في نقد التراث

حظيت ظاهرة الأدب الإيروتيكي في التراث العربي المجهولة النسب، باهتمام ظاهر من قبل الدارسين والباحثين في التراث، الانفتاح الذي أبدته الثقافة العربية القديمة حيال موضوع الجنس على خلاف ما كانت تمارسه هذه الثقافة حتى وقت قريب من مصادرة عليه، حتى تحول إلى الأقنوم الثالث في محرمات هذه الثقافة. لكن هذا الاحتفاء الذي أريد منه إبراز عنصر المفارقة في ثقافتنا الراهنة، تجاهل عن عمد أو عن غير عمد مسألة جوهرية، أنها كتب كتبها مؤلفوها المجهولون لخدمة الفحولة، وتعزيزها وتمجيدها كما هو واضح من الموضوعات التي تبحث فيها هذه الكتب.
تغيب المرأة تماما عن هذه الكتب تأليفا وغاية إلا بوصفها موضوعا وهدفا لإشباع ملذات هذه الفحولة وتأكيدها والاختيارات الأفضل لممارسة هذه الفحولة وتحقيق إشباعها، وكأن جسد الأنثى هو مجرد وسيلة لتحقيق هذا الإشباع، بل ثمة تفضيل جسدي بين هؤلاء النساء، من أجل هذه الغاية، تقوم هذه الكتب بشرحها والإفاضة في توصيفها.
إن قراءة كتب الجنس العربية في سياقها التاريخي، تبرر هذه المركزية الذكورية، لكن تحميل هذا التراث دلالات تخص مفهوم الحرية الذي كان شائعا، ينفيه وجود أسماء كتاب مجهولين عليها. لقد تجاهل أغلب الدارسين موقع المرأة في هذه الكتب، بوصفها مجرد جسد مشتهى من جهة، ودائم التشهي والتطلب من جهة أخرى، لتظل رمزية الفحولة في الحالين، هي عنوان هذه العلاقة ومحورها، الذي تجتهد هذه الكتب في تمجيدها.
وهكذا تأخذ العلاقة الجسدية في هذه المؤلفات طابعا حسيا صرفا ومغالى فيه، بحيث تختصر العلاقة بين المرأة والرجل على هذا الأساس من الشهوة وطرائق إذكائها، في حين تغيب الجوانب الروحية والعاطفية عن العلاقة. لذلك كثيرا ما تناولها بعض الدارسين في سياق موضوع آداب الجنس عند الرجل لتظل المرأة هي الغائبة كشريك في هذه العلاقة، وحاضرة كموضوع للفعل الذكوري ليس إلا.
قد لا تكون الصورة في ثقافتنا الراهنة تغيرت كثيرا، خاصة في زمن انتصار القيم الحسية والاستهلاك، ولولا أن المرأة قد كسرت هذه القاعدة عندما دخلت حقل الكتابة والحياة الثقافية بجرأة لما وجدنا صورة المرأة تتغير عنها كثيرا، لسبب بسيط يتعلق بديمومة قيم الثقافة الذكورية، حتى في أوساط الأحزاب التقدمية، التي تحمل شعار تحرير المرأة، وهو ما عملت المرأة الكاتبة في أعمال روائية عديدة على فضحه، من خلال الكشف عن هذه الازدواجية بين السلوك والفكر.
لكن المفارقة الأكبر أن كتب هذا التراث ما زالت ممنوعة عن التداول حتى في أكثر البلدان حديثا عن التقدمية والحداثة.