في متاهة الحب

ما من أثر فني أو أدبي درس الحب بمختلف حالاته وأسبابه مثلما فعل كتاب "طوق الحمامة" لمؤلفه ابن حزم الأندلسي. يحتوي ذلك الكتاب على أخبار وحكايات وأشعار المحبين التي يمكن أن نضيف إليها قصيدة لأحمد شوقي يقول في مطلعها "نظرة فابتسامة فسلام/ فكلام فموعد فلقاء/ ففراق يكون فيه دواء/ أو فراق يكون منه الداء"، اختصر شوقي عمرا من العاطفة في تمارين يتصل بعضها بالبعض الآخر.
"في ذلك تعريف لاهث للحب أو جواب على سؤال صعب هو "ما هو الحب؟"، وقد يكون وديع الصافي محقا حين أكسب حرفي كلمة حب قوة عاطفية تغني عن الشرح "الحب هالحرفين مش أكثر"، وليس إصرار محمد عبدالمطلب على الاستمرار في الحب إلا نوع من الامتزاج بذلك اللغز المحير "حبيتك وبحبك وححبك على طول”، وللعاشق تقلباته في النظر إلى الحب كما يعبر عبدالحليم حافظ "حبيت الحب عشانك/ وكرهت الحب عشانك"، وكل شيء يقع "بأمر الحب"، وقد تتسع مساحة الحب فتشمل كل ما حولنا "وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري" حسب المنخل اليشكري وهو شاعر جاهلي.
وقد يلاحقنا الحب مثل ذنب لا يمكن نسيانه أو التملص منه على حد قول صباح “ذنبك أيه ذنبك بحبك/ هو بعد الحب ذنب”، يلوم لسان الدين بن الخطيب حبيبته لأنها جاءت في الليل متحدية أخطاره “فجاوبتني ودمع العين يسبقها/ مَن يركب البحر لا يخشى من الغرق”، أما ما الذي يحدث لنا حين نحب فذلك ما يختصره نزار قباني “يتغير حين أحبك شكل الكرة الأرضية”. غير أن كل ذلك لا يزيح شيئا من الغموض عن الحب؛ فهو حدث “عجيب وملوش أسباب” كما ورد على لسان وردة الجزائرية.
ولأن الحب يختلف في درجاته نرى العاشقين يتسابقون في ملعب وهمي وفي ذلك تقول فيروز "حبيتك مثل ما حدا حب/ ولا بيوم راح بيحب"، ويبالغ أحمد شوقي على لسان محمد عبدالوهاب "ويقول تكاد تجن به/ فأقول وأوشك أعبده"، وهكذا يترصدنا الضياع في كل محاولة لتعريف الحب.
غير أن أم كلثوم كانت الأكثر وضوحا فبعد أن تقول "حب أيه اللي أنت جاي تقول عليه/ أنت تعرف قبله معنى الحب أيه" تبدأ في إلقاء محاضرة مدرسية كما لو أنها تود أن تضع النقاط على الحروف كما يُقال "الحب هو الود والحنية/ عمرو ما كان غيرة وظنون وأسية/ الحب هو اللي في أمرو هويتك/ وأمرو لا بأيدك ولا بأيديه"، وفي "الحب كدة" تفتح أمامنا أبواب متاهة الحب بكل دروبها؛ فالحب هو "وصال ودلال ورضا وخصام". غير أن التعريف الأكثر ظرافة هو ذلك الذي ورد على لسان العراقي عبدالجبار الدراجي "الحب مو مذله/ الحب أسمى وأغلى".