في فهم تفكير ترامب

ترامب يعتقد أن الجميع مستفيد من الاستقرار الأمني الذي تقوم به الولايات المتحدة وإن كانت الصين بدرجة أكبر لذا على الجميع المشاركة ماديا في هذا الاستقرار ودفع الرسوم.
الأربعاء 2025/04/16
فن الصفقات

إذ أردت أن تعرف كيف يُفكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فما عليك إلا أن تسترجع سيرة حياته ونجاحاته السابقة باعتبارها أحد المعايير المعتمدة في تقييم الأشخاص وستجد بكل بساطة أن تفكيره مرتبط بمنهج “عقلية تاجر” المبنية على الربح والخسارة المباشرة فهي المحرك الأساسي له في سياسة بلاده الخارجية.

ولأن الرئيس ترامب عمليا لا يتحرك وفق عقيدة أو أيديولوجيا سياسية رغم أنه يمثل الحزب الجمهوري، فإنك تجد أن لديه مرونة في اتخاذ قرارات ومن ثم التراجع عنها بلا حرج، كلنا يتذكر كيف تراجع عن دعوته لتهجير أهل غزة بعدما قيّم ردة الفعل الدولية ولا أشك أنه بإمكانه أن يتراجع عن قراره الذي تفاجأ به العالم وهو فرض رسوم جمركية على كل دول العالم وإن بنسب متفاوتة، والصين النسبة الأكبر34 في المئة.

أستغرب ممن تفاجأوا بقرار ترامب الأخير بشأن فرض الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية ليس لأن القرار لا يطابق المنطق السياسي، ولا حتى منطق دولة تنادي بحرية التجارة العالمية والعولمة، ولا حتى بأن بفرض عقوبات على كل دول العام، والأكثر من ذلك غير مستغرب في طريقة وأسلوب اتخاذ القرار الأميركي الذي يفترض أنه يمر من خلال مؤسسات لتقيّم القرار من حيث تأثيره الإيجابي والسلبي على الولايات المتحدة لهذا الأسلوب، وإنما الاستغراب أن “الرجل” يعبّر عن طريقته وأسلوبه في إدارة العلاقات الدولية وهذه الطريقة معروفة منذ فترته الرئاسية الأولى والتي تتسم بـإحداث: صدمة للرأي العام العالمي وسياسييه، فقد فعلها في قرار اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني، وفعلها كذلك عندما زار كوريا الشمالية في عام 2019، لذا علينا ألا نتفاجأ في كل مرة لأن هناك حديثا عن إمكانية التفاهم مع إيران وقد يحصل، فكل شيء وارد في منطق الصفقات التجارية.

◄ ولأن الرئيس ترامب عمليا لا يتحرك وفق عقيدة أو أيديولوجيا سياسية رغم أنه يمثل الحزب الجمهوري، فإنك تجد أن لديه مرونة في اتخاذ قرارات ومن ثم التراجع عنها بلا حرج

كما تتسم قراراته بأن الأولوية فيها لمصلحة الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال يتذكر الجميع قراره بشأن إجبار أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” بزيادة مساهمتهم في أمن بلادهم من خلال زيادة مخصصات الميزانية الدفاعية بنسبة 2 في المئة من الناتج المحلي وهو أمر لم يتم في فترات سابقة. فالقرار الجديد بفرض الرسوم الجمركية على الجميع “قد” يكون منطلقه الأساسي وفق عقلية ترامب: أن الجميع مستفيد من الاستقرار الأمني العالمي الذي تقوم به الولايات المتحدة وإن كانت الصين بدرجة أكبر لذا على الجميع المشاركة ماديا في هذا الاستقرار من خلال دفع الرسوم للولايات المتحدة أو تحمل تكلفة عدم التمتع بالخدمات الأميركية.

يفترض أن مسألة إرباك ترامب لحالة العالم متوقعة من الجميع فهذا أسلوبه ونهجه، وعلى المجتمع الدولي أن يستعد لهذا الإرباك حتى بعد نهاية فترة رئاسة ترامب، فهذا الأخير لا يهمه كثيرا ردة الفعل الداخلية أو حتى الخارجية لكنه في الوقت نفسه على المجتمع الدولي ألا يعتقد أن هذا الإرباك مرتبط بفترته فقط وإنما قد تكون فرصة للمؤسسات الأميركية لإعادة ترتيب السياسة الدولية لها وفق رؤية جديدة قائمة على تخفف الولايات المتحدة من تحمل المسؤولية الدولية في حين أن الآخرين من المنافسين لها يتمتعون باستقرار العالم، لهذا على الجميع تقييم ما يتم بعمق وعدم تبسيط المسألة والاستخفاف بما يطرحه ترامب مع أن ما يفعله يكسر الثوابت التاريخية للسياسة الأميركية.

حتى الآن لم يظهر لقرارات الرئيس ترامب التي اتخذها ما يسبب خسائر للسياسة الأميركية بشكل مباشر بقدر ما هي تربك السياسة الدولية بل تأتي بأرباح، فقرار الرسوم الجمركية دفع بـ50 دولة للتفاوض معها، إلا أن مثل هذه السياسات تدفع عادة بالدول المعتمدة عليها بشكل أكبر إلى اتباع نهجين. الأول: زيادة التكتل فيما بينهما وهذا الذي يحصل بين دول الاتحاد الأوروبي بعدما أعلن عن نيته في الخروج من “الناتو” وإجبار أوكرانيا على السلام مع روسيا.

أما النهج الثاني: فهو اللجوء إلى المنافس الأول للولايات المتحدة وهي الصين من أجل حماية مصالحها وتعويض ما فقدته وهذا قد يؤدي إلى مضاعفة النفوذ الصيني وربما هنا تكون الخسائر أكبر وأوضح ولكن وقتها هل سيكون ترامب موجودا أو أن عقلية التاجر الأميركي وقتها ستكون موجودة لتمارس “فن الصفقات”؟

9