قانون إعلام سوري "عصري" لم يحسم مصير وزارة الإعلام

الحريات أسيرة محظورات لم تتبدل في القانون الجديد.
الخميس 2022/11/10
المهم الواجهة الصحافية

خرج قانون الإعلام السوري الجديد إلى النور أخيرا، مرفقا بإشادة حكومية باعتباره قانونا يتماشى مع العصر وتطور الإعلام، بخلاف وجهة نظر صحافيين اعتبروا أن القانون مازال دون طموحهم.

دمشق - أعلنت الحكومة السورية عن موافقتها على مشروع قانون الإعلام الجديد، الذي تأخر لسنوات وكان منتظرا أن يعالج الثغرات في القوانين السابقة ويفتح هامشا للحريات ولو صغيرا.

وقالت الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة إن المشروع يهدف لإيجاد قانون عصري يتماشى مع التطورات الحاصلة في مجال الإعلام والاتصال، وخاصة في الأمور الإجرائية التي لم يشملها القانون النافذ والمتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي واعتماد مكاتب إعلامية لوسائل الإعلام غير السورية ومراكز البحوث الإعلامية واستقصاء الرأي ومراكز التدريب.

وأضافت الرئاسة أنه تم استدراك جميع الملاحظات على المشروع في جلسة سابقة ليكون متكاملا ويناسب بيئة العمل الإعلامي المعاصر بمختلف جوانبه.

وتنوي الحكومة من خلال القانون الجديد زيادة تراخيص وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، إذ تعتبر أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست وسائل إعلامية، فيما ينحصر دورها فقط بوسائل الإعلام المعتمدة أو المرخصة من وزارة الإعلام.

ويتضمن القانون الجديد مقترحا لتنظيم عمل الصفحات الاحترافية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تقدم خدمة إعلامية ولها رئيس تحرير ومدير تحرير، يضاف إلى ذلك مقترح حول تحديد من هو الإعلامي وعلى من تطلق هذه الصفة ضمن القانون الجديد.

لكن مصادر مطلعة قالت إن القانون يعاني من جملة من المشاكل بدءا من مناقشته انتهاء بخلاصته، إذ أن اللجنة المكلفة بصياغة قانون الإعلام الجديد تفاجأت بتشكيل لجنة ثلاثية أخرى لدراسة مقترحاتها، مكونة من وزير الإعلام ووزيرة السياحة ووزير الاتصالات، الأمر الذي أثار الانتباه لعدم اكتمال دائرة الاختصاص في اللجنة الوزارية، وبالتالي وقوفها عند بعض المقترحات التي من شأنها أن تحرف القانون عن مساره العام الذي من المفترض أن يكون قانونا عصريا يحاكي ما يتطلع إليه الإعلاميون السوريون، ويتقدم أيضا على مثيلاته في الدول المتقدمة من حيث روح القانون ومضمونه، بحسب وصف رئاسة الحكومة.

واعتبر الإعلامي وضاح عبدربه رئيس تحرير صحيفة الوطن السورية وعضو لجنة صياغة قانون الإعلام الجديد أن اللجنة المكلفة بالوقوف على دراسة مقترحات لجنة صياغة القانون مثيرة للانتباه،

وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن اللجنة تتألف من وزير الإعلام ووزير الاتصالات ووزيرة السياحة، وتساءل ما الهدف من وجود وزيرة السياحة ضمن اللجنة وهي بعيدة كل البعد عن الاختصاص؟ مع الاحترام لشخصها ومركزها من المسؤولية إلا أن ذلك لا يمنحها الحق وحسب الاختصاص من إجراء التعديلات على مسودة القانون، كذلك بالنسبة إلى وزير الاتصالات، والذي اعتبر وجوده لا يخدم سوى الناحية أو الجانب “الفني” لوسائل الإعلام الإلكتروني فقط دون غيرها.

ومن ضمن المقترحات التي قدمتها اللجنة المكلفة بصياغة القانون إنشاء المجلس الوطني للإعلام، حيث وصلت من اللجنة المكلفة بدراسة القانون بعض النقاشات التي دارت حول تبعية المجلس والوقوف عند نقطة هامة وهي استقلالية المجلس عن وزارة الإعلام، إلا أن ما دار من نقاش حتى الآن لم يقر بشكل نهائي.

وأوضح عبدربه أن اللجنة المكلفة بصياغة القانون اقترحت أن يبلغ عدد أعضاء المجلس 11 عضوا، بينما أصبح الآن 9 أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية، منوها في الوقت نفسه إلى أن هناك خلطا بين تشكيل المجلس الوطني وإلغاء وزارة الإعلام، فاللجنة لم تطالب بإلغاء وزارة الإعلام، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يبقى المجلس مستقلا غير تابع لسلطة
تنفيذية.

وضاح عبدربه: هناك خلط بين تشكيل المجلس وإلغاء وزارة الإعلام
وضاح عبدربه: هناك خلط بين تشكيل المجلس وإلغاء وزارة الإعلام

وما يزال الخلاف حاليا حول إلغاء منصب وزير الإعلام، لأن الوزير يعتبر الناطق الرسمي للحكومة، وليس الناطق باسم الإعلام السوري، واللجنة لم تقدم أي مقترح لإلغاء وزارة الإعلام على اعتبار أنها تعمل وفق مسؤوليات تتعلق بجوانب كثيرة تخص الوسائل الإعلامية.

كما يواجه القانون الجديد ثغرة أخرى تتمثل باعتراض القضاء السوري على بعض البنود الواردة فيه ومنها عدم سجن الصحافي واستبدال عقوبة السجن بالغرامة المالية الكبيرة، حيث رفض القضاء هذا البند على اعتبار أنه يتعارض مع قانون العقوبات.

ومن وجهة النظر القانونية فإنه في حال وجود أي مادة في أي قانون تتعارض مع قانون العقوبات فعندئذ يؤخذ بالقانون الأشد، ما يعني أن جميع البنود التي تمنح الصحافي عقوبات مخففة أو تزيد من هامش حرية الرأي والتعبير ستصطدم بقانون العقوبات الذي سيجعل القانون الجديد مجردا من مضمونه.

وما يزال قانون الإعلام الجديد يتضمن محظورات النشر نفسها الموجودة في القانون القديم، إذ يحظر إنتاج أو نشر أو بث أي محتوى من شأنه الإساءة إلى الديانات السماوية والمعتقدات الدينية أو المساس بالوحدة الوطنية.

ويمنع أي محتوى من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية أو التحريض على ارتكاب الجرائم وأعمال العنف والإرهاب أو التحريض على الكراهية والعنصرية.

ويقول صحافيون سوريون إن “العمل الصحافي يتم تقييده بهذه المحظورات سابقا، إذ أن الكثير من الصحافيين قد واجهوا عقوبات واستدعاءات أمنية عند حديثهم عن مواضيع تمس التقصير الحكومي، والتي تم اعتبارها تخل بالأمن الوطني، أو أنهم قاموا بنشر أخبار كاذبة”.

كما أن أهم النقاط الواردة في القانون هي عدم مساءلة الصحافي والكشف عن مصدر معلوماته إلا إذا وصل الأمر إلى القضاء، واعتبر الصحافي أن هذه النقطة غير واقعية لصعوبة الحصول على المعلومة من المصادر الرسمية.

وبالنسبة إلى النقطة التي تحدثت عن محظورات النشر ولاسيما في ما يتعلق بالكتب والمراسلات الرسمية التي تحمل صفة “سري”، قال الصحافي إن مثل هذه البنود لا بد وأن تخضع لقانون آخر تحت مسمى “قانون تداول المعلومات” خاصة بوجود نوع من الكتب والمراسلات التي لا يعطى الحق بنشرها إلا بعد مرور زمن طويل قد يتجاوز 4 سنوات.

وذكرت مصادر مطلعة أن المقترحات التي وُضعت على طاولة نقاش القانون في معظمها تقليدية، ولا تختلف كثيرا عن الموجود، بينما لم يتم تعديل البيئة التشريعية للعمل الإعلامي، الذي كان أحد أهمّ مطالب العاملين في هذا المجال خلال السنوات الماضية، والذين تعرّضوا لكثير من التضييق والانتهاكات، التي كان أبرزها معاملتهم وفق القانون العام وليس الخاصّ، ما جعل سيف قانون جرائم المعلوماتية مسلطا على رقابهم.

16