في ذكرى رحيل المؤسس: مؤسسة راسخة وفية لنفسها وللعميد
المشاريع الكبرى، كما الأحلام، تحتاج روادا لبدئها وخوضها والإيمان بها. وإذا كان المشروع إعلاميا ويطرح على نفسه مهام خدمة أمة بأسرها، فإنه يحتاج رجالا خلّصا يرون الأمر تحديا يجب خوضه، وشيء من الحلم حسبهم أن يعوه ليتحول إلى حقيقة ومشروع واقعي ينفع الناس فيمكث في الأرض.
ندركُ اليوم الذكرى التاسعة على رحيل عميد الصحافة العربية المهاجرة، الحاج أحمد الصالحين الهوني رحمه الله، والعالم العربي بمختلف أقطاره يقف على منعرجات حرجة ومفصلية في راهن الأمة ومستقبلها.
راهن الحاج الهوني على العرب كأمة، واتخذ اسم هذه الأمة عنوانا ورؤية لهذه المؤسسة التي تواصل عطاءها ومشروعها الإعلامي ومواقفها الأخلاقية منذ 38 عاما، وتصر على مواصلة رهانها، ديدنها في ذلك أفكار المؤسس وإيمانه بالمشروع وجدواه ومحاذيره.
أدرك الحاج، مبكرا، خطر المتاجرة بالإسلام في مشاريع سياسية رغم تديّنه وورعه. وكان واضحا، بما لا يقبل الشك، في تشخيصه لمخاطر أن يُمتهن الإسلام لكي يشق صفوف الأمة العربية والإسلامية تحت مسمّيات الطوائف والمذاهب والملل وغيرها من التعلات التي سُوّقت ولا تزال تسوق.
قاوم، إعلاميا، منذ البداية مشروع الفتنة الإيرانية الذي أطل برأسه منذ عام 1979، ووقف مع خيار تصدي الأمة العربية لها، وإيقاف مشروع تصدير الثورة. ولذلك كان من أوائل المراهنين على النهضة في الخليج العربي، وفي شمال أفريقيا رغم اعتزازه وحبه لحواضر العرب الكبرى في بغداد ودمشق والقاهرة.
لم تتوقف نظرة الرجل للواقع العربي الملتبس مع رحيله منذ تسعة أعوام، بل تواصلت عبر مؤسسة عريقة نجح، باقتدار، في تمتين علاقتها بالقارئ العربي أينما كان، لأن رحيله من بيننا لم يحل دون استمرار أفكاره وتصوراته للواقع من خلال جريدة تحولت إلى مدرسة إعلامية، لذلك فإن الجيل الذي يواصل مسيرة الحاج الهوني اليوم في “العرب”، وخارجها، هو جيل تتلمذ في مؤسسة العرب.
“العرب” تقف اليوم راسخة وقوية مثلما تركها الحاج الهوني، حيث تعزز حضورها يوميا بمشاريع ثقافية وإعلامية رائدة آخرها “العرب ويكلي” وهي أول جريدة عربية ناطقة باللغة الإنكليزية انطلقت بالأمس في الصدور، وقبلها مجلة “الجديد” الثقافية التي انطلقت لتسد فراغا فكريا وثقافيا ملموسا في العالم العربي.
آمن الحاج بالتكنولوجيا وبقدرتها على تغيير مسارات النمو وحياة الشعوب، وكان تبعا لذلك من أوائل المستخدمين لها في الشأن الصحفي، وكان مبادرا إلى رعاية فكرة تكامل الصحافة المهاجرة بمكاتب إنتاجية وإعلامية في عدد من العواصم العربية، وهو الأمر الذي صار منهجا للآخرين فاقتدوا به.
كان يرى في الإعلام الوسيلة الحرة والأداة الفعالة التي تبني إرادة الشعوب، وكانت مؤسسته أول مؤسسة عربية إعلامية حقيقية خارج العالم العربي. وسرعان ما جاءت مبادرات من بقية الدول العربية لينفتح أفق الإعلام الجديد وتتأسس المحطات الفضائية ومواقع الإنترنت.
إن مؤسسة العرب، بمختلف فروعها، إذ تشق طريقها اليوم واعية بالمنعرجات والمطبات التي تمر بها الأمة، فإنها ترى نفسها أكثر من مجرد صحيفة، بل مشروعا إعلاميا وفكريا تنويريا يتصدى لأداء واجباته تجاه الفضاء الذي تنطق باسمه، ورهانها في ذلك أفكار المؤسس وإصراره، وتلك أمانة كبرى تقع على عاتق المؤسسة وأبنائها.
وفاء الصحيفة بكل أبنائها للمؤسس وللحظة التأسيس، هو وفاء للأفكار والأحلام التي دفعت الحاج إلى خوض المغامرة بكل ما عنته من صبر وإصرار ومكابدة، وهو أيضا وفاء للمضامين الكبرى التي ما زالت الصحيفة تكافح من أجل الاضطلاع بها. رحم الله الحاج الهوني.