في يوم في شهر في سنة

في الانتقال من عام إلى عام جديد يضيف المرء أرقاما جديدة إلى دفتر هواتفه الذي صار هوائيا ويحذف في الوقت نفسه بأسى أرقاما لطالما اتصل بها.
السبت 2024/12/28
بعد أيام تنتهي سنة 2024

بعد أيام تنتهي سنة 2024. سنة أخرى تمر. ما معنى ذلك؟

ركام من الذكريات الجميلة والسيئة. ولكنها خسارة سنة من العمر. نحن نكبر. يوما ما كنا نتمنى لو نضيف إلى أعمارنا سنوات لنبدو أكبر. ثم ها نحن نفكر لو نحذف من عمرنا سنوات لنبدو أصغر. ولكننا في الحالين نتسلى من غير أن نفعل شيئا يمكننا أن نثق به.

في الانتقال من عام إلى عام جديد يضيف المرء أرقاما جديدة إلى دفتر هواتفه الذي صار هوائيا ويحذف في الوقت نفسه بأسى أرقاما لطالما اتصل بها.

يدندن مع نفسه وهو ينتعش بضربة هواء فيروزية “سنة عن سنة/ عم تغلا ع قلبي/ يا عهد الولدنة/ يا حلو يا حبيبي ال ما بيعك بالدني/ وكل سنة بحبك أكثر من سنة” غير أن صوت ميادة الحناوي يلح بيأسه الطربي “فاتت سنة حتى الجواب منهم موصلش” ولطالما قلنا في فرح “سنة حلوة يا جميل” وهي ترجمة لما نتخيله من صورة الفاتنة مارلين مونرو وهي تحيي حفلة عيد ميلاد الرئيس جون كندي.

لا أتوقع أن كندي وهو ينصت إلى صوت مارلين بكل فحيحه الشهواني كان يستذكر المثل العربي “أكبر منك بيوم أعرف منك بسنة” تلك هي السنة الألذ من عمره بعدها صار عليه أن يواجه قدره.

و"سنة وسنتين/ وأنت يا قلبي تقول أنا فين” كما يقول فريد الأطرش، ولا تُسأل المرأة عن عمرها بالسنوات وفي ذلك تقول فائزة أحمد “يسألوني يحلفوني أنا عمري كام سنة/ قلت عمري اللي أنا عشته هو ده عمر الهنا”. أما عبدالحليم حافظ وهو الذي بدأ عصر الرومانسية الشبابية الحديثة في العالم العربي فإن حساباته تقع في مكان آخر “في يوم في شهر في سنة/ تهدا الجراح وتنام وعمر جرحي أنا أطول من الأيام”.

وبما أن النساء لسن أم كلثوم التي تعيش وحدها زمنها الخالد فيمكننا أن نتذكر “إن فات على حبنا سنة ورا سنة حبك شباب على طول” وفي مكان آخر تقول “سنين ومرت زي الثواني في حبك أنت/ وإن كنت أقدر أحب ثاني أحبك أنت” ذلك هو الزمن الكلثومي الذي يحتاج المرء إلى موهبة عظيمة من أجل أن يعيشه.

كان سيد درويش متواضعا في طلب الوصال حين قال “زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة” وكم كانت ليلى مراد عميقة الصلة بالهوى الشرقي حين قالت “سنتين وأنا أحايل فيك ودموع العين تناديك/ يا سبب تعذيبي والاسم حبيبي”.

18