"في حضرة الغائب الحاضر" كتاب يحتفي بالمفكر محمد جابر الأنصاري

حضور المفكر الأنصاري شكل في المشهد الثقافي علامة فارقة لنموذج المثقف المتكامل، فكان كاتبا ومفكرا وباحثا بارزا.
السبت 2025/02/15
مفكر خلدوني منفتح على أقاصي الشرق

المنامة - في ذكرى رحيل المفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري، الذي ترجل بعد إنجازات حافلة بالعطاء ومسيرة شاهدة على منجزاته الفكرية ومشاريعه النهضوية، يدشّن مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث كتاب “في حضرة الغائب الحاضر: الدكتور محمد جابر الأنصاري”، حيث يشتمل على مجموعة من المقالات والدراسات والبحوث التي قام الأنصاري بتدوينها، سواء على المستوى الفكري أو الإنساني. كما يتضمن الكتاب فصلًا مخصصًا لصور من محطات مختلفة من حياته وأنشطته العلمية.

يأتي ذلك خلال الموسم الثقافي لمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، “لا تندم على حرب أنضجتك”، مساء السبت في مقر المركز. وشكل حضور المفكر الأنصاري في المشهد الثقافي علامة فارقة لنموذج المثقف المتكامل، فكان كاتبًا ومفكرًا وباحثًا بارزًا، حيث شغل منصب عميد كلية الدراسات العليا في جامعة الخليج في البحرين، وعضو المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون في البحرين.

مفكر وباحث
◙ مفكر وباحث خلّد إرثًا فكريًا غنيًا من المؤلفات

ونال درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون في فرنسا، وعمل أكاديميًا في جامعة البحرين، حيث كان له دور بارز في تطوير الفكر العربي الحديث ونشر الوعي الثقافي.

وخلّد الأنصاري إرثًا فكريًا غنيًا من المؤلفات، منها “تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي”، و”تأملات في الذات العربية”، و”الفكر العربي وصراع الأضداد”، و”العرب وتحديات القرن الحادي والعشرين”.

ويذكر الدكتور عبدالله المدني متحدثا عن الأنصاري “لشدة عشقه لابن خلدون ومحاولته إسقاط النظريات الخلدونية على الواقع العربي الراهن اقترن اسمه باسم هذا الرجل الذي يعتبر المؤسس الأول لعلم الاجتماع، ومجدد علم التاريخ، ورائد فن الترجمة الذاتية، والعالم الراسخ في الحديث، بل صار يُشار إليه كابن خلدون جديد.”

ويذكر المدني أن للأنصاري مشروعين فكريين وليس مشروعا واحدا! المشروع الأول حمل اسم “مشروع نقد الفكر العربي” الذي تجسد في ثلاثة مؤلفات من مؤلفاته هي “تحولات الفكر والسياسة في المشرق العربي” (1988) و”مساءلة الهزيمة: جديد الفكر العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية” (2001) و”الفكر العربي وصراع الأضداد” (1996). أما المشروع الثاني فقد أطلق عليه اسم “نقد الواقع العربي”، وهو المشروع الذي أثمر عن ظهور ثلاثة كتب أخرى له هي “تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية” (1994) و”التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام، لماذا يخشى الإسلاميون علم الاجتماع؟” (1995) و”العرب والسياسة أين الخلل؟ جذر العطل العميق” (2000).

عوامل النشأة ساهمت في بلورة أفكاره بشكل كبير إذ ولد عام 1939 لعائلة متواضعة كان ربها يعمل في الغوص وصيد اللؤلؤ قبل أن ينتقل إلى العمل في شركة النفط ما بين عامي 1938 و1959. وكان ميلاده في مدينة المحرق عاصمة البحرين القديمة. وتلقى فيها الأنصاري علومه الابتدائية على يد مجموعة من المدرسين العرب من شتى التيارات الفكرية، وثقف نفسه ذاتيا من خلال مكتبتها التي كانت تضاهي المكتبات الجامعية.

إلى جانب ما سبق فإنه من العوامل التي كانت سببا في فكر الأنصاري المتسامح وانفتاحه ونبوغه وحبه للتنقيب المعرفي انتقاله إلى مدينة المنامة لإتمام دراسته الثانوية فيها. ومنامة عقدي الأربعينات والخمسينات وما قبلهما كانت في مقام باريس ثقافيا.

◙ حضور المفكر الأنصاري في المشهد الثقافي شكل علامة فارقة لنموذج المثقف المتكامل

والمعروف أن ميلاد الأنصاري تصادف مع اندلاع الحرب العالمية الثانية وما خلقته من أجواء تتعارك فيها المفردات السياسية وتتزاحم فيها الرهانات على الحلفاء ودول المحور. وفي هذا السياق سُجل عن الأنصاري قوله في مقابلة تلفزيونية “لم أكن بحاجة لقراءة كتب عن الحرب العالمية الثانية لأني منذ نعومة أظفاري كنت أسمع الناس يتحدثون عنها.”

مشروع فكري مختلف خطه الأنصاري خاصة في دعوته إلى الانفتاح وفهم الآخر، فنجده من أول المفكرين العرب الذين توجهوا لدراسة العقل الآسيوي من خلال تجربة اليابان تحديدا، وقد دعا مرارا الوعي العربي الإستراتيجي والحضاري إلى تفهم القوة الشرقية الصاعدة وتدارسها ثقافيا وفكريا وعلميا، موضحا أن ما يرشَح نجاح العلاقات العربية – الآسيوية من وجهة نظره هو عدم وجود الصراعات الدينية والتاريخية والأيديولوجية بين العرب وبين الآسيويين خاصة بالمقارنة مع تلك الصراعات القديمة والحديثة والمعاصرة الحادة بين الغرب الرأسمالي والعالم العربي.

ففي تقديره أن أرضية التلاقي، بدل التصادم، بين شعوب آسيا والعالم العربي الإسلامي متوفرة، كما يمكن لنا أن نستلهم التجارب اليابانية والصينية والكورية والهندية على اختلافها.

وقد حصد محمد جابر الأنصاري العديد من الجوائز، منها جائزة الدولة التقديرية في البحرين، وجائزة سلطان العويس في الدراسات القومية والمستقبلية، وجائزة منيف الرزاز للدراسات والفكر، كما نال جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عن كتابه “تحولات الفكر” للعام 1981، وجائزة الدولة التقديرية للإنتاج الفكري في البحرين 1989، بالإضافة إلى وسام قادة مجلس التعاون في قمة مسقط في العام ذاته. إلى جانب ذلك تم اختياره ليكون مستشارًا ثقافيًا في ديوان ولي العهد بالبحرين ومن ثم شغل منصب مستشار الملك في الشؤون الثقافية والعلمية.

12