في سوق الكتاب

الذي يطالع كتابه عن أم كلثوم، يدرك من الصفحة الأولى، أن صاحب السطور لا علاقة له بتقنية الكتابة، ولا بمنهجية التأليف، بل لم يهتد أصلاً لمنظومة مفاهيم تساعده على تعيين الفارق بين طبائع الأشياء.
الأحد 2019/02/24
أم كلثوم والإسرائيليين وسر عشقهم الممنوع

حاولت بالتقصي، معرفة خلفية الكاتب الذي أصدرت له “دار المعارف” المصرية كتابا عجيبا غريبا، عن مطاردة الصهيونية وجهاز “الموساد” الإسرائيلي للمطربة أم كلثوم طوال حياتها. وحسب ما فهمت فإن صاحب الكتاب الذي جاوز الـ400 صفحة، من خريجي قسم اللغة العبرية من كلية الآداب جامعة عين شمس، وهذا في حد ذاته يؤشر إلى بعض الانطباعات المتعلقة بفضاءات الشاب، وهي في العادة، موصولة بالمعنيين بشعار “اعرف عدوك” ولا جناح عليهم. فخريجو قسم اللغة العبرية، معنيون بمتابعة الصحافة الإسرائيلية، والدخول إلى الأرشيف العبري ومطالعة المؤلفات العبرية كلٌ منهم حسب خط اهتمامه!

غير أن كتاب صاحبنا عن أم كلثوم، يوحي من خلال سرديته واستطالاته وحشو كل سطر منه بمادة أرشيفية أو بجملة للتعريف مستقاة من موسوعة “ويكيبيديا” على شبكة الإنترنت؛ بأن حياة المطربة البديعة، ترافقت مع صراع استخباري عربي صهيوني، يتعلق بدورها أو بالمال الذي تتحصل عليه، وأن أمرها كان في موضع انشغالات زعماء وقادة استخبارات. وبدا الشاب صاحب الكتاب، من خلال اهتماماته، مستعجلا على رزقه، فهو مشروع ممثل سينمائي ومفكر خصم للأصوليين، ومن العارفين بما تعرفه الأرشيفات ولا يعرفه أحد عن سيد قطب، ومترجم وصاحب رؤية فلسفية.

غير أن الذي يطالع كتابه عن أم كلثوم، يدرك من الصفحة الأولى، أن صاحب السطور لا علاقة له بتقنية الكتابة، ولا بمنهجية التأليف، بل لم يهتد أصلاً لمنظومة مفاهيم تساعده على تعيين الفارق بين طبائع الأشياء، أو بين الاضطرار إلى الاقتباس، وحشو النص بالاقتباسات والخروج تلو الآخر عن الموضوع. فالمفاهيم تختلط، حتى يشعر القارئ أنه بصدد شخص دخل إلى الأرشيف في عجلة من أمره، لكي يلتقط كل ما يصادفه من مواد يراها مثيرة، ويرى أن العثور عليها فرصة سانحة للنشر سريعاً، دون تحديد مآلات مسارها المعرفي ومقاصدها أو حتى التدقيق في الألفاظ عند إعادة تدويرها. كأن الأخ يتعجل لكي لا يسبقه آخرون واهما أنه انتشل الدلو من البئر. فلماذا لا يسبق ويبيع قبل غيره في سوق الكتاب!

لا موجب للتطرق إلى مواضع الإسفاف والضجر والدلالات على النزعة التجارية في الكتاب الصادر قبل أشهر. ولكن يصح السؤال: كيف تقرر دار النشر العريقة، التي تأسست في القرن التاسع عشر، إصدار كتاب بهذا المستوى، دون عرض على لجنة لإقرار النشر، مختصة في قياس جودة المنتوج، أو حتى معرفة وجهته إن كانت امتداحاً أم ذماً وتشهيراً؟

أما بخصوص دحض الأيديولوجيا الأصولية، فلا فائدة تُرجى من الكُتّاب والإعلاميين الذين يعرضون كلاما جزافيا وبلا منطق، لأن الطرف الآخر يسخر منهم ويستفيد مما يقولون. وهذا ما ينبغي أن يتنبه له القائمون على الإعلام وعلى دور النشر.

24