في ذكرى تأسيسها: النهضة تكرر ذاتها بالحديث عن السياسي اليومي

الغنوشي يعيق المراجعات داخل النهضة حاضرا وغائبا.
الجمعة 2024/06/07
ماذا تفيد الشعارات؟

تونس – غلب الحديث عن المسائل السياسية اليومية في بيان حركة النهضة الإسلامية بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لتأسيسها، في وقت كان فيه الكثير من أنصارها ينتظرون أن يتضمن البيان مراجعة لمواقف الحركة منذ 2011، وخاصة تغليب البعد السياسي على غيره من مناحي الاهتمام والعودة إلى خطاب الصدام مع السلطة الذي كان ينتهي دائما في غير صالح الحركة.

ودفع غياب رئيس الحركة راشد الغنوشي، الموجود في السجن على ذمة عدة قضايا، النهضة إلى تأجيل الحديث عن المراجعات في حين أن وجوده على رأس الحركة خلال السنوات الماضية قد عرقل المراجعات، بما في ذلك ما تعلق بحصر مدة تولي رئيس الحركة لمهامه بشكل مضبوط قانونيا.

وحث البيان، الذي صدر بتوقيع الأمين العام العجمي الوريمي، السلطة السياسية على إطلاق سراح “المعتقلين السياسيين”، داعيا إلى “التقاء مختلف مكونات الحركة الديمقراطية التونسية لفرض توفير شروط الانتخابات الحرة والنزيهة”.

وترى أوساط مقربة من حركة النهضة أن البيان جاء مخيّبا لآمال الكثير من أعضاء الحركة وأنصارها، بعد أن سلك الطريق السهل الذي يقوم على تحميل مسؤولية الأزمة للسلطة وليس للأداء المخيب للحركة خاصة بعد 25 يوليو 2021، بدلا من استثمار الأزمة الحالية لمراجعة الأداء والحد من التضخيم المتعمد للجانب السياسي اليومي.

العجمي الوريمي: النهضة غير معنية بالصراع على السلطة في قرطاج أو باردو
العجمي الوريمي: النهضة غير معنية بالصراع على السلطة في قرطاج أو باردو

وفي السنوات الماضية نبّه قادة من الحركة والكثير من الأعضاء الفاعلين إلى أن سياسة الهروب إلى الأمام لن تنقذ النهضة، وأن الحل يكمن في إحداث مراجعة تقلل من سطوة السياسي وتفسح المجال أمام المجالات الأخرى المهمشة مثل الدعوي والثقافي والاجتماعي.

لكن الوريمي يعتقد أن الحركة لا يمكن أن تنأى بنفسها عن المسألة السياسية، و”(أننا) أمام واقع موضوعي، ونحن الآن أمام نهاية عهدة الرئيس قيس سعيد وفي سنة انتخابية جديدة، ونطالب بانتخابات نزيهة وشفافة، لأن البلاد في حاجة إلى التغيير”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إنه “بقطع النظر عن مطلب إطلاق سراح المعتقلين، فإن قرار مؤسسات النهضة الآن هو أنها لن تقدّم مرشحا حزبيا للانتخابات وليس لديها مرشح معين، كما أنها لا تضع الانتخابات ضمن اهتماماتها وغير معنية بالصراع على السلطة، لا في (قصر) قرطاج (مقر رئاسة الجمهورية) ولا في القصبة (مقر رئاسة الحكومة) ولا في باردو (مقر البرلمان)”.

وأوضح الوريمي أن “النهضة كانت ضمن الحزام الحكومي السابق وتمت الإطاحة بالحكومة فخرجت الحركة من الحكومة وانتقلت إلى صفّ المعارضة، ومطلبها الأساسي عودة الممارسة الديمقراطية، لأننا انتقلنا من حكم ديمقراطي إلى حكم فردي ولم تتحقق نقلة تنموية أو اجتماعية”.

ولا يُعرف ما إذا كانت حركة النهضة ستكتفي في ذكرى التأسيس ببيان سياسي روتيني لإظهار أنها مازالت موجودة في المشهد أم أنها ربما تجري نقاشات داخلية بشأن واقع الحركة وكيفية الخروج من الأزمة الحالية، وهل يتم ذلك بالتصعيد أم بالسعي إلى التهدئة.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة بأن “النهضة جنت على نفسها، وراشد الغنوشي وأفراد حاشيته هم من يتحملون مسؤولية ما حلّ بالتنظيم، من خلال الانفراد بالرأي ومنع التداول السلمي على القيادة وإساءة مرحلة الحكم، فضلا عن عدم فك الارتباط بمنظومة الإخوان”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن النهضة “فقدت مصداقيتها مع ناخبيها وارتكبت أخطاء تسييرية وسياسية، وهي الآن تعيش حالة من الموت السريري”. وأوضح مراد علالة أن “الحركة ببساطة انتهت منذ استبعاد أبرز قياداتها وترحيل المؤتمر، وهي الآن لم تعد موجودة سوى في العالم الافتراضي”.

مراد علالة: الحركة انتهت منذ استبعاد أبرز قادتها وترحيل المؤتمر
مراد علالة: الحركة انتهت منذ استبعاد أبرز قادتها وترحيل المؤتمر

وقاد تأخير عقد المؤتمر إلى خلاف داخل حركة النهضة بين شق الغنوشي الذي يمسك بمفاتيح الحزب وبين خصومه الذين كانوا يطالبون بمؤتمر يفضي إلى قيادة جديدة، خاصة في ظل تفاهمات سابقة أفضت إلى اتفاق يمنع رئيس الحركة من تولي القيادة أكثر من دورتين متتاليتين.

وأدّى هذا الخلاف إلى استقالات وانشقاقات داخل الحركة في 2020 و2021. وكان أبرزها قائمة الـ113 التي ضمّت أسماء بارزة من بينها عبداللطيف المكي وسمير ديلو. وعزا المستقيلون قرارهم إلى تعطل الديمقراطية داخل الحركة، وانفراد مجموعة من الموالين لرئيس الحركة بالقرار داخلها.

وحمّل المستقيلون “القيادة الحالية لحركة النهضة المسؤولية الكاملة فيما وصلت إليه من عزلة، وقدرا هاما من المسؤولية فيما انتهى إليه الوضع العام في البلاد من تردّ”.

وخلال الأشهر الأخيرة، ومع تسلم الوريمي الأمانة العامة للحركة، طالب بعض القادة بالتهدئة والتخلي عن التصعيد وفتح قنوات التواصل مع السلطة، ومن هؤلاء المحامي سامي الطريقي الذي حث عناصر النهضة على ألا ينساقوا “وراء خطاب ترذيل الدولة مهما كان الخلاف جديّا، فسواء كنّا في السلطة أو في المعارضة فإنه لا يجب علينا أن ننساق وراء خطاب يضعف الدولة”.

وبمناسبة ذكرى تأسيسها قالت الحركة إن النهضة “تجدد العهد مع التونسيين على الاستمرار في التمسك بمشروعها الوطني التحرري، والدفاع عن حقوق التونسيين والتونسيات ومكتسباتهم الاجتماعية والسياسية”.

وتابعت أن “تأسيس الحركة وإعلان مشروعها الفكري والسياسي مثّلا في تلك المرحلة (6 يونيو 1981) من تاريخ بلادنا استجابة طبيعية لتطلعات شعبنا للعدالة والحرية”.

وعن تجربتها في الحكم (2011 -2021) قالت “بالرغم من كل المكاسب التي ساهمت النهضة في تحقيقها خلال عشرية الانتقال الديمقراطي، فإن تقييم تلك المرحلة المضيئة من تاريخ بلادنا ضروري ويحتاج توقّفا مسؤولا من الجميع للقيام بالمراجعات اللازمة والنقد الذاتي البنّاء”.

1