قانون الإعلام في الجزائر يكرس التبعية لخطاب السلطة السياسية

غرامات وممنوعات تنسف ما تبقى من حرية الإعلام.
الخميس 2023/09/07
سلطة كاتمة للأنفاس

الجزائر - لا يزال قانون الإعلام الجديد في الجزائر، الذي دخل حيز التنفيذ قبل أيام، مثار جدل واسع في الأوساط الإعلامية والحقوقية في البلاد، لما تضمنه من حزمة “ممنوعات” من شأنها أن تكبل حرية الصحافة والإعلام وتكرس التبعية لخطاب الدولة الرسمي.

وكان القانون قد تضمن فصلا كاملا عن الغرامات التي ستطبق على المؤسسات الإعلامية والصحافيين، في حال تجاوز جملة من الأحكام، حيث تم التمترس خلف عبارات فضفاضة ورمادية، بغرض إنزال سقف الحرية الإعلامية الى أدنى مستوى ممكن، كما جعل الصحافيين في متناول أي اعتداء أو تهديد، بعدما أدرج ذلك في خانة القانون العام، عكس فئات أخرى خصها بوضعيات استثنائية.

وتضمنت الوثيقة النهائية لقانون الإعلام الجزائري فصلا كاملا خصص للغرامات المالية التي تطال المؤسسات الإعلامية والصحافيين، في حال تسجيل مخالفات معينة، والتي تصل إلى نحو 14 ألف دولار، الأمر الذي سيثقل كاهل العاملين ويدفعهم إلى التفكير في دفع الغرامة قبل أي مجازفة مهنية قد تضع صاحبها على حافة الإفلاس.

القانون جرد الصحافيين من هوامش المبادرة وممارسة دورهم المضاد، بتسليط الضوء على الزوايا الرمادية في مختلف القضايا

وشمل الفصل السابع من القانون ثمانية بنود تتحدث كلها عن عقوبات بغرامات مالية ثقيلة في حق المؤسسات والصحافيين، بينما لم ينص على حماية هؤلاء من أي إهانة أو اعتداء أثناء تأدية مهامهم، وإدراجها في خانة القانون العام كغيرها من الحالات العادية في المجتمع، على عكس بعض الفئات الاجتماعية كالأطباء ومستخدمي قطاع الصحة ومنتسبي قطاع التعليم، الذين استحدثت لهم تشريعات استثنائية لمعالجة تلك الوضعيات، في حين ترك الصحافي المعرض لشتى أشكال الضغوط والاعتداءات والإهانات للقانون العام.

وقدر المشرع الجزائري عقوبة لكل مراسل أجنبي يمارس مهامه دون اعتماد رسمي صادر عن الجهات الوصية، تتراوح بين 3500 و7000 آلاف دولار، في حين لم يطرأ أي تغيير على آلية الاعتماد، التي تركت للقانون التنظيمي الخاضع للجنة تتكون من عدة مصالح، على غرار الشؤون الخارجية والداخلية والأمن الشرطي والاستعلامات، التي تبت في أي طلب يعرض عليها.

ولقطع الطريق على أي نفوذ أجنبي في توجيه أو إدارة الإعلام المحلي، وضع القانون الجديد غرامة تتراوح بين سبعة آلاف وأربعة عشر ألف دولار، لكل مؤسسة إعلامية تتلقى دعما أو تمويلا جزئيا أو كليا، مباشرا أو غير مباشر، من طرف أي هيئة أجنبية، ونفس العقوبة تسلط أيضا على أي مؤسسة تتلقى تمويلا داخليا دون أن توضح ذلك في ارتباطها العضوي مع الهيئة الممولة.

وهو ما يؤكد وضعية الإعلامي ومالك موقع “مغرب إيمارجنت” و”راديو أم” القاضي إحسان، المحكوم عليه بخمس سنوات سجنا نافذا، بتهمة تلقي أموال من جهات خارجية لتمويل شركته الإعلامية، والتي ثبت حسب محاميه أن الأمر يتعلق بـ25 ألف جنيه إسترليني، قامت بصبها ابنته المهاجرة في بريطانيا والشريكة في آن واحد مع والدها في الشركة.

وترك القانون الجديد اللبس قائما في متابعة الجرم الصحفي بين القانون العام وقانون الإعلام، ولذلك فإن عقوبة السجن المقرونة بظروف النشر التي لم تكن مدرجة في القوانين السابقة لم يتم تأكيدها ولا نفيها لتبقى بذلك واردة في ظل معالجة العديد من القضايا والمخالفات الصحفية في إطار القانون العام، والتي زجت بأصحابها في السجن، كما حدث مع الصحافي بلقاسم هوام، من صحيفة “الشروق” الخاصة، بسبب نشر تحقيق حول ظروف غير صحية تكتنف تصدير كميات من التمر الجزائري إلى فرنسا.

وهدف المشرع إلى تعدد السقوف والهوامش التي يتحرك الإعلام الجزائري تحتها وضمنها، وترك المسألة لتأويل وقراءات السلط المختصة، بسبب اعتماد ضوابط فضفاضة ومطاطية يمكن أن تضيق أو تتمدد حسب حاجة المشهد، الأمر الذي يزيد من التضييق على المبادرات الفردية والاجتهادات الخاصة في تناول مختلف القضايا.

حرية الصحافة على المحك
حرية الصحافة على المحك

ونص البند الثالث من القانون الجديد على ممارسة الإعلام في الجزائر، ضمن النصوص الدستورية والتشريعية القائمة، في إطار احترام جملة من المبادئ والقيم والثوابت، على غرار “الدين الإسلامي والمرجعية الدينية الوطنية، والديانات الأخرى، والهوية الوطنية والثوابت والقيم الدينية والأخلاقية والثقافية للأمة”.

وأضيفت إليها “السيادة والوحدة الوطنية ووحدة التراب الجزائري، ومتطلبات النظام العام والأمن والدفاع الوطني، ومقومات ورموز الدولة، والمصالح الاقتصادية للبلاد، وسرية التحقيق الابتدائي والقضائي، وحق المواطن في إعلام نزيه وموضوعي”.

واللافت في هذه المضامين صعوبة تحديد المحتويات والمصطلحات، نظرا إلى طابعها الخلافي أصلا داخل المجتمع، حيث تتفاوت النظرة والقيمة بين شخص وآخر وبين تيار وآخر، وتضيق مساحات الفكر النقدي فيما يتعلق ببعض المسائل الدينية واللغوية والثقافية، الأمر الذي يكرس أحادية تزول فيها الفوارق والاختلافات الطبيعية.

وقد ثبت على مر العقود الماضية عدم وجاهة بعض الطروحات الرسمية التي كانت تحتم على الإعلام السير في منوالها، وإلا صنف في خانة المتمرد على القانون؛ فمنذ مدة وجيزة ألغى الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة ذكرى “التصحيح الثوري” الذي رسمه الرئيس الذي سبقه هواري بومدين، بمناسبة اليوم الذي انقلب فيه على الرئيس الأول للبلاد أحمد بن بلة، في 19 يونيو 1965.

كما أعاد الاعتبار لشخصية مصالي الحاج، الذي يوصف بقائد التيار الاستقلالي خلال الحركة الوطنية في الجزائر، لكنه صنف ضمن “الخونة والعملاء”، بسبب خلافه مع جبهة التحرير قبل اندلاع ثورة التحرير، وظل على ذلك النحو إلى غاية قدوم الرئيس بوتفليقة، الذي ثمّن شخصية وتاريخ ودور الرجل في تاريخ الجزائر الحديث.

وهاتان العينتان هما وجه من أوجه الأحادية السياسية والإعلامية التي عادت بقوة من خلال هذا القانون الذي جرد الصحافيين من هوامش المبادرة وممارسة دورهم المضاد، بتسليط الضوء على الزوايا الرمادية في مختلف القضايا، وجعلهم مجرد تابع للخطاب الرسمي، بدل مكانهم الطبيعي كسلطة رابعة.

5