قانون أردني يكبل النواب ويجعلهم رهينة لمواقف أحزابهم

نص قانوني إضافي يزيد من التضييق على النواب ويدفعهم إلى تجنب إبداء أي موقف مخالف.
الجمعة 2024/04/19
معارضة شديدة

عمان - يثير نص قانوني يقضي بإمكانية فصل الحزب للنائب الذي ينتمي إليه من البرلمان، جدلا في الأردن، حيث يرى خبراء أن النص “سقطة كبيرة”، ولا يتوافق مع أساسيات النظام البرلماني الذي قام عليها الدستور الأردني.

وأعلن وزير الشؤون السياسية والبرلمانية حديثة الخريشة قبل أيام أن القانون يخول للحزب فصل النائب الذي لا يلتزم بفكره وبرنامجه.

واستند الخريشة في ذلك على الفقرة الرابعة من المادة الثامنة والأربعين من قانون الانتخاب رقم أربعة لسنة 2022، والتي جاء فيها “إذا استقال النائب الذي فاز عن القائمة الحزبية من الحزب الذي ينتمي إليه أو فُصل منه بقرار اكتسبَ الدرجة القطعيّة يتم ملء مقعده من المرشح الذي يليه من القائمة ذاتها التي فاز عنها، وإذا تعذّر ذلك يتم ملء المقعد من القائمة التي تليها مباشرة بالنسبة وضمن الترتيب المنصوص عليه في هذا القانون”.

ويرى منتقدو النص القانوني أنه يتعارض وروح الدستور الأردني لجهة أن النائب يمثل الأمة، وليس طرفا أو حزبا معينا، كما يرون في النص تعسفا على النائب الذي قد تتعارض مواقفه وأراؤه من قضايا أو ملفات مع حزبه، ليجد نفسه بين معضلتين فإما مسايرة الحزب الذي ينتمي إليه أو الفصل.

واعتبر الوزير الأسبق والفقيه الدستوري الدكتور نوفان العجارمة أن مسلك المشرع الأردني يشكل سقطة، وفيه مخالفة للدستور لعدة أسباب.

وبين العجارمة أن من المستقر فقها وقضاء أن المشرع العادي يملك سلطة تقديرية واسعة في مجال تنظيم الحقوق وتحديد مجال الحريات التي تقبل تحديد الأطر والضبط، بشرط ألا تنفصل تلك النصوص التي يقوم بوضعها عن الأغراض المخصصة لها وأن تكون مستندة إلى أسس موضوعية لا تحكمية، وهذا لم يفعله المشرع الأردني في قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2022، كونه تجاوز نطاق صلاحياته، فقانون الانتخاب هو قانون إجرائي يتعامل مع المركز القانوني للناخب والمرشح فقط – المرحلة الأولى – حيث يبدأ دوره من تحديد موعد الانتخابات مرورا بإجراءات الترشح والاقتراع وينتهي دوره بإعلان النتائج، ولا يتجاوز المشرع هذا الحد.

نوفان العجارمة: لا يجوز أن يبقى النائب أسيرا لمصالح حزبه الضيقة
نوفان العجارمة: لا يجوز أن يبقى النائب أسيرا لمصالح حزبه الضيقة

وأوضح أن قواعد تفسير الدستور تختلف عن قواعد تفسير القانون العادي، فما نص عليه الدستور مسموح، وما لم ينص عليه فهو محظور، وبالتالي لا يتم الأخذ بقواعد تفسير القاعدة القانونية العادية القائلة “إن الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد دليل التحريم نصا أو دلالة” (قرار المجلس العالي رقم 2/2008)، وحيث حدد المشرع الدستوري حالات انتهاء عضوية مجلس النواب حصرا (وهي الاستقالة والفصل والوفاة) ولم يفوض المشرع العادي بغيرها من الحالات، فإن إضافة حكم جديد في قانون الانتخاب يتضمن حق الحزب في فصل النائب الذي ينتمي إليه تعد إضافة غير جائزة لنصوص الدستور.

وشدد على أن السماح للحزب بفصل النائب الذي ينتمي إليه، لا يتوافق مع مبادئ النظام البرلماني التي قام عليها الدستور الأردني لسنة 1952 ومنها مبدأ سيادة الأمة، فالأمة مصدر السلطات وفقا لأحكام المادة 24 من الدستور، ففي النظام البرلماني الأردني النائب يمثل الأمّة بكاملها، وهو ليس ممثلا للدائرة الانتخابية التي أوصلته إلى قبة البرلمان، وليس وكيلا عن هذه الدائرة، ولا يمثل النائب منطقة معينة أو طائفة أو حزبا معينا، وإنما يمثل الوطن بكل فسيفسائه، والنيابة لا تُقيّده بأي شروط سابقة، فالنائب يصبح في حلّ من كل قيد بعد انتخابه، إلا ما ارتضاه هو عن قناعة ولا يجوز أن يبقى أسيرا لمصالح حزبه الضيقة.

واستدل الخبير الدستوري على ذلك حينما خسر الأردن الضفة الغربية في حرب 1967، حيث استمر نواب الضفة في عضويتهم في مجلس النواب الأردني، باعتبارهم يمثلون كامل الوطن، ولم يقل أحد بأنهم يمثلون رقعة جغرافية معينة، وكذلك الأمر، عندما قامت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية باحتلال إقليم “الألزاس واللورين” من فرنسا، استمرت عضوية نواب هذا الإقليم في المجلس النيابي الفرنسي لأنهم يمثلون الأمة.

ويأتي الجدل المثار حول إمكانية فصل الحزب للنائب الذي ينتمي إليه في خضم استعدادات لإجراء انتخابات تشريعية هي الأولى للمملكة منذ التعديلات التي أدخلت على المنظومة السياسية، والتي تفسح المجال أمام الأحزاب للفوز بالنصيب الأكبر من المقاعد، بعد أن كانت العشائر هي المهيمنة على المجلس طيلة العقود الماضية.

  وتعرض عدد من النواب في المجلس الحالي للفصل بسبب مواقف سياسية عبروا عنها، ومن شأن النص القانوني الإضافي أن يزيد، وفق مراقبين، من التضييق على النواب ويدفعهم إلى تجنب إبداء أي موقف مخالف، أو لا يرتضيه حزبه، وهذا يشكل إضعافا للبرلمان ودوره، وتكميما للأفواه.

2