قاآني في بغداد لاحتواء التصدع بين السوداني والإطار التنسيقي

قائد "فيلق القدس" الإيراني يجتمع ببعض قادة الفصائل المسلحة العراقية مع تلويح إسرائيل بعملية عسكرية برية ضد حزب الله في جنوب لبنان.
الأربعاء 2024/09/18
زيارة غير معلنة في توقيت حساس

بغداد - أجرى قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني زيارة غير معلنة إلى العاصمة العراقية بغداد، عقد خلالها عددا من الاجتماعات مع قادة سياسيين ضمن الإطار التنسيقي، إضافة إلى قادة بعض الفصائل المسلحة العراقية المدعومة من طهران. وفق ما أفادت وسائل إعلام عراقية مساء الثلاثاء.

ونقلت وكالة "شفق نيوز" عن مصدر سياسي قوله بأن قاآني انخرط فور وصوله بعقد اجتماعات "منفردة ومجتمعة" مع قادة الفصائل المسلحة الموالية لإيران.

وأوضح المصدر، أن قاآني التقى برئيس منظمة بدر هادي العامري، والأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وقائد كتائب حزب الله العراقي حسين الحميداوي وآخرين.

وأفاد موقع "بغداد اليوم" نقلا عن مصادر مطلعة على الأمر، بأن قاآني زار بغداد قبل ثلاثة أيام في زيارة غير معلنة، رافقه عدد محدود جدا من المرافقين وعقد خلالها خمسة لقاءات حصرية مع نخب سياسية في بغداد.

وأضافت المصادر أنه "رغم السرية المشددة التي أحاطت بالزيارة، لم يتم تأكيد لقاء قاآني مع قادة الفصائل حتى الآن، ولم تُعرف تفاصيل الملفات التي نوقشت في هذه اللقاءات، إلا أنها تناولت على الأرجح قضايا سياسية وأمنية متعددة تهم بغداد وطهران".

وأوضحت المصادر أن "اللافت في هذه الزيارة هو أن قاآني غادر بغداد بعد ساعات معدودة، وهو أمر يحدث لأول مرة، وربما يعود ذلك إلى الأوضاع الأمنية العامة"، مشيرة إلى أن "الزيارة تميزت بسرية مشددة، حيث لم تعلم العديد من القيادات بوصوله إلا قبل فترة وجيزة".

وشأن معظم الزيارات غير المعلنة لقاآني، تتضارب التكهنات غالبا في معرفة أهدافها ونتائجها، لكن المؤشرات السياسية والأمنية الراهنة ترجّح أن زيارة الجنرال الإيراني تهدف لاحتواء التصدع في العلاقة الداخلية بين قوى الإطار التنسيقي الشيعية من جهة، وبين تلك القوى ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني من جهة ثانية.

وجاءت الزيارة إثر سلسلة من الفضائح تفجّرت تباعا بوجه الحكومة بدءا من التلاعب بجداول الموازنة وإضافة تريليونات من الدنانير إليها من قبل طرف مجهول لم يتم الجزم بانتمائه إلى الحكومة أو إلى البرلمان، مرورا بفضيحة التجسس على سياسيين وبرلمانيين والمتهم فيها أفراد من الدائرة القريبة من رئيس الوزراء، وصولا إلى التطورات الدراماتيكية لسرقة القرن والمتعلقة باختلاس مبالغ كبيرة من أموال الأمانات الضريبية والتي أصبح قضاةٌ متهمين فيها إلى جانب المتهم الرئيسي نور زهير الذي يتجه نحو الإفلات من العقاب بعد أن دخلت قضيته متاهة جديدة يصعب حلّها والخروج منها.

وانتقد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، زيارة قاآني غير المعلنة مؤكدين أنه جاء لينفذ الاتفاقيات التي جاء من أجلها الرئيس الايراني مسعود بزشكيان.

وكتب الناشط باسل العيسى عبر منصة إكس "بعد زيارة بزشكيان وأخذ الاموال من موازنة العراق فضيحة 14 ترليون التي اختفت من الموازنة وتم التكتم عليها. وتوقيع عشرات المذكرات الوهمية".

وأضاف في تدوينته "جاء قاآني ليشرف على الدعم المالي واللوجستي وتمويل الحوثيين وحزب اللات (حزب الله) وحماس وتدشين مقراتهم الجديدة في بغداد  لتوزيع الأدوار".

ووصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في 11 سبتمبر الجاري، إلى العراق في أول زيارة خارجية رسمية له، بعد انتخابه رئيسا للجمهورية الإسلامية، خلفا للراحل إبراهيم رئيسي، وكان في استقبال بزشكيان في مطار بغداد الدولي، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني.

وعلى هامش الزيارة، أعلن السوداني وبزشكيان من بغداد، توقيع 14 مذكرة تفاهم بين البلدين كمقدمة "لتعزيز التعاون" الثنائي، وفيما كرر السوداني الحديث عن رفض حكومته استغلال الأراضي العراقية للقيام بأعمال تهدد أمن إيران، شدد الرئيس الإيراني على أن طهران تريد “عراقا قويا مستقرا آمنا مستقلا".

ولم تستبعد أوساط سياسة عراقية أن تكون إحدى أوليات زيارة قاآني السرية، الاجتماع بقادة الفصائل، ومناقشة الأوضاع الأمنية في المنطقة، خصوصا تطورات الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، مع تلويح إسرائيل بعملية عسكرية ضد حزب الله في جنوب لبنان، وترجح هذه الأوساط أن يكون قاآني قد حمل معه توجيهات جديدة للجماعات المسلحة الموالية لإيران، لاستئناف التصعيد ضد القواعد الأميركية في العراق.

ودخلت الساحة العراقية حالة سياسية غير مسبوقة منذ الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003، مع تعرض تحالف الإطار التنسيقي الحاكم في البلاد، المكون من مجموعة من القوى السياسية العربية الشيعية المعروفة بقربها من طهران، لخلافات داخلية ناجمة عن حصول أزمة ثقة بين أطرافه.

وتفاقمت الخلافات بسبب "خلية التجسس" التي كُشف عنها أخيرا، والتي تورط فيها موظفون في المكتب الحكومي، والمتمحورة حول عمليات تنصت طاولت هواتف مسؤولين وقضاة وأعضاء برلمان، وباشر القضاء التحقيق فيها منذ عدة أسابيع.

وكان تشكيل الإطار التنسيقي جزءا من محاولات تجاوز الأزمة التي عصفت بوحدة البيت السياسي الشيعي الذي كانت قواه مجتمعة قبل الانتفاضة الشعبية المذكورة تحت راية ما يعرف بالتحالف الوطني لكن الأخير تفكك بسبب اشتداد الصراعات على السلطة داخله.

وتشكّل الإطار إثر الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر 2021 وأفرزت تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر فائزا بـ73 مقعدا من مجمل مقاعد البرلمان البالغ عددها 329 مقعدا، وبالتالي مؤهلا للحصول على امتياز تشكيل الحكومة.

لكن تحالف عدد من الأحزاب والفصائل الشيعية ضده حال دون ذلك، وأسند تشكيل الحكومة إلى السوداني الذي لم يكن موضع غضب جماهيري باعتباره لم يكن من قيادات الصفّ الأول بينما كان يحظى بسمعة جيّدة من خلال نجاحات نسبية حققها خلال قيادته لعدد من الوزارات أبرزها وزارة الشؤون الاجتماعية في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.

ويوصف رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بأنّه المؤسس الفعلي للإطار التنسيقي وصاحب الفضل في صعود السوداني وتقدّمه إلى واجهة المشهد.

لكنّ المالكي نفسه أصبح جزءا من مشكلة عدم استقرار الحكومة الحالية واستشراء الخلافات داخلها بعد أن أصبح رئيسها يشكّل بالنسبة إليه نواة لمركز قرار وقوة سياسية ناشئة منافسة له على النفوذ ومعرقلة لطموحاته التي قد تشمل عودته لقيادة السلطة التنفيذية.