في "الخيمة 56" لقاءات حميمة بين الأزواج الذين شرّدتهم الحرب

“الخيمة رقم 56”، عنوان مخاتل للفيلم الروائي القصير الذي أخرجه السوري سيف الشيخ نجيب، وكتبته سندس برهوم في أولى تجاربها ككاتبة سيناريو، وقد عُرض الفيلم مؤخرا في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر المتوسط في دورته الـ34، برفقة 26 فيلما عربيا وأجنبيا، ونال عنه المخرج الشاب جائزة أفضل فيلم روائي قصير.
يأتي الفيلم الذي حصل على منحة من الاتحاد الأوروبي، ضمن سلسلة الأفلام التي أنتجها الاتحاد مؤخرا والتي تدور حول حقوق المرأة، وكان من ضمنها الفيلم القصير “الحبل السري” للمخرج السوري الليث حجو، الذي شارك مؤخرا ضمن فعاليات مهرجان الجونة في دورته الثانية.
يوحي ملصق الفيلم الإعلاني، بأن أحداثه ستدور بشكل تقليدي حول واقع اللاجئين السوريين ضمن أحد مخيمات اللجوء، لذلك قد لا يجذب الملصق جمهورا، على اعتبار أن تلك الأفلام باتت مستهلكة بالنسبة إلى البعض، وربما لا تحمل قيمة ولغة سينمائية فنية، بقدر ما تحمل قيما إنسانية، لكن فيلم “الخيمة 56”، أتى بعكس ما يوحي ملصقه، فهو عمل سينمائي اجتماعي إنساني، خفيف الظل، وفوق كل هذا يعالج مشكلة حقيقية، لم يجرؤ صنّاع الدراما السورية وغيرهم على الخوض فيها، أو حتى محاولة معالجتها، كقضية اجتماعية كارثية تحتاج لتوعية.
وتدور قصة الفيلم، الذي كتبته ببراعة مطلقة سندس برهوم، حول واقع المخيّمات، ولكن الكاتبة لم تشأ الخوض في القضايا المعتادة كالقهر والجوع والبرد، وغيرها من المواضيع التي باتت معروفة لدى الجميع سواء عبر نشرات الأخبار أو غيرها، بل أرادت التطرّق إلى موضوع لم يسبق للسينما أو حتى الدراما في العموم الخوض فيه، وهو ليس مرتبطا بالمكان، المخيم في حالتنا، بل هو مرتبط بالأفكار التي يحملها الرجل الشرقي، بمعنى أدق، مرتبط بالجهل وعدم التوعية لدى بعض المجتمعات.
لكن المخرج اختار له هذه البيئة ليبرّره دراميا، فظاهرة التكاثر ضمن مخيمات اللجوء باتت تشكّل خطرا ليس فقط على من يرعى تلك المخيّمات بل على البلدان المضيّفة لها، كلبنان نموذجا، وجاءت العلاقة الحميمة حجر الأساس في الفيلم، كاحتياج طبيعي لا يمكن تجاوزه خاصة في أوقات الحروب والأزمات، وما تتبعها من تداعيات غير محمودة، وخاصة على صعيد الإنجاب، أو على صعيد ممارسة العلاقة ضمن خيمة يجتمع فيها الأبناء جنبا إلى جنب مع والديهم.
فيلم "الخيمة رقم 56" استطاع أن ينقل للجمهور صورة المخيم عبر أربعة ممثلين وأن يطرح قضية حساسة دون ابتذال
كاتبة السيناريو ورغم جرأة الموضوع، استطاعت الالتفاف عليه بأن جعلته كوميديا، فاقترحت إنشاء الخيمة 56، لتكون ملاذا وحيدا ومعلنا للمتزوجين، لكن هذا المقترح لن يكون مقبولا لدى البعض على اعتباره علنيّا، والأسوأ أنه لن يدوم طويلا، فالخيمة تحترق في نهاية الفيلم المتوقعة، لكن المخرج يختار مفاجأة الجمهور بإضافة مشهد مفتوح بعد انتهاء الشارة، حين جعل كل سكان المخيم من رجال ونساء وحتى أطفال يعيدون بناء تلك الخيمة، كل ذلك عبر لغة سينمائية ودرامية ذات أبعاد كثيرة، والأهم من كل ذلك بعيدة كل البعد عن الابتذال.
رغم أن موضوع الفيلم قد يكون دليلا أو ذريعة لتؤكد أن البلدان المضيفة لتلك المخيمات معها كل الحق في الشكوى من تلك الظاهرة، إلا أن المخرج يرى أن الفيلم جاء ليدعم الثقافة الجنسية الحقيقية ومعرفة التعامل معها لتكون ضابطا وليس العكس، ولتكون سببا في تجنب الإنجاب، “فالاستخدام الخاطئ لهذا الاحتياج يؤدي إلى تلك النتائج الكارثية، وعدم خوضنا في تلك المشكلة لن يجعلها تحلّ. الفيلم بمثابة رمي حجرة صغيرة ضمن بحيرة، ولكن صداها ربما يجعل الناس تفهم وتعي هذا الاحتياج”.
ولكن كيف استطاع الفيلم أن ينقل للجمهور صورة المخيّم عبر أربعة ممثلين فقط، وأن يطرح هكذا قضية حساسة وجريئة دون أي ابتذال، وأن يبدو مقنعا، يقول سيف الشيخ نجيب “لأن فكرته جد قاسية ومضامينه تحمله، قدمناه بطريقة بسيطة وخفيفة، ورغم أنه في السينما كل شيء مشرّع، وكان بإمكاني مثلا في مشهد الرضاعة أن أظهر ثدي الأم لكني لم أفعل، لأن ذلك كان سيسيء لفكرة الفيلم، الذي لم يكن هدفه الخوض في الأجساد وعريها، ولا حتى الغريزة، بل الحديث عن الاحتياج الجنسي، وخدش الحياء بالنهاية لن يسمح للجمهور بتقبّل فكرة العمل اللطيفة التي لم تخلُ أحيانا من بعض الكلمات النابية”.
ويؤكد أن السينما في النهاية مجرّد لعبة لو اقتنعنا بها سنقبلها، وهذا الهارموني الذي نشأ بين الشخصيات الأربعة والجمهور هو الذي جعل الفيلم مقبولا، ونهاية الفكرة والحل لها جاءا بعد الشارة، حين أعاد أهل المخيم جميعا، رجالا ونساء وأطفالا، بناء تلك الخيمة.
ويضيف نجيب “النهاية وضعت بهذا الشكل (بعد الشارة) لأن هذا ما نتمناه كصنّاع فيلم، أن يكون الموضوع للطرح والتداول والابتعاد عن الكليشيهات التي يفرضها المجتمع، وليؤكد أن الحديث عن هذه الاحتياجات المهمّشة التي طرحها الفيلم لأول مرة في أعمالنا الدرامية، ليست حراما أو عيبا”.
وصوّر الفيلم في ظرف ثلاثة أيام فقط في أحد مخيمات اللجوء في لبنان، بدعم ضئيل من الاتحاد الأوروبي، كما يشير المخرج، بحيث عمل برفقة الممثلين نوار يوسف، صفاء سلطان، علاء الزعبي، شادي الصفدي، سارة الطويل، والطفل وليم السيجري، إضافة إلى الفنيين، بشكل مجاني، وقد رافق الفيلم فريق توعوي مكوّن من ثلاث لجان من الاتحاد الأوروبي لضبط المخيم أثناء التصوير من خلال إقامة اجتماعات للنساء والأطفال حول عدة مواضيع من ضمنها موضوع الفيلم.