قانونا الدين العام والسحب من صندوق الأجيال يختبران صلابة الهدنة بين الحكومة في الكويت ومجلس الأمة

الحكومة تحيل المشروعين إلى المجلس وسط صمت يخفي الكثير من المعارضة.
السبت 2022/11/26
هل يجد الشيخ أحمد النواف نفسه أمام مقايضة من الصعب تمريرها

التزمت المعارضة في مجلس الأمة الصمت حيال إحالة الحكومة لمشروعي الدين العام، والسحب من صندوق الأجيال إلى المجلس، ما يثير قلقا لدى البعض من أن تعمد المعارضة النيابية التي تنتمي في معظمها إلى التيار الإسلامي إلى نوع من المقايضة لتمرير مشاريع تهدد الحريات والمكتسبات الحقوقية في الدولة الخليجية.

الكويت – تقول أوساط سياسية كويتية إن الموقف من قانوني الدين العام والسحب من صندوق الأجيال يشكل الاختبار الحقيقي لمدى صلابة الهدنة القائمة بين الحكومة التي يقودها ابن الأمير أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، وبين مجلس الأمة الذي تسيطر عليه المعارضة.

وأحالت الحكومة الكويتية إلى مجلس الأمة خطة التنمية السنوية (2023/ 2024) التي تضمنت ثمانية وثلاثين مشروعا نيابيا، بينها “الدين العام” و”السحب من صندوق الأجيال”، وهما مشروعان سبق وأن أبدى مجلس الأمة السابق تحفظات كبيرة عليهما، مطالبا حكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح حينها بوضع خطة إصلاحية واضحة تعالج مكامن الخلل وتسد منافذ الفساد بدلا من الذهاب إلى الحلول الجاهزة.

وتوضح الأوساط أن تمسك الحكومة الحالية بعرض هذين المشروعين في هذا التوقيت على الرغم من الوفرة المالية التي تشهدها الدولة الخليجية في علاقة بارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، يأتي ضمن خطة شاملة لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة.

وتلفت الأوساط نفسها إلى أن هناك حاجة ملحة لإقرار قانون الدين العام، حتى تتمكن الحكومة من اللجوء إلى الأسواق الدولية في وقت الأزمات، كما هو الشأن بالنسبة إلى السحب من صندوق الأجيال.

مخاوف لدى البعض من الكويتيين من أن تسلك المعارضة النيابية سياسة المقايضة والابتزاز للقبول بتمرير المشروعين

ويسمح قانون الدّين العام بالاستفادة من الأسواق الدولية والحصول على المزيد من القروض، لتغطية أي عجز متوقع في السنوات المقبلة، ومنذ انتهاء العمل بالقانون السابق في أكتوبر 2017، يرفض نواب المعارضة مناقشة تجديده.

كما ترفض المعارضة أي نقاش بشأن السحب من صندوق الأجيال، وسبق وأن رفضت مع الحكومة السابقة طلبا بسحب 16.5 مليار دولار من الصندوق السيادي الكويتي في العام الماضي، وهو الطلب الأول منذ حرب الخليج للمساعدة في تمويل عجز الموازنة حينها.

ويضم صندوق الأجيال القادمة أصولا خارجية بالمئات من مليارات الدولارات، وكان من المعتاد تحويل 10 في المئة من إيرادات الدولة إليه سنويا، قبل أن تقع الميزانية في العجز مع انخفاض أسعار النفط وأزمة كورونا ما أدى إلى تعليق التحويل في العام 2020.

ويهدف صندوق الأجيال القادمة الذي تقدر أصوله بنحو 600 مليار دولار، وتديره هيئة الاستثمار الكويتية، إلى حماية ثروة الدولة الخليجية لفترة ما بعد النفط.

ويرى مراقبون أن فرصة موافقة نواب المعارضة في المجلس الحالي على تمرير المشروعين تبدو واردة، حيث أن موقف النواب المتشدد في السابق، كان ذا خلفيات سياسية في علاقة برفضهم لحكومة الشيخ صباح الخالد، وسعيهم للإطاحة بها.

وشهدت الكويت خلال العامين الماضيين صراعا مستحكما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأجرت الدولة الخليجية انتخابات مبكرة يوم التاسع والعشرين من سبتمبر بعد أن قدمت حكومة الشيخ صباح الخالد استقالتها وحل ولي عهد البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح مجلس الأمة في محاولة لإنهاء الأزمة السياسية بين الحكومة والمجلس التشريعي أعاقت الإصلاحات المالية.

وحرص رئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف منذ البداية على كسب ود نواب المعارضة، عبر إشراكهم في عملية اختيار الوزراء، وإقصاء الوجوه التي هي محل جدل وخلاف، كما اتخذ جملة من الخطوات لتعزيز الثقة مع المجلس من بينها إعادة تفعيل مرسوم العفو العام.

ولم يصدر نواب المعارضة حتى الآن أي موقف بشأن إحالة الحكومة لمشروعي “الدين العام”، و”السحب من صندوق الأجيال”، على خلاف ما كان يحصل في السابق، وسط مخاوف لدى البعض من أن تسلك المعارضة النيابية سياسة المقايضة والابتزاز للقبول بتمرير المشروعين.

وتظهر هذه المخاوف خاصة لدى النشطاء الحقوقيين، الذين حذروا مؤخرا من أن هناك تمشيا لنواب المعارضة، ومعظمهم من الإسلاميين، إلى تعديل دستوري يشدد على الشريعة الإسلامية.

وأعلن النائب عن “تجمع ثوابت الأمة” (سلفي) محمد هايف المطيري مؤخرا عن حصوله على تواقيع 27 نائبا من أصل خمسين نائبا، لتقديم طلب برلماني لتعديل المادة التاسعة والسبعين من الدستور الكويتي، وذلك لحماية هوية المجتمع الإسلامية، وفق تعبيره.

وتنص المادة التاسعة والسبعون من الدستور الكويتي على أن “لا يصدر قانون إلا إذا أقرّه مجلس الأمة، وصدّق عليه الأمير”. ويريد النائب السلفي إضافة عبارة “وكان موافقا للشريعة الإسلامية” في نهاية نص المادة.

وأوضح المطيري خلال حديثه عن ضرورة هذا التعديل بأنه يعدّ “موقفا تاريخيا وشرعيا”، وذلك لحماية مجتمع الكويت مستقبلا، وفق تعبيره. وحذر مما اعتبرها “خطورة انتشار الثقافة الغربية في أوساط المسلمين”، وحتى لا يقع الشباب في الكويت “ضحية عرض قوانين مخالفة للشريعة”، ودعا باقي أعضاء مجلس الأمة إلى المشاركة في التوقيع على طلبه بالتعديل الدستوري.

وتمنح المادة 174 من الدستور الكويتي “للأمير وثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور، بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو إضافة أحكام جديدة إليه”، ولكن تشترط لإقرار التنقيح “موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره”.

مراقبون يرون أن فرصة موافقة نواب المعارضة في المجلس الحالي على تمرير المشروعين تبدو واردة

ويرى نشطاء أن هناك خشية حقيقية من أن يعمد االنواب الإسلاميون، وهم يشكلون الأغلبية حاليا في البرلمان، إلى مقايضة السلطة السياسية بالموافقة على مشاريعهم الهوياتية، في مقابل تقديم تنازلات بشأن قوانين جوهرية لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية.

وفي سبتمبر الماضي، وقبيل موعد إجراء الانتخابات التشريعية في الكويت، برزت إلى الواجهة ورقة عرفت باسم “وثيقة القيم”، وخلقت جدلا واسعا على الساحة الكويتية لما تضمنته من بنود خطيرة تمس بجانب الحريات.

وتشمل بنود الوثيقة “تأييد المشاريع والقوانين الإسلامية والقيمية التي يقدمها النواب بمجلس الأمة، والعمل على تطبيق قانون منع الاختلاط وفصل مباني الطلاب عن مباني الطالبات، ورفض المهرجانات الهابطة وحفلات الرقص المختلطة المخالفة للآداب والذوق”.

كما تشمل “رفض المسابح والنوادي المختلطة في الفنادق وغيرها وتشديد الرقابة على محال المساج (التدليك)، والعمل على تفعيل قانون اللبس المحتشم في الجامعة… والعمل على وقف الأنشطة المتعلقة بخرافات الطاقة والممارسات الوثنية المعلنة”.

3