاحظات العديدة التي أبدتها منظمات مدنية وصحافيون وخبراء، والتي أقرّت تعارض المشروع مع روح الدستور العراقي والمعايير الدولية للحق في الحصول على المعلومة وحرية التعبير، والتي التزم العراق بالوفاء بها، كطرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بل إن بعض بنود هذا القانون تفرض عدة قيود على الحق في الحصول على المعلومات في مجالات رئيسية من أنشطة الحكومة دون النظر إلى المصلحة العامة بطريقة تتعارض مع معايير حقوق الإنسان.

ونبهت المنظمات غير الحكومية والحقوقية الوطنية والدولية الناشطة في مجال الدفاع عن الحقوق والحريات وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، إلى خطورة تمرير المشروع بصيغته الحالية. مؤكدة أهمية النظر بجدية في التوصيات المقدمة من قبل المنظمات المتخصصة المحلية والدولية، وضرورة إخضاع بنود مشروع القانون إلى استشارات شاملة وواسعة، نظرا إلى أنه يرتبط بمصالح العراقيين جميعا، وليس فقط المجتمع المدني ووسائل الإعلام.

ورفضت محاولات تمرير المشروع رغم تضمنه مواد خطيرة تمثل تقييدا يمس بجوهر الحق في الحصول على المعلومة، وتصل إلى حد التناقض مع أصل هذا الحق ومع الهدف الذي ينبغي أن يشرّع من أجله، إذ أن المادتين 11 و12 (المتعلقتين بالمعلومات المستثناة من الحصول عليها) والمادة 13 (المتعلقة بالمعلومات الواجب نشرها استباقيا)، تحتاج إلى مراجعة كاملة ودقيقة، فالمادة 11 بصيغتها المقدمة تفتقد إلى التوازن الدقيق بين حق عامة الشعب في المعرفة والوصول إلى المعلومات، والحاجة إلى حماية المصالح الفردية والعامة الهامة الأخرى.

وتستثني المادة 11 ”المعلومات ذات الطبيعة التجارية أو الصناعية أو المالية أو الاقتصادية والمعلومات عن العطاءات“، والاتصالات والمراسلات الداخلية، و”مداولات مجلس الوزراء والمجالس الوزارية والمداولات الخاصة بعمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة“، وغيرها الكثير، من حق الوصول، دون بيان غاية مشروعة محددة تمنع الحصول عليها.

كما استثنى القانون قائمة طويلة من المعلومات في تضارب كلي مع المعايير الدولية، والتي تشترط أن تستند الاستثناءات فقط على المحتوى الذي يمكن أن يضر بمصلحة عامة مشروعة، وليس على نوع الوثيقة أو المعلومة.

ويعتبر الناشطون والخبراء أن القانون يشكل تهديدا كبيرا للشفافية والمساءلة، حيث يمنح المسؤولين صلاحيات واسعة لتصنيف المعلومات على أنها سرية أو خاضعة للحجب دون معايير واضحة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الفساد ويحد من قدرة الإعلام والمجتمع المدني على ممارسة دورهما الرقابي. فضلا عن السماح لمؤسسات الدولة بحجب عقود المناقصات والمزايدات، والتي تعد تكريسا للفساد المستشري أصلا في دوائر الدولة، ونكسة خطيرة في عملية تصحيح مسار الديمقراطية، كما أنها تشجع نهجا وثقافة سلطوية قائمة على السرية والحجب، وضعف الشفافية وعدم الانفتاح وغياب المساءلة.

وأشار صحافي فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن “القانون الحالي إذا ما تم تمريره دون تعديل سيشكل ضربة قوية لحرية الصحافة في العراق. فالصحافة هي السلطة الرابعة التي يجب أن تكون لها القدرة على الوصول إلى المعلومات لكشف الحقائق، ولكن هذا القانون يضع قيودا تجعل من الصعب جدا على الصحافيين القيام بعملهم بحرية. ونحن لا نطالب بالكشف عن المعلومات الحساسة المتعلقة بالأمن القومي، ولكن هناك حاجة ماسة لضمان أن تبقى الحكومة مسؤولة وشفافة أمام شعبها”.

بعد مناقشات سريعة جرت في لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام النيابية يسعى مجلس النواب العراقي إلى إقرار مشروع القانون "حق الحصول على المعلومة" الذي قدمته الحكومة سابقا

وأوضح أن “القانون بصيغته الحالية يبدو وكأنه مصمم لحماية المصالح الحكومية أكثر من خدمة الجمهور. فإذا أصبح بإمكان أيّ مسؤول أن يصنف أي وثيقة على أنها سرية دون رقابة أو معايير، فإن ذلك يعني أن الفساد سيجد بيئة خصبة للنمو بعيدا عن الأضواء. ونحن في حاجة إلى قانون يوازن بين حماية الأمن الوطني وحق المواطنين في معرفة ما يجري في بلدهم، وليس قانونا يغلق الأبواب أمام المعلومات ويزيد من سيطرة السلطات”.

ونوه أحد الناشطين في الحملة إلى أن القانون المقترح يتضمن مواد يمكن أن تقوض الديمقراطية، حيث يحجب مجموعة واسعة من المعلومات بحجة الحفاظ على أمن الدولة أو الأمن الاقتصادي. ويجعل من الصعب على الصحافيين والمنظمات الوصول إلى المعلومات التي قد تكشف عن فساد أو سوء إدارة.

في المقابل، يعبّر بعض أعضاء مجلس النواب عن استعدادهم لتلقي الملاحظات من المواطنين والنقابات والصحافيين لتضمينها في مشروع القانون.

وأشار أحد النواب إلى ضرورة تعزيز الشفافية وضمان حق المواطنين في الحصول على المعلومات المتعلقة بالموازنة العامة وعقود المقاولات، مع استثناء بعض القضايا الشخصية والأمنية.

لكن العديد من الناشطين والصحافيين يقولون إن هناك قلقا من أن القانون سيمرر دون إدخال التعديلات الضرورية التي تطالب بها الحملة.

ويحذر الخبراء القانونيون من أن النسخة الحالية من القانون لا تعزز حرية الوصول إلى المعلومات بل تسعى إلى تقييدها. فالقانون يسمح بنشر معلومات بسيطة بينما يفرض قيودا صارمة على المعلومات الحساسة المتعلقة بالشؤون العسكرية أو الحكومية. كما أن الصحافيين قد يواجهون عقوبات شديدة إذا نشروا معلومات حصلوا عليها من مصادر داخل الوزارات.

5