في رسالة إلى روسيا وتركيا: الجزائر تطالب بإنهاء الوجود الأجنبي في ليبيا

الجزائر تشعر بأن الحليفين تركيا وروسيا لم يراعيا مصالحها، بل على العكس فقد تحالفا ضد مصالحها من خلال دعم المجلس العسكري في مالي.
الأربعاء 2024/08/07
تصفية حسابات إقليمية

الجزائر – عبر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عن رفض بلاده تواجد جميع الأطراف داخل ليبيا، ودعا إلى خروجها من أجل مساعدة الليبيين على بلورة حل ليبي – ليبي، في رسالة تظهر انزعاج الجزائر من التطورات في منطقة الساحل، وخاصة من دعم روسيا وتركيا للجيش المالي الذي بات يتمركز قرب الحدود الجزائرية.

وطالب وزير الخارجية الجزائري جميع الأطراف الأجنبية الفاعلة برفع اليد عن الشأن الليبي، ووضع حد لما وصفه بـ”السياسات والممارسات والتصرفات التي تغذي الانقسام وتزرع الفرقة وتعمق الهوة بين أبناء الوطن الواحد والأمة الموحدة”.

وجاءت رسالة عطاف في تصريح صحفي بحضور رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالنيابة ستيفاني خوري، ليعرب بذلك عن رفض بلاده الشامل للوجود الأجنبي على التراب الليبي، وهو ما ينطوي على رسائل موجهة إلى الأطراف التي باتت تستغل تواجدها كقاعدة خلفية للتمدد داخل منطقة الساحل، لاسيما روسيا وتركيا.

الجزائريون يلقون باللائمة على الأطراف الخارجية في تبرير تراجع دبلوماسية بلادهم وتأثيرها في المحيط الأفريقي

وتشعر الجزائر بأن الحليفين تركيا وروسيا لم يراعيا مصالحها، بل على العكس من ذلك تحالفا ضد مصالحها من خلال دعم المجلس العسكري في مالي بعد أن تخلى عن اتفاق السلام الذي رعته في 2015، وكان يحسب لها كمكسب ودليل على دورها الإقليمي في جنوب الصحراء.

ويلقي الجزائريون باللائمة على الأطراف الخارجية في تبرير تراجع دبلوماسية بلادهم وعجزها عن بناء علاقات متينة في محيطها الأفريقي خارج أسلوبها المتعالي الذي كان وراء خسارة دورها في مالي والنيجر.

ولم يمنع التقارب القائم والعلاقات التاريخية واتفاقيات الشراكة التي تبرمها الجزائر مع أطراف دولية فاعلة في المشهد الليبي من تعرّض مصالحها الإقليمية للتهديد، وحتى أمنها الجغرافي بات على مرمى قريب من النزاع المسلح في مالي، خاصة في ظل دعم روسيا لباماكو عبر مجموعة فاغنر، وكذلك تركيا التي أبرمت اتفاقيات تسليح مع السلطة القائمة في باماكو.

وكان قصف جوي نفذه الجيش المالي بطائرات مسيرة على مدنيين في منطقة تين زاوتين المالية قد أسفر عن نزوح المئات إلى التراب الجزائري، كأول ارتدادات الحرب القائمة في شمال مالي على الاستقرار في الحدود الجزائرية.

وأرجع وزير الخارجية الجزائري ما وصفه بـ”طول أمد الأزمة الليبية”، في المقام الأول، إلى “تزايد وتعاظم وتعقد التدخلات الخارجية في شؤون هذا البلد الشقيق، وبالتالي فإن مفتاح حل هذه الأزمة يكمن أساسا في استبعاد وإنهاء هذه التدخلات، بجميع أشكالها ومضامينها ومآربها، السياسية والعسكرية والأمنية”.

واستقبل عطاف رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالنيابة التي تقوم بزيارة إلى الجزائر في إطار التشاور والتنسيق حول تطورات ومستجدات المشهد الليبي.

وقال عطاف “هذا الاجتماع شكل فرصة للاطلاع على الجهود والمساعي التي تبذلها الأمم المتحدة في سبيل الدفع قدما بالعملية السياسية لحل الأزمة الليبية، وهي الجهود والمساعي التي تدعمها الجزائر دعما كاملا غير محدود وغير مشروط، سواء من موقعها كعضو غير دائم بمجلس الأمن، أو من مواقعها المتعددة في مختلف التجمعات والمنظمات الإقليمية، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي”.

وإذ جدد دعم بلاده للأمم المتحدة وثقتها بأهليتها وقدرتها على تحقيق الهدف المنشود، فإنه أعرب عن “أسفه لتخطي الأزمة الليبية بضعة أشهر عامها الثالث عشر، ومع زيادة عمرها تزداد بذات القدر تعقيداتها، وتنحسر بقدر مماثل آفاق الحل السياسي الذي طالما سعت جاهدة وبإخلاص من أجل تحقيقه وتثبيت أسسه ومقوماته”.

وشدد عطاف على أن الجزائر “تبقى على قناعة راسخة أن إنهاء هذه التدخلات سيكون له الأثر البالغ في تمكين الأشقاء الليبيين من تجاوز التجاذبات والاستقطابات الراهنة، ومن إيجاد أرضية توافقية تكرس مساهمة الجميع في مسار ليبي – ليبي يطوي صفحة الخلافات، ويرأب الصدع، وينهي الأزمة بصفة نهائية”.

وأضاف “هذه الأرضية التوافقية لا بد وأن تفضي إلى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة يمنح من خلالها الشعب الليبي الشرعية لمن يراهم الأكفأ والأقدر على تمثيله والذود عن مصالحه، وتتولد عنها مؤسسات موحدة وقوية، رادعة ومبطلة لكل مفعول من مفاعيل التدخلات الأجنبية، ومن شأنها أن تعيد لدولة ليبيا هيبتها ومكانتها الطبيعية والمستحقة على الصعيدين الإقليمي والدولي”.

ويرى متابعون لشؤون المنطقة أنه بالرغم من طابع الجوار والعلاقات التاريخية والشعبية بين الجزائر وليبيا ساهمت عدة أسباب في ابتعاد الجزائر عن أداء دور فعال في الأزمة المذكورة، وأن تخندقها في معسكر الشرعية -من وجهة نظر الجزائر- التي تمثلها حكومة عبدالحميد الدبيبة وقبل ذلك حكومة فايز السراج ساهم في توسيع المسافة بينها وبين أطراف معارضة أخرى، وهو ما جعلها تفتقد الثقة اللازمة التي تؤهلها لأداء دور فعال في الأزمة.

pp

من جانبها أكدت ستيفاني خوري أن الجزائر لها دور مهم وأساسي في دعم جهود الليبيين للتوصل إلى حل للأزمة الليبية، وأن النقاش الذي جمعها بأحمد عطاف كان عميقا ومفيدا جدا، حيث تم التطرق إلى التحديات من ناحية الانقسامات الأمنية والاقتصادية، وكذلك من ناحية الاستقرار في المنطقة وليس فقط في ليبيا. وأضافت أنه “إلى جانب ذلك تمت مناقشة الأهداف المشتركة بين الأمم المتحدة والجزائر، والتي تصب في صالح الشعب الليبي من أجل الوصول إلى دولة ليبية موحدة دون انقسامات، وكذلك استقرار المنطقة كلها”.

وبالرغم من ذلك تبقى حظوظ الجهود الأممية والأطراف الأخرى في المنطقة، كالجزائر وتونس، غير كافية لفرض خارطة طريق توافقية لحل الأزمة الليبية، بسبب تغلغل أطراف خارجية حولت ليبيا عبر أذرعها إلى قاعدة خلفية لتمكين نفوذها في المنطقة.

ويبدو أن تدهور الوضع الأمني بالقرب من الحدود الجزائرية الجنوبية قد أخرج الجزائر عن صمتها تجاه الأطراف الداعمة للحل العسكري في البلاد، في إطار ما يعرف بالحرب على الإرهاب، وتريد بموقفها تصفية حساباتها الإقليمية مع تلك الأطراف، خاصة روسيا وتركيا، وتعويض دورهما في مالي بدور لها يرفض وجودهما وأطراف أخرى في ليبيا.

1