في طوفان من الاحتجاجات يصعب إلغاء دعم الوقود

في ظل طوفان من الاحتجاجات، يصبح خيار رفع الدعم عن الوقود غير مرغوب به، وتجد الحكومات نفسها أمام خيارين، إمّا إرضاء الشارع وإغضاب صندوق النقد وإما إرضاء صندوق النقد وإغضاب الشارع، وهو ما يصعّب على المسؤولين اتخاذ قرارات حاسمة.
لندن - في أنحاء متفرقة من أفريقيا وسلسلة من دول الأسواق الناشئة الأخرى، تواجه الحكومات المثقلة بالديون التي تحاول التخلص من دعم الوقود المكلف، سكانا غاضبين يعانون من سنوات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
ورفعت مصر وماليزيا الأسعار هذا العام لخفض الإنفاق على الدعم، في حين دعا الرئيس البوليفي لويس آرسي، الذي صد محاولة انقلاب في يونيو – حزيران، هذا الأسبوع إلى إجراء استفتاء على دعم الوقود. وتتوقع الحكومة أن يكلف دعم البنزين والديزل بوليفيا نحو 2 مليار دولار هذا العام.
ويواجه آرسي، مثل غيره، نقصا في الدولار واقتصادا ضعيفا. وقال آرسي في خطاب ألقاه في مدينة سوكري البوليفية “اللحظات الصعبة تتطلب قرارات حازمة وناضجة ومدروسة وبشرا لا يتعثرون في مواجهة الشدائد، وهذه بالضبط لحظة من هذا النوع”.
لكن دخان الاحتجاجات يخيم على آمال الحكومات في إنهاء دعم الوقود، حيث إن نفس النمو الاقتصادي الراكد الذي يحدث فجوة في الميزانيات يجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للمواطنين.
ويكافح القادة في أنغولا والسنغال، مثل نيجيريا، من أجل إنهاء الدعم. ويعلق بسمارك روان، الرئيس التنفيذي لشركة المشتقات المالية في لاغوس ومستشار اقتصادي حكومي، قائلا “في اجتماع أزمة تكلفة المعيشة مع ارتفاع التضخم، يصبح (الوقود الأكثر تكلفة) لا يطاق”. وتابع “إن إلغاء الدعم يجب أن يتم على مراحل ووفقا لمبدأين. الأول، ما يمكن للحكومة تحمله. والثاني، ما يمكن أن يتحمله الناس”.
كل دولة على وجه الأرض، تقريبا، لديها شكل من أشكال دعم الطاقة، الذي بلغت تكاليفه رقما قياسيا قارب 7 تريليونات دولار في عام 2022، وهو ما يمثل 7.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وينتقد الخبراء الدعم باعتباره أدوات لا يمكن التحكم بها، فهي تمنح أصحاب السيارات الأثرياء أكثر مما تعطي للفقراء، وأنها عرضة للفساد وتضر بالبيئة. والدليل أن أكبر المنفقين، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، هم روسيا وإيران والصين والمملكة العربية السعودية، وهي دول يمكنها تحمل التكاليف على نطاق واسع.
7 تريليونات دولار فاتورة دعم الوقود في العالم عام 2022 تمثل 7.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي
ولكن بالنسبة للبلدان الناشئة، المثقلة بالديون المكلفة وأسعار الفائدة العالمية التي لا تزال مرتفعة، فإن تمويل هذه الديون أكثر عقابا. ويرى كريس سيليو، كبير الاقتصاديين الإستراتيجيين في شركة برو – ميريتوم لإدارة الاستثمارات، “إنه أمر قاس الآن، لأن البلدان تعاني من مشاكل مالية. والسؤال هو، لماذا لديك مشاكل مالية؟ حسنا، أحد الأسباب هو أن لديك هذه الفجوة في ميزانيتك تذهب إلى شيء غير فعال.. وأنت تواجه مشاكل في تمويلها”.
الرئيس النيجيري بولا تينوبو أعلن إنهاء الدعم بعد توليه منصبه العام الماضي. ولكن، عندما تضاعفت أسعار المضخات ثلاث مرات، قام بتجميدها. وعندما انهارت عملة النايرا، تسللت الإعانات مرة أخرى، على الرغم من ارتفاع أسعار المضخات.
الآن، يتطلع القادة الذين يفكرون في المزيد من رفع الأسعار بقلق إلى ثورات في أماكن أخرى بسبب السياسات الاقتصادية التي لا تحظى بشعبية. في بنغلاديش استقال رئيس وزراء بعد مقتل المئات احتجاجا على تغيير حصص الوظائف. في حين أقال الرئيس الكيني حكومته وتراجع عن زيادة الضرائب بعد مظاهرات دامية في يونيو.
ومن جانبه علق كبير الاقتصاديين في غولدمان ساكس أندرو ماثيني قائلا “السياسيون في جميع أنحاء العالم منضبطون على أزمة غلاء المعيشة هذه.. وربما يحد ذلك من استعداد صناع السياسات لإجراء إصلاحات قد يتبين أنها لا تحظى بشعبية على الأقل في المدى القصير”. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على الميزانيات.
وأضاف ماثيني قائلا “إن الدعم في نيجيريا يكلف 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وشركة النفط التابعة لها مدينة بالمليارات للواردات. وبلغ دعم الكهرباء والوقود في السنغال 3.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، في حين أن فاتورة دعم أنغولا البالغة 1.9 تريليون كوانزا (2.1 مليار دولار) في عام 2022 كانت أكثر من 40 في المئة من الإنفاق على البرامج الاجتماعية، وفقا لصندوق النقد الدولي”.
وتعهدت أنغولا بإلغاء دعم أسعار الوقود بحلول نهاية العام المقبل، على الرغم من مقتل خمسة أشخاص في احتجاجات على ارتفاع الأسعار العام الماضي. وقال سيليو إن الميزانية المستدامة هي المفتاح لجذب أموال المستثمرين التي تحتاجها هذه البلدان.
في منشور على منصة إكس، ناشد الرئيس النيجيري تينوبو النيجيريين التحلي بالصبر ووعد بالدعم الاجتماعي، مثل الوصول إلى التعليم بأسعار معقولة. وقال “أحثكم جميعا على النظر إلى ما وراء الألم المؤقت الحالي واستهداف الصورة الأكبر”، دون التعليق على ما إذا كان سيرفع تكاليف الوقود أكثر.
لكن روان أشار إلى أن “العلاج بالصدمة” لارتفاع تكاليف الوقود يمكن أن تكون له عواقب أكبر على نيجيريا من الزيادات الضريبية المقترحة في كينيا. وتساءلت أروسانوو، على سبيل المثال، لماذا يجب عليها “التوقف عن الكلام”، أو الاحتجاج، مع مضاعفة تكاليف النقل وبينما تكافح من أجل إطعام أسرتها.
واختتم روان قائلا “لدى الحكومة إرادة سياسية. لكن، الوقت ليس صديقا للجميع في الوقت الحالي”.