في سابقة خطيرة.. استقالات جماعية من الاتحادية العليا في العراق بسبب التدخلات السياسية

المحكمة الاتحادية كانت على وشك البت في قضايا حساسة مثل إصدار أمر ولائي يلزم المالية الاتحادية باستئناف إرسال رواتب موظفي إقليم كردستان. وهذه الاستقالات قد تعطل أو تؤجل مثل هذه القرارات، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي.
الخميس 2025/06/19
الاستقالات تكشف عن توترات وصراعات أعمق داخل النظام القضائي والسياسي العراقي

بغداد – تعيش أعلى هيئة قضائية في العراق هي المحكمة الاتحادية العليا، على وقع أزمة حادة وانقسامات بسبب قضية خور عبدالله، حيث أكدت مصادر محلية الخميس استقالة 6 أعضاء رئيسيين و3 احتياط احتجاجا على تعرض المحكمة لضغوط سياسية تمارس على الهيئة بشأن هذه القضية.

وكانت المحكمة الاتحادية قد أصدرت قرارا بعدم دستورية قانون التصديق على اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله مع الكويت، مما أثار جدلا واسعا وضغوطًا سياسية. ويبدو أن هذه القضية أحدثت انقساما داخل المحكمة نفسها.

ونقل موقع وكالة شفق نيوز الكردية العراقية عن عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي النائب محمد الخفاجي، قوله في بيان عاجل و"الهام جداً"، إن "عدة استقالات قُدّمت من قبل أعضاء المحكمة الاتحادية العليا"، واصفاً ما حدث بأنه "غير طبيعي" وداعيا لانتظار التفاصيل والأسباب.

ووفق الصدر ذاته أكد النائب رائد المالكي عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب بالفعل استقالة 9 أعضاء بسبب "الضغوط" التي تُمارَس على المحكمة بشأن قضية خور عبدالله.

ونقلت 'شفق نيوز' عن المالكي قوله، إن "الحكومة وجهات أخرى تريد للمحكمة الاتحادية أن تكون أداة طيعة بيدها لتنفيذ ما تراه بحجة حماية المصالح العليا"، مؤكدا أن "هذا الوضع لا يمكن السكوت عليه".

وتابع "القيادات الشيعية المتصدية أثبتت فشلها في بناء دولة مؤسسات تحترم سيادة الدستور والقانون"، موضحا أنه "سيتم التشاور مع بقية النواب لاتخاذ موقف موحد من هذه القضية، التي تمثل سابقة خطيرة".

وكان كل من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس عبداللطيف رشيد قد قدما منذ منتصف أبريل الماضي، طعنين منفصلين إلى المحكمة الاتحادية العليا، يطالبان فيهما بالتراجع عن قرار قضائي يقضي ببطلان قانون تصديق اتفاقية خور عبدالله مع الكويت، مستندين في دفوعهما إلى الدستور العراقي واتفاقية فيينا لعام 1966.

وأشارا في الطعنين إلى أن الاتفاقية تتعلق بتنظيم الملاحة وليس بترسيم الحدود وأنها تشكل جزءا من التزامات العراق الدولية التي لا يجوز التراجع عنها.

وجاء الطعنان في القرار القضائي بعد أن أقرت الاتحادية العليا في الرابع من سبتمبر 2023 عدم دستورية القانون 42 لسنة 2013 وهو قانون تصديق الاتفاقية بين الحكومة العراقية وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله.

وأكد في بيان حينها أنها "أصدرت قرارها بعدم الدستورية لمخالفة أحكام المادة (61 / رابعا) من دستور جمهورية العراق التي نصت على تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".

وتحمل الاستقالة الجماعية من المحكمة الاتحادية العليا دلالات عميقة ومتعددة الأوجه، وتكشف عن توترات وصراعات أعمق داخل النظام القضائي والسياسي العراقي.

أشارت بعض المصادر المحلية إلى أن القضاة المستقيلين احتجوا على قرارات صدرت عن مجلس القضاء الأعلى في الأشهر الأخيرة. وهذا يشير إلى خلافات داخلية حول صلاحيات وآليات عمل السلطة القضائية العليا.

كما أكدت بعض التقارير وجود خلافات بين القضاة المستقيلين ورئيس المحكمة الاتحادية، تتعلق بطريقة الإدارة وتعاطيه مع القضاة. وهذا قد يشير إلى قضايا إدارية أو مهنية تؤثر على الانسجام داخل المحكمة.

وتعد المحكمة الاتحادية أعلى سلطة قضائية في العراق، وقراراتها باتّة وملزمة للسلطات كافة. ومع ذلك، تشير هذه الاستقالات بقوة إلى أن المحكمة ليست بمنأى عن التأثيرات والضغوط السياسية، اذ تتناوب الأحزاب السياسية النافذة على طرح أسماء قضاة يمثلونها، مما يقوض استقلالية القضاء ويجعله عرضة للتجاذبات.

ويؤكد خبراء قانونيون وسياسيون على أن عدم وجود قانون خاص ينظم عمل المحكمة الاتحادية يفتح الباب أمام التأويلات والتدخلات السياسية. وهذا الفراغ التشريعي يجعلها عرضة للضغوط، مما يدفع السياسيين إلى المطالبة بتشريع قانونها الخاص.

وهذه الاستقالات الجماعية تمثل "سابقة خطيرة" في مسيرة القضاء العراقي وقد تؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في استقلالية وفعالية المؤسسات القضائية. وعندما تظهر الخلافات الداخلية بهذه الصورة العلنية، فإنها تثير تساؤلات حول قدرة هذه المؤسسات على أداء دورها الحيادي في ظل الصراعات السياسية.

وكانت المحكمة الاتحادية على وشك البت في قضايا حساسة، مثل إصدار أمر ولائي يلزم المالية الاتحادية باستئناف إرسال رواتب موظفي إقليم كردستان. وهذه الاستقالات قد تعطل أو تؤجل مثل هذه القرارات، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي.

ودعت بعض الأطراف السياسية إلى "تحرك سياسي وقانوني لحماية القضاء من التدخلات" بعد هذه الاستقالات، فيما يعكس هذا الأمر وعيًا بخطورة الوضع وضرورة تعزيز استقلالية السلطة القضائية كركيزة أساسية لدولة المؤسسات.

وتعكس الاستقالات داخل المحكمة الاتحادية العليا في العراق بشكل عام حالة من الضعف المؤسساتي والتأثير السياسي المفرط على السلطة القضائية، مما يهدد استقلاليتها وقدرتها على تطبيق الدستور والقانون بحيادية في بلد يعاني أصلاً من أزمات سياسية متتالية.