قاسم سليماني نجم البروباغندا الإيرانية لجذب الشباب

كرمان (إيران)- في حافلة لزيارة قبر القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في جنوب شرق مدينة كرمان، ناقشت إحدى السيدات وتدعى هدى مع آخرين ما سيصلّون من أجله عندما يصلون إلى ما وصفوه بـ”المكان المقدس”.
وتقول مراسلة صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية نجمة بوزورغمهر إنه وبعد مرور أكثر من عامين على مقتل أقوى قائد عسكري إيراني في غارة أميركية بطائرة مُسيّرة في بغداد، اكتسب سليماني “مكانة أسطورية شبه مقدسة” في إيران.
وبعد عقود من الثورة في إيران عام 1979، تحارب اليوم طهران من أجل كسب تأييد الأجيال الشابة لقضيتها الثورية، إذ يأمل قادتها في إعادة تنشيط القوات الموالية للنظام من خلال تمجيد سليماني، وهو رجل من خلفية متواضعة رفعته الثورة ليصبح شخصية عسكرية مهمة.
وفي مطلع يناير الحالي نظمت إيران ما سمته بـ”أسبوع المقاومة” إحياء لذكرى اغتيال سليماني. ورفعت لافتات ضخمة له وقالت إنها وفرت إقامة مجانية وطعاما لما يصل إلى 25 ألف “حاج” إلى قبره. كما عرضت دور السينما فيلما وثائقيا عن حياته بشكل مجاني.
◄ داخل منطقة الشرق الأوسط، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بدا أن الجيوش الإلكترونية على قدم وساق ومهمتها الأساسية تحويل سليماني إلى بطل في المخيال الشعبي
وتجمع الآلاف من المؤيدين في العاصمة طهران للاحتفال بالذكرى السنوية لاغتياله في الثالث من يناير، وانضم إليهم الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي الذي تعهد بالانتقام من السياسيين الأميركيين.
وحالة سليماني هذه جديدة على الدعاية الإيرانية، حيث حرصت طهران طوال عقود على إبقاء القيادات العسكرية في الظل خوفاً من تصاعد شعبيتهم أو محاولة الانقلاب على حكم الملالي ورجال الدين. وحسب محلل إصلاحي فإن الجنرال السابق بات يوصف بأنه “محارب غير تقليدي، لا يدع أعداء إيران ينامون بهدوء وأبعد التوترات عن حدود إيران”، مضيفاً أنه “في وضع جيد كي يتحول إلى قائد أسطوري”.
وقال المحلل السياسي الإصلاحي “يتم استخدام ذكرى سليماني كدماء جديدة للمساعدة في الحفاظ على المزاج الثوري وجذب الموالين الشباب الجدد”. وأضاف “سليماني هو قصة محدثة وهو الشخصية البارزة الوحيدة التي قتلت مباشرة على يد الولايات المتحدة، مما يزيد من مكانته”.
لكن وعلى الرغم من الدعاية المكثفة من جانب النظام الإيراني التي تهدف إلى تحويل قاسم سليماني إلى رمز بين الإيرانيين، فإن ما تشهده شوارع طهران يثبت فشل حملة البروباغندا هذه لدى فئة من الإيرانيين.
ونشر مغردون وصفحات إيرانية معارضة صورا من شوارع العاصمة الإيرانية طهران، حيث بدأت رسومات غرافيتي معارضة في الانتشار في الأماكن العامة.
ونشرت حركة “فرشغرد” الإيرانية المعارضة رسومات الغرافيتي لقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني على هيئة شيطان مكتوبا عليها:
iranfarashgard@
جزار سوريا والعراق، قاتل الأطفال.
وجاء في تغريدة للمجلس الإيراني للانتخابات الحرة:
Iranncorg@
بالرغم من جهود النظام الإسلامي لتقديس وتحويل سليماني إلى بطل، فإن الشعب يعلم جيدا أنه كان إرهابيا خطيرا وقاتلا للأطفال.
وداخل منطقة الشرق الأوسط، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بدا أن الجيوش الإلكترونية على قدم وساق ومهمتها الأساسية تحويل سليماني مهندس انتشار الفساد والطائفية في الدول العربية الخاضعة لإيران على غرار العراق، إلى بطل في المخيال الشعبي.

طهران حرصت طوال عقود على إبقاء القيادات العسكرية في الظل خوفاً من تصاعد شعبيتهم
وفي لبنان يحاول حزب الله تصوير الجنرال الإيراني كمقاوم يستعد لتحرير فلسطين، في وقت كانت فيه ميليشياته ولا تزال تقتل المدنيين في سوريا والعراق واليمن. ويبدو أن الجيوش الإلكترونية من منطلق معرفتها بنفسية المجتمعات العربية ومكامن تأثرها تنشر منشورات عاطفية لتغييب العقل.
وباتت إيران تعطي بعدا دينيا وتاريخيا لسياستها في المنطقة، من خلال توظيف مفاهيم “الدفاع عن المقدسات، تحرير القدس، محاربة الاستكبار، نصرة المستضعفين”، دون أن تنسى الزج بـ”الشيطان الأكبر”، وغيرها من المفاهيم التي تمنح التمدد الإيراني شرعية القفز على سيادة وحدود الدول. ومن طريقة كتابة المنشورات وعرضها يبدو أن محترفين هم من يديرون هذه الصفحات.
ويقول مراقبون إن الدعاية الإيرانية المعاصرة “دعاية عقائدية أيديولوجية” موجّهة للعرب والمسلمين بشكل رئيسي، كونها تريد الاستحواذ على العقيدة الإسلامية، والسيطرة السياسية والجغرافية في الدول العربية التي تتواجد فيها قطاعات واسعة من المسلمين. وتلعب الدعاية كإحدى أدوات “الردع الناعم”، دورا كبيرا في إجبار الشعوب على تغيير قناعاتها بالشكل الذي يخدم مصالح إيران. وتوظف إيران ميزانيات مالية ضخمة لوسائل الدعاية والإعلام، إذ تمتلك العشرات من القنوات الناطقة بالعربية.
ويقوم بصياغة الدعاية الإيرانية جهاز خاص يطلق عليه اسم “مجلس الخبراء والإرشاد وصياغة الدستور” ويتولّى قيادته المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.